هموم الدعوة في الغرب


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

عندما نلقي نظرة على تاريخنا الإسلامي، وكيف انتشر الإسلام في فترة وجيزة ليغطي حوالي ثلاثة أرباع العالم القديم، فلا نملك إلا الدهشة والإعجاب للدور الذي لعبه التجار وغيرهم من الدعاة المسلمين في انتشار الإسلام في البقاع النائية من العالم القديم.

 عندما نحلل بعناية الحقائق التاريخية، نجد أن أولئك التجار والحرفيين بأسلوبهم التلقائيº وبتقواهم واستقامتهم في تعاملهم مع الناس، يختلفون اختلافاً جذرياً عن أولئك المبشرين الذين يمثلون الأديان الأخرى، والذين يستخدمون الوسائل الإغرائية والأموال الطائلة ودعم الحكومات والمؤسسات الرسمية وشبه الرسمية.

 إن سر نجاح المسلمين الأوائل في الدعوة، يكمن في كونهم مسلمين بحق، يطبقون الإسلام بصدق على أنفسهم، وينتهجون أسلوب الأمانة في التعامل اليومي مع كل البشر، وكانت شخصياتهم انعكاساً حياً وصادقاً للإسلام الحقيقي.

 هذه هي الوسائل التي كانوا يستخدمونها، والتي جعلت أولئك الذين يحتكون بهم يحاولون التعرف على ما يؤمنون به، وبالتالي تتكون القناعة التامة لديهم لاعتناق الإسلام، عن رغبة ملحة، فيأخذونه ديناً حياتياً.

 إن على المسلمين الذين يعيشون في الغرب، مسؤولية كبيرة وواجباً صعباً.

إن مهمتهم لا تنحصر فقط في دحض افتراءات المستشرقين وما يقومون به من تشويه للحقائق التاريخية، ولكن ليتصرفوا كمسلمين حقيقيين، ليكونوا مثالاً ناطقاً للإسلام.

كما كان الأوائل من السلف، وفوق كل ذلك، عليهم أن يحافظوا على الأجيال الجديدة التي نشأت في الغرب، من عوامل الذوبان من ناحية الدين والشخصية والهوية.

ويجب عليهم أن يجاهدوا في عرض الإسلام الحقيقي على الجيران والأصدقاء، ومن يحتكون به، عسى أن تمحى تلك الصورة التي خلفتها العصور السالفة وافتراءات المؤرخين، التي صبغت الإسلام بصبغة ممقوتة لدى الإنسان غير المسلم.

إن دائرة الضوء التي يجب أن نوجه أنظارنا إليها الآن في الغرب، هي الأجيال المسلمة التي ولدت في هذه البلدان.

 أحد القساوسة الهنغاريين، وجه كلامه في كنيسته، قائلاً للأقلية الهنغارية التي تقطن أمريكا: (أنتم أيها الهنغاريون في البيئة الأمريكية، كأنكم في جزيرة صغيرة وسط محيط هائل، وإن الأمواج تعصف بها من كل جانب، وما لم تعملوا شيئاً لحماية هذه الجزيرة، فإنها ستصبح يوماً ما جزءاً من هذا المحيط الزاخر).

 إن نفس الشيء يمكن أن يقال عن المسلمين في الغرب.

إنهم أقلية صغيرة في بيئة غير مألوفة، وما لم يبادروا إلى المحافظة على قيمهم، فإنهم سيكونون هم الخاسرين.

 إن الصعاب التي يواجهونها الآن ليس مستحيلاً التغلب عليها، ولكنها تحتاج إلى اهتمام وعناية بالغتين.

 فالمشكلة تكمن في عدم الخبرة في فن إبراز الإسلام أو تمثيله التمثيل الصحيح، وأن الكثير من ذلك يعتمد على طريقتنا في تعليم أولادنا الطرق المثلى للقيم والعادات والتقاليد، فالكثير منا يحاول فرض ذلك بالقوة وهذه طريقة غير مأمونة العواقب بل لا بد من استعمال الحكمة.

 إن طريقة الدعوة للإسلام في البلاد العربية مثلاً، تختلف في بعض جوانبها عنها في إنكلترا، وإن طريقة الدعوة في إنكلترا، تختلف عنها في أفريقيا..

(ادعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ).

 إننا إذا أردنا أن نعرّف أحدهم بالإسلام، فالحكمة هي الوسيلة لذلك.

إن كلمة الحكيم في اللغة العربية والتركية والفارسية والأردية، وبعض اللغات الأخرى، تعني الطبيب.

والطبيب الحاذق هو الذي يشخص الداء، ويعطي الدواء المناسب لكل علة، ولو أنه أعطى لكل المرضى نفس الدواء، لشفي البعض، وبقي البعض الآخر عليلاً، وربما مات بسبب الدواء.

عندما يدعونا القرآن الكريم إلى استعمال الحكمة في الدعوة إلى الله، فإن هذا يعني التمييز في وسائل الدعوة، حسب الظروف والأحوال والأمكنة والأشخاص.

 علينا أن نحلل الأشخاص أمامنا ثم بعدها نقرر طريقة الدعوة لكل واحد بما يلائمه.

 في البلاد الإسلامية، يقوم الخطيب أو الداعية، أحياناً، وبنية حسنة طبعاً، بتقريع الناس، والنحو باللائمة عليهم، ولكنهم يتقبلون ذلك بصدر رحب وهم مدركون أن هذا الانتفاد أو التقريع، إنما جاء لحرص الخطيب أو الداعية على هداية الناس - إلى الطريق الأصوب، أما إذا ما استعملت الطريقة ذاتها في الغرب، فإن الداعية سوف يسمع كلمات تدل على أنه تعدى حدوده وأثار مشاعر الآخرين، وحتى من أولئك الشباب اليافع الذي يرى أنه يعيش في مجتمع حر، وأن هذا الخطيب أو الداعية قد جرح شعوره، وأثار حفيظته.

من هنا تأتي ضرورة التفريق بين هذا وذاك في انتهاج أسلوب الدعوة، لأن الناس ليسوا على نفس الشاكلة.

 إن الداعية في الغرب، يواجه مهمة صعبة للغاية، أما في البلدان الإسلامية، فإن الناس، على الأغلب، مشتركون في الانضباط الإسلامي والقيم الخلقية، وعلى مستوى معين.

وبعكس أولئك الذين يعيشون في الغرب، وفي إنكلترا بالذات، فإن الداعية يتعامل مع خلفيات متشعبة جداً من حيث العادات والتقاليد والأعراف واللغات والاتجاهات المذهبية والعرقية.

إن كل هذه الاختلافات يجب أن توضع في الحسبان وتحلل وتهضم ثم توجه الدعوة، وبوجود مثل هذه القاعدة العريضة والمتشعبة، فإن الهداية إلى طريق الله - تعالى -، تأتي بعد ذلك من الله وحده، لمن أراد هدايته.

 إن على الآباء والأمهات في الغرب أن يكونوا حذرين في كيفية توجيه النصح والتعامل مع أبنائهم إذ من الممكن أن يفقدوهم، حيث أن النظام الاجتماعي يسمح لهم بالتمرد والعيش بمعزل عن الأهل حيث يتم إيواؤهم من قبل واجهات النظام الاجتماعي، فيعيشون بعيدين عن جو العائلة الإسلامي، وتكمن الخطورة في اندماجهم برفقاء السوء، وانصهارهم في محيط المجتمع الزاخر.

 إن الإسلام كذلك يضمن للأبناء أن يحيوا حياة تحقق لهم العيش بكرامة وحرية، ضمن الأطر الإسلامية، داخل البيت وخارجه.

 عندما يعطي القرآن الكريم ثلاثة طرق للدعوة وهي: استعمال الحكمة أولاً، ثم الموعظة الحسنة، ثم المجادلة بالتي هي أحسن، فإننا على الأغلب نجادل أكثر بكثير مما يجب، ونحاول التركيز في جدالنا على الاختلافات الطفيفة في المسائل الفقهية، بينما الواقع يقول بأن هذه الاختلافات، لا تحمل تناقضات في الدين.

إن الجدال بشكل عام، لا يخلق إلا الفتنة والنزاع، ويضيع كثيراً من الجهود المخلصة والهادفة، وكثيراً من العمل البناء الدؤوب، وإننا لنشهد الكثير من هذه الممارسات الخاطئة يومياً.

 إن البعض يتعامل في أمور الربا ويصرف الأموال الطائلة على أشياء كمالية، ولا يؤدي الفرائض المطلوبة كالزكاة، والحج، ولكنه يناقش إن كان اللحم الذي يأكله قد ذبح على الطريقتة الإسلامية أم لا، إن مثل هذه التصرفات تقوى مزيفة، ينعكس خطرها على الأجيال التي نقوم بتربيتها.

 إن أكبر همنا أن لا يتزوج أولادنا من غير المسلمين، محاولين ضمان مستقبلهم بإرسالهم عند نهاية عطلة الأسبوع، إلى المدارس الخاصة لتعليم العربية أو الأوردية وتحفيظهم القرآن الكريم وتعريفهم بأمور دينهم، ثم نسرع الخطى بعدها إلى الانغماس في الدنيا، ولا نطبق الإسلام على أنفسنا، سواء داخل البيت أم خارجه.

إن الأطفال لا يمكنهم تعلم الكثير بهذا الأسلوب بقدر ما يعلمهم التقليد اليومي في البيت وأهلهم هم الأولى أن يعكسوا التصرف الإسلامي اليومي.

 إن علينا إذا أردنا أن يكون أولادنا مسلمين بحق - أن نكون مسلمين بحق.

 إذا كان لديك طفل يبلغ سنتين من العمر ورآك تصلي، صلى معك بتلقائية وعفوية، وسوف يأتي بعدها الفهم التدريجي.

إن التقليد دائماً يولد الفهم...

هذه هي الطريقة المثلى، والتي تبدأ من أشياء صغيرة، قد نحقرها، إلا أنها الأساس الذي تبنى الأجيال الإسلامية عليه.

 إننا نحاول أحياناً أن نحمل الأطفال ما لا يطيقونه..

يجب أن نعلمهم القراءة والكتابة بأناة وحكمة، ولو حاول الآباء صرف بعض الوقت، وباستمرارية وصبر، لآتت الثمار أكلها ومن ثم يأتي التعليم الأكثر عمقاً.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply