حراء بوابة السماء


 

بسم الله الرحمن الرحيم

ضيــف حــــراء:

في غار شاهق يقع على الطريق ما بين السماء والأرض تم اللقاء بين محمد القادم من الأرض حاملاً ضراعتها، وبين جبريل القادم من السماء حاملاً رسالتها ودار الحوار:

الملك جبريل: اقرأ.

النبي محمد: ما أنا بقارئ.

الملك جبريل: \" اقرَأ بِاسمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الإِنسَانَ مِن عَلَقٍ,، اقرَأ وَرَبٌّكَ الأكرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ، عَلَّمَ الإنسَانَ مَا لَم يَعلَم \"(1).

هذه الكلمات هي بسملة سعادة الإنسان، وهي الأشعة الأولى لأنوار القرآن، يا لها من براعة استهلال لمقاصد الرسالة!!. فمن تحت سن القلم تبعث الأمم..

ها هنا في قلب الغار اختُصر تاريخ الإنسان، فيا له من مكان غمر في جوفه الزمان. !

ولقد تكون بعض الأحداث في التاريخ أكبر من التاريخ نفسه!! ويوم حراء أكبر وأخلد من التاريخ. وأكرِم بيوم تم فيه اللقاء بين أمين الأرض وأمين ا لسماء!

(كان العالم كله في غفلة عن ذلك الرجل الذي يأوي إلى غار حراء متوحِّداً في سبيل التوحيد.. وكانت ساعات يرتبط بها تاريخ أحقاب ودهور، فلما انقضت مدتها لم يبق في الأرض المعمورة غافل عن ضيف ذلك الغـــار، ولم يبق جاهــل بآثــار تلك الســاعات التي كان يقضيها فيــه بالليل والنهار.. )(2)

لقد خرج محمد من هذا الغار حقيقة نقية كالسماء الصافية.. خرج قانوناً من قوانين الله التي تُسيِّر الشمس والقمر، وتمسك السماء والأرض.. يمضي قُد ماً إلى الغاية المقدورة مُضيّ النجوم في حُبكها والشمس في فلكها..

هبط الرسول من حراء وقد حمل أمانة الرسالة، فليت شعري أَهَبط ونفسه قريرةٌ كما ينزل النور من الشمس والقمر؟ أم نزل ونفسه جائشةٌ كما ينزل الغيث بين الرعد والبرق؟!

ما هي المشاعر والأفكار التي كانت تجول في قلبه وقد حمل \"قولاً ثقيلاً\" لينقذ به العالمين من الظلمات إلى النور؟! لست أدري.. ولكنه نزل ديناً جد يداً.. وعصراً وليداً.. وتاريخاً مد يداً.. وإصلاحاً شاملاً وهدى كاملاً.. ورحمةً للعالمين...

أيها الغار: يا مأوى محمد.. ويا مطلع النبوة.. ويا بوابة السماء! كم فجّر الله فيك من ينابيع هدى، ومن شلالات سناء (3)..

 

مُذ قيل: (اقرأ) أشــرقـت  ***  في الكون شمـسُ الدعـوةِ

وســـرى ا لضيــاءُ علـى  ***  الوجودِ بأسرهِ في لحظةِ

ومحمدُ الهــادي ابتدأ  ***  د رب الهــدى من مكــةِ (4)

 

أختتم مقالي ببطاقات ثلاث:

الأولى يوقعها شاعر الألمان (يوهان غوته):

\" انظر إلى ينبوع الجبل يتدفق صافياً كشعاع د ري فوق السحب.. أرضعت ملائكة الخير طفولته في مهده.. ساحباً في أثره أخواتٍ, من العيون كأنما هو مرشدها الأمين..

وأما في البوادي فالرياحين تنبثق عند قدميه، والمـروج تحيـا مـن أنفاسـه لا يثنيه الوادي الظليل، ولا الرياحين التي تطوّق ساقيه، وتحاول أن تستهويه بلحاظها الفواتن..

وها هو العُباب زاخراً يندفع لا يثنيه ثانٍ, مخلفاً وراءه المنارات والصروح.. ذلك هو (محمد بن عبد الله).

والبطاقة الثانية يوقعها شاعر الشرق، الدكتور محمد إقبال:

\"لا تعجبوا إذا اقتنصتُ النجوم، فأنا من أتباع ذلك السيد العظيم، الذي تشرفت بوطأته الحصباء، فصارت أعلى قدراً من النجوم.. جاءته بنت حاتم أسيرة، سافرة الوجه، مطرقةً فاستحيا النبي، وألقى عليها رداءه.. يا رسول الله: نحن أعرى من السيدة الطائية! نحن عراة ضعاف أمام أمم العالم..

إنني مع عُبّاد الظلام في صراع شديد.. فمُدَّ سراجي بزيت منك جد يد.. ولا تضن عليّ بشعاع من أشعة شمسك المنيرة للعالم..

يا رب: أنت غني عن العالمين. فاقبل معذرتي يوم الدين.. وإن كان لا بد من حسابي، فأرجوك يا رب أن تحاسبني بعيداً من المصطفى، فإني أستحي أن أنتسب إليه، وأكون في أمته، وأقترف مثل هذه الذنوب)..

والبطاقة الثالثة: أبيات كتبتها بقلمي الصغير الذي غمسته بدواة حب كبير:

 

حــار فكــري لـســـت أدري مــا أقـــول!

أيٌّ طُـهــــرٍ, ضمّـــــه قلــبُ الــرســــول!

أيٌّ نورٍ, تــهــتــــدي فــيــــه العـقـــــول!

أنت مشـكاة الهدى، أنت نــبراس الوصـول

أيٌّ مــــدحٍ, كان كُــفـــــواً في المحافـــل!

يا رســــولاً بــشّـــرت فـيــه الرســــائل

أي كــــونٍ, نــبـــــويٍّ, في الشــــــمـائـل!

أنت نورٌ.. أنت طهرٌ.. أنت حقُّ هـَدّ باطل (5)

 

التحيات لله والصلوات والطيبات … السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.. السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

أشهد أن لا إله إلا الله.. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

ما يقول الشـعر لو أثنى وما حيلةُ النثـر أمــام الأنبيــاء؟!

قَد رهم جلَّ عن الشــعر فهل يُكملُ التاريخُ بَدءَ الشعراء؟!

\" من كتاب ربحت محمدا ولم أخسر المسيح \".

 

----------------

(1) قرآن كريم، سورة العلق.

(2) (الإسلام دعوة عالمية) عباس العقاد ص(99).

(3) (ديوان عطر السماء) د. عبد المعطي الدالاتي.

(4) د. محمد إقبال عن (الطريق إلى المدينة) للعلامة أبي الحسن الندوي (120-129).

(5) ديوان:(أحبك ربي نجاوى شعرية) د. عبد المعطي الدالاتي ص 48.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply