خطبة \ صمام الأمان ( 3 ) \


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

الخطبة الأولى:

أما بعد معاشر المؤمنين..

حديثنا موصول عن صمام الأمان، الذي تطمئن به وبإقامته النفوس والقلوب، وتصلح الأفعال والأحوال، ويستقيم أمر الأفراد والجماعات، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..

وقد سلف لنا حديث عن أهميته وخطورته، وثنيّنا بحديث يخصنا في التأهل له والتهيؤ واتخاذ الأسباب لإقامته، واليوم دعوة للجميع لا يستثنى منها أحد، التحق بالقافلة، كن في ركب الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، قال الكيلاني - رحمه الله - في هذا المعنى:

\"كان هو - يعني الرسول - صلى الله عليه وسلم - الداعي والدليل إلى رضوان الله - عز وجل -، ولما اختاره الحق - عز وجل - أقام له من أمته من يخلفهم فيهم، وهم آحاد أفراد من كل ألف ألف واحد يدلون الخلق ويصبرون على أذاهم مع دوام النصح لهم \".

فكن في هذه القافلة السائرة على خطى محمد - صلى الله عليه وسلم -، وكن في هذا الركب المتتبع لآثار هدي المصطفى - عليه الصلاة والسلام -.

 

وأصيح بنفسي وبكم إلى العمل قبل فوات الأوان، وقبل اتساع الخرق على الراقع، وقبل انفراط العقد وعدم إمكان التسديد، فكلنا يدرك الصور كثيرة التي تنذر بمخاطر عظيمة، لا أقول كثرة المنكرات، فكلكم يعلم كثرتها ويرى انتشارها ويعرف تكررها.. بل أزيد فوق ذلك، قلة المنكرين، فلا تكاد تسمع لسانا بالحق ناطقا، ولا قلما بالإنكار كاتبا إلا ما رحم الله، ويزداد الأمر خطورة إذا رأينا إعلان المنكرات، فإنها ليست منتشرة ومستترة، بل في كثير منها ظاهرة نراها على القنوات ونسمعها في الإذاعات، ونبصرها على صفحات الصحف والمجلات، ونسمعها في الجلسات والمنتديات، ونزيد في هذه الخطورة زيادة وهي تهوين المنكراتº فإن قلت كيف هذه الصور للنساء حاسرات الرؤوس مزينات الوجوه، قيل وهل لا زالت ترى في هذا خطرا الأمر أعظم، ومثل هذا صار أمرا مألوفا أو صار أمرا لا ينكر عليه، أو صار أمرا فيه وما فيه، هل ترى مذيعة الأخبار وهي متزينة هل في ذلك من شيء، لم لا زالت عقولكم محدودة؟ أصبح المنكر الذي لا شك مطلقا في حرمته ولا خلاف بين أهل العلم بين مجيز ومحرم أو غير ذلك، أصبح هينا سهلا يستغرب من إنكاره ويتعجب ممن يتعجب من وجوده ووروده.

 

ثم ننتقل إلى خطوة أعظم وأخطر وهي: تسويغ المنكرات، وإضفاء الشرعية عليهاº سواء كانت شرعية شرعية، أي من مدخل الاختلاف الذي يزعمونه ويوسعونه ويجعلون ما ليس مختلفاً فيه داخل في دائرة الاختلاف، حتى صار المرء يبحث عن أمر محرم لا شك في حرمته، ولربما يأتينا من يقول غداً وهل في الخمر من حرمة مقطوع بها فيها أقوال وفيها اجتهادات، وربما كما سمعنا من قبل، يأتي ذلك على الربا، ثم يأتي على الطوام الكبرى والكبائر العظمى - والعياذ بالله - بل قد بلغ الأمر إلى أمور أخطر تمس الاعتقاد وجوهر التوحيد وقيل فيه أقوال وفيه أراء وفيه غير ذلك.

 

وتسويغ آخر، هو التسويغ العالمي الأممي العولميº فنحن جزء من العالم، ما حدث في العالم ويحدث فيه لا بد أن يحدث عندنا مثله، فإذا رقص العالم يجب أن نرقص وإذا تعرى العالم يجب أن نتعرى حتى لا نكون شذوذا في هذا العالم، وهذه من الفرية والفرى العظيمة، حتى يتجدد عندنا القول القرآني الرباني، الذي وصف لنا حالة مشابهة في مجتمع فشا فيه منكر عظيم في عهد لوط - عليه السلام - وفي قومه حتى قالوا للنفر القلة المتبعين للوط - عليه السلام -: {أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون}..

لم يعد للأطهار مكان، ينبغي أن يتدنسوا وأن يتلطخوا بأوحال المعاصي والآثام ليستجيبوا لدعوات العالمية والعولمة كما يزعمون، أو تلبيس وتسويغ آخر، برؤى الانفتاح، ورؤى استيعاب الناس وتأليف قلوبهم، ولست أدري كيف يسوغ التأليف بما هو محرم مقطوع بحرمته، وقد رأينا وسمعنا الكثير من ذلك، ولست أعيد القول لكنني أقول وقد صارت الأمور متجاوزة: كثرت المنكرات وقد مرت بقلة المنكرين، ثم صارت في إعلانها ثم مرت بتهوينها ثم انتهت إلى تسويغها، فمتى إذاً يستيقظ النائمون؟ ومتى يتنبه الغافلون؟ ومتى يتحرك الغيورون؟ ومتى ومتى ومتى مما تعلمون.. ومما نريد اليوم أن نبسط القول فيه.

لا بد أن يتحرك الناس من أهل الإيمان والإسلام والغيرةº وإلا فإنهم يحكمون على إيمانهم بالضعف والهزال، وعلى غيرتهم بالذبول والزوال، وعلى حميتهم بالانتقاص والانتقاض، وكأنهم لم يعودوا يمثلون إسلامهم ولا يحيون إيمانهم، ولا يجددون انتصارهم، ونصرتهم واتباعهم لرسولهم - صلى الله عليه وسلم -، ولا يحيون ولا يجددون سير أسلافهم، وتاريخهم المشرق الوضيء، ولذا فأقول الحق بالقافلة، سر مع السائرين.

 

وهذه ومضات أبثها وأجعلها خطوات على الطريق، وقد أسلفت القول منذ بداية حديثنا أننا سنواصل القول لننتقل من القول إلى العمل، ومن التنظير إلى التفعيل ومن مجرد السماع والانفعال إلى التأثر والفعل، عوامل القوة والنجاح، إذا سرنا في هذا الركب وإذا أخذنا هذه المهمة فكل شيء يعيننا بإذن الله.

أولا: قوة الشرع الحاكمة، أنت ناطق بكتاب الله لا تحرم من عند نفسك، أنت واعظ بكلمات الله لا تؤثر بأقوالك، أنت مجدد لغضبة وحمية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تفتعل شيئا من عندك، فقد كان - عليه الصلاة والسلام - إذا انتهكت محارم الله لم يقم لغضبه قائمة، كان يرى في وجهه التغير والاحمرار والغضب، إذا رأى المنكر وإذا رأى الفساد والانحراف.

لما كان بعض أصحابه يوما في مجلس فاختلفوا في القرآن حتى عظم خلافهم، خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكأنما فقئ في وجهه حب الرمان أي من شدة احمراره وغضبه، قال: (لا تختلفوا على كتاب ربكم فإذا اختلفتم فقوموا عنه) أي لا تجعلوا ما هو سبب الائتلاف سببا للاختلاف، وهذا في أمر من الأمور فكيف بما هو أعظم من ذلك.

 

ثم معكم كذلك قوة الأنظمة المانعة، كل أنظمة هذه البلاد المنصوص عليها في الإعلام في التعليم في التجارة كلها مع الإسلام وباسم الإسلام، كلها تقول وتنص أن ما يخالف الإسلام يعد مخالفا للنظام، فلماذا نفتقد الجرأة ومعنا شرع الله ومعنا نظام البلاد ونص نظامها، والقائمون بالمنكرات مخالفون لأنظمتها، الناشرون لهذه الصور في صحفنا ووسائل إعلامنا مخالفون للنصوص المنصوص عليها في السياسة الإعلامية وأنظمة الإعلام، كيف يكون المخالف جريئاً، وكيف يكون المطالب بالنظام خائفا أو متردداً.

وممعنا كذلك قوة القيادة المؤكدة، هذه البلاد قامت على تحالف وتآزر وتعاضد بين الدعوة والدولة، منذ الإمام محمد بن سعود ومن كان معه الإمام محمد بن عبد الوهاب، ذاك رافع لراية الدين، وهذا مسدد ومعين وموافق ومؤيد بسلاح وقوة الدولة، ومازال ذلك سارياً إن شئت أن تعارض المنكرين الواقعين في المنكر بأقوال الملك عبد العزيز وجدت له في الاختلاط وفي الإنكار على السفور ما أنت حري بأن تقوله، إلى يوم الناس هذا وقائد بلادها وهم يؤكدون أننا نلتزم العقيدة الإسلامية، وأننا نطبق الشريعة الإسلامية، وأن سر كل ما هو عندنا من الخير إنما مردّه إلى ذلك، فلِمَ لا نقول إن هذه المنكرات تخالف قولكم! ولِمَ لا نقول هذه الأقوال لمن يخالفون لنقول إنكم أنتم الذين تخالفون ولاة الأمر وتخالفون توجههم ونظام الدولةº فضلاً عن مخالفة شرع الله - عز وجل -.

ومعنا كذلك قوة المرجعية المؤيدة، أهل العلم وكبار العلماء والمفتي وهيئة كبار العلماء وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. كل أولئك من أهل العلم مؤيدون لكل مسيرة إصلاح ولكل راية ترفع الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وفق الأسس والضوابط الشرعية فلم لا نكاتبهم ونخاطبهم ولم لا نطلب أن تتحرك كل قوى الأمة في هذا الاتجاه.

أنتقل بعد هذا أيضا إلى صورة الخطوات العملية، وأبدأها بالخطوات مع الفاعلين للمنكر، لم نتركهم للشيطان يستولي عليهم، لم نتركهم لضعف أنفسهم يدنو بهم ويسهل بهم، لم نتركهم لأهوائهم تلعب بهم وتأخذ بهم يمنة ويسرة، لم لا نناصحهم مناصحة شفهية مباشرة لمن نعرف بالحكمة بالموعظة الحسنة بالسر المناسب لحال كل واحد، لو فعلنا ذلك لو أن كل مرتكب لمنكر في حيه وجد خمسة أو عشرة من الناس كلهم يقول له: اتق الله إن هذا فيه حرام.. إن هذا يضرك في دنياك.. إن هذا سيكون له عقوبة ووبال في أخراك.. هل ترونه لا يرتدع؟!

{وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين}

{فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى}

قلوب مؤمنة فيها حياة وفيها روح، قد يكون ران عليها أثر المعصية، قد يكون استولت عليها الشهوات لكنها ما زالت فيها جذوة الإيمان وبذرة اليقين وحب الخير والصلاح، تتذكر وتتعظ، إن لم تكن قادرا على ذلك وحدك، فاصطحب معك واحداً من الجيران أو من الإخوان أو من المعارف، قم بهذه المهمة وحدك أو مع غيرك، قوموا بها أفرادا تتعاقبون يأتيه هذا اليوم وغدا يأتيه ذاك، وبعد غد يأتيه ثالث حتى يشعر بأن الجميع ينصحونه ويردعونه، وكذلك ممكن أن يكون ذلك في مجموعات متوالية، ثلاثة يزورونه وأربعة يمرون به وخمسة يقابلونه حتى يشعر أن كل من حوله يريدون له الخير ويحبون له أن يعزل عن هذا الطريق الذي يعرضه لسخط الله - سبحانه وتعالى -.

 

ومن ذلك المكاتبة المباشرة حتى لمن لا تعرف، هل رأيت كاتباً كتب يوماً مقالاً فيه انحراف، وفيه خطر، وفيه دعوة إلى فساد، عنوانه مكتوب.. اكتب له وإن كنت لا تعرفه ولا يعرفك، انطق بالحق فلو أن كل واحدٍ, صنع ذلك منا لجاء لهذا الكاتب عشرات بل مئات بل ربما آلاف الرسائل تقول له إنك أخطأت، ربما يرجع، بل نأمل كذلك بنسبة كبيرة أن يغير رأيه أو أن يتوازن أو أن لا يستمر في ذلك أو أن يخشى عاقبة أخراه أو أن يستحي أن يكون شاذا بين الناس، لكنه إن كتب وجد من يؤيده وثاني يكتب مثله ولا أحد يكتب ولا أحد يعترضº فإن مثل هذا لا شك أنه من السلبية والتخلي عن المهمة العظيمة التي بتركها يقع الفساد والشر {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} وفي تتمة الآيات {إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير}.

إن لم يكن ولاء على الطاعة وتبادل للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في داخل الأمة تفكك بنيانها وتصدعت قوتها، وأصبحت مهددة بأن يدوس الأعداء في خلال ديارها، وأن يتسربوا وينتشروا في أوصالها، وأن يشيعوا الفساد فكرا منحرفا وسلوكا منحرفا في أبناء أمتها.

وهذه صورٌ مهمة.. اكتب لرئيس التحرير، اكتب للكاتب، اكتب لمدير تلك القناة، اكتب ولو كنت تظن أنه لن تكون هناك استجابة، لو أن كل كاتب كتب دون النظر إلى الاستجابة لوصلت الكتابات - كما قلت - إلى الآلاف بل عشرات الآلاف، كم أعدادنا في كل مجتمع خير، كم الذين يملئون المساجد هل يأتون المساجد ليسمعوا ثم يخرجوا دون أن تكون لهم مهمة تجاه دينهم ولا غيرة على حرمات ربهم، ولا انتصار لسنة رسولهم - صلى الله عليه وسلم -، إذا فهذه الصورة القبيحة التي ذكرت لكم عنها من كلام ابن القيم - رحمه الله -.

 

الخطوات مع المؤثرين:

فلنكتب ولنصل بأنفسنا كذلك إلى المسئولين من أكبر مسئول في الدولة خادم الحرمين، يقول انصحوني، ويقول قدموا لي ما تريدون ويعلن ذلك.. فلِمَ لا نصنع لم لا نكتب لم لا نصل بقدر مستطاعنا وبقدر من يستطيع منا، لِمَ لا نكتب إلى علماءنا وإلى المفتي وإلى الهيئات وإلى كل ذوي الرأي! لِمَ لا نكتب إلى أمراء المناطق ومسئولي وأمراء المحافظات! لِمَ لا نكتب لمسئولي الدائرة التي نعرف أن فيها مخالفة أو منكراً! لو كل ذلك صنعناه فهل يعيبنا ذلك أو هل نكون مخالفين لشيء؟ كلا! قلنا كلمة حق بأسلوب مهذب و نصيحة محكمة مطعمة ومطرزة ومنوّرة بآيات القرآن الكريم وأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وأقوال من أقوال قادة هذه البلاد ونصوص من الأنظمة المنصوص عليها في هذه البلاد، إذاً أقمنا الحجة ودعونا إلى خير لعله أن يكون فيه كثير وكثير من الخير.

 

الكتابة للقضاة وللوجهاء أيضاً من التجار وأصحاب السمعة والسيرة الحسنة في الناسº فإن الناس ربما يسمعون لقولهم أكثر مما يسمعون لقولي وقولك، وربما لو تكلم الوجيه مع المسئول عندما نصل إلى ذلك الوجيه ونخبره عن أثر المنكرات، يكون الأمر فيه خير وتأثير ولو أن كل واحد وكل مجموعة في حي فعلت ذلك لكان من وراء ذلك خير كثير، ولجددنا سير أسلافناº فقد كانوا ينتدبون لهذه المهمة ويحرك بعضهم بعضا فيها، ليس في عصور متأخرة بل من العصور المتقدمة فهذا هشام بن حكيم - رضي الله عنه - وأرضاه كان يأمر بالمعروف في رجال معه يصطحبهم يأخذهم معه، يسيرون متعاضدين حتى يروا الناس أن للخير من يأمر به، وأن للمنكر من ينهى عنه، وأن في المجتمع وفي الأمة أحرار أغيار لا يرضون أن ينتكس حال أمتنا وأن تتأخر من بعد التقدم وأن ترجع إلى المعاصي بعد أن سبقت إلى الطاعات وأن نؤكد ونستيقن أنه لن يصلح حال أمتنا إلا بما صلح به حال أولها، استقامة لا يعتريه انحراف (قل آمنت بالله ثم استقم)

وأمر بمعروف ونهي عن المنكر يتدارك كل خطأ وكل غفلة ونسيان.

وهذا المحدث الزاهد عبد الرحيم البغدادي في بغداد في زمانه كان مما ذكره الذهبي عنه أنه قال وله أتباع وأصحاب يتولون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذكر ابن الجوزي عن ابن عقيل قوله رأينا في زماننا أبابكر الأقفالي في أيام القائم - أي في أيام حكم الخليفة القائم بأمر الله- قال: \"كان إذا نهض لإنكار المنكر استتبع معه مشايخ لا يأكلون إلا من صنعة أيديهم\" أي ليكونوا أحرارا في قول الحق.

ثم ماذا؟ ثم يقوم بمهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سواء كان بالقول أو بالكتابة بالأسلوب المناسب وتاريخنا مليء بذلك، فهذا الحسن البصري - رحمه الله - يكتب إلى عمر بن عبد العزيز الخليفة المؤمن الزاهد العادل فيذكره في رسالة طويلة:

\"يا أمير المؤمنين إن الأمير العادل أب شفيق.. يا أمير المؤمنين إن الأمير العادل كذا وكذا \"، ثم يختم له فيقول: \"وأذكرك يا أمير المؤمنين إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور، فالأسرار ظاهرة والكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، فالآن يا أمير المؤمنين وأنت في مهل قبل حلول الأجل وانقطاع الأمل، لا تحكم يا أمير المؤمنين في عباد الله بحكم الجاهلين ولا تسلك بهم سبيل الظالمين ولا تسلط المستكبرين على المستضعفينº فإنهم لا يرقبون فيهم إلاً ولا ذمة فتبوء بأوزارك وأوزارا مع أوزارك وتحمل أثقالك وأثقالا مع أثقالك، ولا تنظر إلى قدرتك اليوم ولكن انظر إلى قدرتك غدا وأنت مأسور في حبائل الموت وموقوف بين يدي الله، في مجمع من الملائكة والنبيين والمرسلين وقد عنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما\".

 

لو أن كل حاكم من حكامنا وجد من يكتب له ذلك، أفلا يكون في هذا تأثيراً في قلبه ونفسه؟ أفلا يكون له زجر عن المنكر إن كان واقعا في حكمه أو بأمره أو بمعرفته؟ أفلا يكون على أقل تقدير مانعا له من الزيادة فيما قد يكون في هذه المنكرات.. لِمَ لا نأخذ الخطوات العملية في هذا الجانب كذلك؟!

 

وأنتقل إلى الخطوات الإعلامية وما أدراك ما الإعلام يوم يكون وسيلة إفساد ويوم يكون وسيلة إصلاح، إن كلمتي هذه تسمعونها أنتم، لكنها يوم تكتب في صحيفة قد يقرؤها أضعاف أضعافكم، ولو أنها كانت مبثوثة في قناة لسمعها أضعاف الأضعاف، وكذلكم تكرر وتعاد ويزاد معناها ويأتي مثلها، فكلما كانت الرسالة متكررة وبصور متنوعة أصبح تأثيرها عظيما.

وهذا الذي نراه في التأثير الإفسادي، هذا الذي رأينا أثره في شبابنا الذين اجترءوا اليوم أن يروا امرأة تركب سيارة فيفتحونها وسط الطريق العام ويخرجون منها المرأة ويأخذونها على مرأى من الناس، من يصدق أن مثل هذا قد حدث وكتب في الصحف في بلادنا هذه، إنها الخطوات التي تبدأ قليلاً ثم تعظم حتى تصبح سيلا جارفا، كما قال القائل: \"ومعظم النار من مستصغر الشرر\" ونعلم جميعا أن أول الغيث قطر ثم ينهمر.

هذه الخطوات الإعلامية نبدأها بالكتابة الصحفية كل من له قدرة أن يكتب ليس لمجرد الرد على من أخطأ بل أن يكتب في أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أن يكتب في خطورة المنكرات، أن يكتب أن كل منكر يشيع فهو سبب في الإخلال بالأمن، سواء ما نرى من كثرة الجرائم أو انتشار المخدرات أو غير ذلك من الأمور مبعثها ضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع، لأن الأمن ورجاله لا يستطيعون أن يقفوا فوق رأس كل واحد أو يكون عند كل بيت دورية من الشرطة ما لم يكن زاجر ورادع في قلب الإنسان بتربيته الإيمانية الإسلامية وما لم يكن مذكر وواعظ بإحياء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأحياء وأن يكون في كل حي مجموعة تقوم بذلك، فإن كثيرا من هذا يضيع أثره.

 

ونحن نعلم اليوم كثرة هذه الجرائم، والعالم اليوم منذ عدة سنوات وعندنا ينادي بما يسمى الشرطة المجتمعية، أن يكون المجتمع في كل ناحية منه شرطة، أي تقوم بالتنبه للأخطار ومراقبة الانحرافات والتبليغ عنها أو النهي عنها أو معالجتها، وذلك أمر مهم ومطلوب، إن لم تستطع فكاتب أو اكتب إلى بعض الكتاب الخيرين الصالحين الذين ترى كتاباتهم، بلغهم عن خطورة المنكرات، اذكر لهم بعض ما ترى فسوف يعالجون ذلك بأقلامهم، وسوف يكتبون ما لعله يكون أجرك فيه أعظم من أجرهم، ويكون الأثر له من بعد خيرا عاما بإذنه - عز وجل -.

كاتب مقدمي البرامج الذين يقدمون برامج نبههم إلى القضايا التي يثيرونها، اجعله بكتابتك يجعل حلقة عن السفور والتبرج وأخطاره، وحلقة عن انحرافات الشباب المراهقين وأسبابها، وحلقة عن التقليد والتبعية التي يسير فيها الشباب والشابات وراء أجيال ووراء مجتمعات غير مسلمة ولا ملتزمة ولا تمت لنا بصلة، لعلنا إن فعلنا ذلك وجهنا على أقل تقدير بعض الإعلاميين ليكونوا أدوات في التنبيه على الأخطار والدعوة على الإصلاح.

التواصل مع مراكز الدعوة والإرشاد في كل حي مندوبية لهذه الدعوة لم لا نصل إليها لم لا نأخذ منهم ما لديهم من المطبوعات فنوزعها، لم لا نخبرهم ببعض المنكرات ونطلب منهم أن يعقدوا فيها الندوات والمحاضرات أو أن يحرروا فيها تلك المطويات ونعمل على نشرها فإن ذلك أيضا فيه خير كثير.

مراكز الأحياء الآن في هذه المدينة والمحافظة في كل حي يبدأ الآن إنشاء مركزاً يسمى مركز الأحياء، لتقديم الأنشطة الاجتماعية وتوعية الشباب.. لِمَ لا نكون من خلالها ندق نواقيس الخطر ونحذر من هذه المنكرات.. لِمَ لا نجعل ما يسمى بالديوانيات في كل حي عند بعض وجهاء حي، عندما يجتمع الناس على حديث وأنس وطعام وشراب أن يجعلوا هذه الموضوعات مثارة في هذه المنتديات ليتنبه الغافلون، بعضكم معاشر الآباء هنا لا تعرفون ما يصنعه أبناءكم، لا تعرفون أمورا لم تتعاملوا معها، في الانترنت والفضائيات وغيرها، هؤلاء الأبناء يعرفون ويتأثرون وأنتم لا تعلمون أنهم مخالفون، ربما تسمعون وتدركون ما تحتاجون به أن تنظروا إلى بيوتكم وأسركم، وأن تتفقدوا أحوال أبناءكم وبناتكم، وأن تحرصوا على أن تؤدوا واجبكم ودوركم في داخل بيوتكم، وهكذا.. كثيرة هي الوسائل.

الجمعيات الخيرية جمعية البر التي تؤوي اللقطاء من الأبناء الذين خرجوا أو نتجوا عن هذا الانحراف، هي تعاني ويمكن أن تعطينا معلومات ويمكن أن نتعاون معها في حملة نمنع بها مثل هذه المنكرات، والأمر يطول والحديث يعظم والوسائل تكثر والخطوات لا منتهى لها ولكن ندائي الذي أكرره الحق بالقافلة قبل أن يفوت الأوان.

نسأل الله - عز وجل - أن يحفظ علينا إيماننا وإسلامنا وأخلاقنا، وأن يقيم في مجتمعاتنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن يجعلنا في هذا السبيل من العاملين إنه ولي ذلك والقادر عليه.

أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

أما بعد معاشر الأخوة المؤمنون:

وإن من أعظم التقوى الغيرة لحرمات الله والانتصار لدين الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ومن الخطوات كذلك الخطوات الاجتماعية التي يتواصل فيها الناس مع الوجهاء ومع ذوي الكلمة المسموعة في كل حي وفي تلك الديوانيات كما قلنا، وفي العمل على التواصي مع الأئمة والخطباء، زر إمام مسجدك وحيك قل له اخطب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حدثه عن بعض ما يجري حتى يكون اللسان الناطق بذلك كثيرا.

ولنأخذ كذلك سمة في كل حي إذا كان فيه مكان يمارس فيه شيء من المنكر ننصحه ونعظهº فإن لم يتعظ فلنقاطعه، فلنقاطعه شراء ولنقاطعه زيارة، ولنشعره بأننا سنكون كذلك من الذين يبلغون عنه الجهات المسئولة عن مخالفته الجهات النظامية والشرعية قبل ذلك، لو فعلنا ذلك في ضوء الضوابط التي قلناها وأذكر بها أن يكون لنا معرفة شرعية بالمنكر، وأنه منكر محرم ولا نرجم بالقول من عند أنفسنا، وأن نفرق كذلك بين دائرة المنكر الذي لا خلاف في إنكاره وحرمته وبين ما هو دائر في الاجتهاد بين اجتهاد معتبر عند العلماء ثم الانضباط في الوسائل بالحدود المشروعة، فلا عنف ولا عدوان ولا تسلط ولا شيء من ذلك، ثم أيضا بالعمل على الاستعانة بأهل العلم والدعوة بأن يكتبوا في هذه الأمور ويوضحوا لنا المعالم لنقوم بدورنا ونؤدي واجبنا.

ولعلي - وأنا أقول هذه الخطوات - أجعل لكم أمرا فيما بينكم وبين أنفسكم، قد يزعجكم قليلاً، وقد يحرجكم قليلاً، لكنني أحسب أنه سينفعنا جميعاً، ليكن لنا نوع من العزم والحزم مع أنفسنا ألا تأتي الجمعة القادمة إلا وقد قام كل واحد منا بخطوة من هذه الخطوات، ذهب فنصح، أو كتب فوعظ أو جمع الناس وطلب، أو أي أمر من هذه الأمور، لو أنك فعلت ثم بلغت غيرك ليفعل، اجعل لنفسك وعلى نفسك أن لا يمر بك هذا الأسبوع إلا وقد قمت بخطوة عملية مباشرة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، انتصارا لدين الله واتباعاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وغيرة على هذا الدين وعلى هذه البلاد التي تضم الحرمين الشريفين ولنكن كما قلنا متسلحين بسلاح الشرع ونظام البلاد وكلام قادتها ونصوص أنظمتها، وأقوال علماءها، فكل ذلك مبذول وميسور والحجة قائمة.

نسأل الله - عز وجل - أن يعيننا على أن نبرئ ذمتنا، وأن نؤدي واجبنا، وأن لا نكون من الشياطين الخرس الذين لا ينطقون بالحق إذا عرفوه ولا ينكرون المنكر إذا رأوه.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply