بسم الله الرحمن الرحيم
بين يدي هذه الملاحظات أقدِّم قول الشيخ عبد الرزاق عفيفي - حفظه الله - وهو يتحدث عن بعض الأخطاء الفقهية: (إن الذين لديهم ذكاء حاد لا يقبلون الصواب إلا إذا كان من عند أنفسهم، وذلك أن الله أعطاهم قدرات وطاقات عالية وفقوا بسببها إلى كثير من الصواب الذي أخطأ فيه الناس، ولذلك فلديهم من الثقة بآرائهم ما يصعب على الناس إقناعهم بغيرها).
لهذا أتمنى على من يقرأ هذه الملاحظات من أصحاب الذكاء الحاد أن يتفكر فيها بنفسه دون أن يطيل النظر في العبارة أو الأسلوب.
والله الموفق لكل خير.
أولاً: في مجال التربية والإعداد الجهادي:
إن ساحة أفغانستان مدرسة تربوية عظيمة لا يقدرها حق قدرها إلا من عاش فيها فترة من الزمن، إذ (ليس الخبر كالمعاينة)، وهو ميدان تبرز فيه الطاقات الكامنة في الأفراد.
إن معظم من يسيرون في طريق الدعوة إلى الله بحاجة ماسة إلى العيش فترة من حياتهم في هذا الجو الجهادي حتى تستقيم نفوسهم على الطاعة والعبادة.
ويكفي في مجال التربية شعور الداعية بدنو أجله وكتابة وصيته حتى تطهر نفسه من أخطائها وأدرانها وأمراضها.
ويكفي في مجال التربية الشعور بالأخوة في الله في أعلى صورها.
ويكفي في مجال التربية والإعداد الجهادي والتدريب على مختلف الأسلحةº مما يصقل الداعية ويطرد عنه عقدة الخوف المبتلى بها كثير من الناس اليوم.
لكن بقي أن نقول: أن هناك طائفة بارزة من الدعاة قد لا يكونون بحاجة ماسة إلى هذا الجو، نظراً لما حباهم الله من طاقات وقدرات عالية، إذ لديهم الاستعداد للمواجهة والتضحية في سبيل الله والصدع بكلمة الحق مهما كانت آثارها عليهم، لكن لنتذكر جيداً أن هذه الفئة قليلة وقليلة جداً بالنسبة لعموم السالكين لدرب الدعوة، ويجب عليهم أن يعلموا أن معظم الدعاة ليسوا على نفس المستوى الذي هم عليه.
وإن نظرة شاملة إلى حالة الدعاة في مختلف القطاعات، سواء في التعليم أو في المؤسسات أو في مواقع العمل المختلفة يتبين لنا منها ما تتعرض له النفوس من الأسن والتقهقر.
وفي ظني أن العيش في جو الجهاد كفيل بإزالة الصدأ المتراكم، وكفيل بدفع الداعية إلى النماء والعطاء والبذل والتضحية.
ثم إن المسلم الداعية الذي لم يعرض نفسه للجهاد لا يدري عن مقدار إيمانه الذي بين جنبيه، إذ أن الجهاد فضحٌ للمنافق حيث قال المصطفى -عليه الصلاة والسلام-: (من مات ولم يغز، ولم يحدث نفسه بالغزو، مات على شعبة من شعب النفاق).
والله - جل وعلا -يقول: (لَو أَرَادُوا الخُرُوجَ لأَعَدٌّوا لَهُ عُدَّةً ولَكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُم فَثَبَّطَهُم وقِيلَ اقعُدُوا مَعَ القَاعِدِينَ)، ولقول - سبحانه -: (إلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبكُم عَذَاباً أَلِيماً ويَستَبدِل قَوماً غَيرَكُم...) الآية.
فهل كل القاعدين عن الجهاد من الدعاة سالمين من مقتضى هذه الآيات.
ومن العجيب أن بلاداً مثل سويسرا (وهي الدولة المحاطة بالأمن من جميع الجهات) يفرض على الفرد الذي يتراوح عمره بين الخامسة عشرة والخامسة والأربعين الالتحاق بدورة تدريبية عسكرية مدتها قرابة الثلاثة أسابيع يعيدها سنوياً وبشكل مستمر.
بحيث يستطيعون خلال ساعتين (وعددهم لا يتجاوز الستة ملايين) تحضير جيش مسلح قوامه ستمائة ألف مقاتل.
أليس الدعاة أحق منهم بهذا الإعداد؟ ومن الخطأ الشائع: ما ذكره لي أحد العلماء الأفاضل من أن الإعداد العسكري يمكن أن يتم في حالة نشوب الحرب، وأنه حيثما كانت الحرب وجدت معسكرات التدرب والإعداد، وأقول لشيخنا الفاضل الحبيب: ترى لماذا لم يفكر السويسريون بهذا المنطق؟.
إن الإعداد العسكري للجهاد في وقت قصير من السنة لن يؤثر مطلقاً على سير الدعوة وطلب العلم الشرعي، بل ولا على الأعمال والوظائف.
كما أن الإعداد المستمر للجهاد لا يقتضي مطلقاً الحماس غير المنضبط والذي يؤدي إلى النكسات المتوالية للدعوات.
ثانياً: علاقتنا بالتيار الجهادي:
1- التيار الجهادي متكون من الشباب المتحمس الراغب في بذل نفسه لله ينقصه العلم الشرعي، ولكنه قابل تماماً للتوجيه والإرشاد والتعليم، فمن الواجب علينا أن نستفيد من هذه الطاقات الهائلة ونوجهها التوجيه الصحيح.
لقد رأيت أحد الشباب يستمع إلى شريط لأحد المشايخ ويقول لي: هذه رابع مرة أستمع فيها إلى هذا الشريط، فقلت في نفسي: ترى لو كان الشيخ بينهم كم سيكون تأثيره فيهم؟
2- هذا التيار الجهادي يشعر بالنفور ممن يثبطون عن الجهاد في أفغانستان، ولهذا سيعرض عن الإقبال على الأفكار والمحاضرات الدعويةº لأن أصحابها لا يحثون على الجهاد، وبهذا نكون قد وضعنا عوائق بيننا وبين هذا التيار.
3- إن الإعراض عن الشباب المجاهد القاصر في علمه الشرعي يؤدي إلى أن تتلقفه الأفكار المبتدعة ومناهج الخوارجº فتتقاذفه ذات اليمين وذات الشمال، وإذا تبنى هذا الشباب المتحمس مثل هذه الأفكار وتلك المناهج فلا تسأل عما يحدث بعدها من الفساد.
كلمة أخيرة: هذه الملاحظات المكتوبة ممن يعرف قدر نفسه إنما نشأت من قلب محب يشهد بفضل من وجهت لهم وسبقهم في البر والتقوى.
وإن لهم على الأمة فضلاً لا ينكره إلا الجاحدون، فهي ليست إلا من قبيل قول القائل: ولم أر في عيوب الناس عيباً كنقص القادرين على التمام
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد