عُصفورُ جنِّح برُوحي وانثُرِ الآهـــا *** وارسم على صفحةِ الأيّامِ نجـــواها
واصدح بما شئتَ فالآلامُ كــم رقَصت *** على جَـوى الرٌّوحِ حتـى ابتلَّ خَدَّاها؟!
كم عذّبَتها سنــــــونٌ حارَ طَالِبُها *** وروَّعتها صُروفٌ طــــالَ مَمساها!
وقيَّدتها ليالي الــــــدهرِ ارتسمت *** على الشِّفاهِ رسومٌ كلَّما فــــــاها
عصفورُ! ما قصةُ الأحلامِ إذ وُئِـــدت *** في مهدِها وتوارت في زوايـــاها؟
كانت لنا أملاً بالأمســـــــِ نرقُبُهُ *** واليومَ أضــحت سرابًا في الدٌّنَا تاها
ما قِصةُ القلبِ والذكـــــرى تحرِّقُهُ *** يَسري بهِ الوجدُ طولَ اللَّيلِ أوَّاهـا؟!
ما قصةُ العينِ والأنهارُ تغمـــــرُها *** يُرى على ظاهـرِ الخَدَّينِ مجرَاها؟
ما حادثاتُ الليالي السٌّودِ تحســــبُها *** ضربًا منَ السّحرِ أضحى القلبُ مغناها؟
كم روَّعتنا صروفُ الدهرِ! كم عزفت *** أوتارُها الحُزنَ مصحــوبًا بلأوَاها!
أُسائلُ الـــدهرَ...والآهاتُ شاهدةٌ *** عن جاثماتٍ, بِظَهرِ الأرضِ نلقاهــا
عنِ الطلولِ البوالي... عن تقادُمِهــا *** مَن ذا الذي بترابِ الأرضِ سوَّاها؟
أينَ الأولى درجُــوا واستوطنُوا زمنًا *** فيها وباهوا الورى يومًا بمبنــاها؟
تصرَّمت وانقضت أعـمارُهم وغـدت *** قصورُهم طللا يُبكـى لمـــرآها
واستوطنتها وحوشُ الأرضِ واحتشدت *** على جَلامدِها الغِربانُ تنعــــاها
والريحُ صرَّت نهارًا في مجاهِلِـــها *** والبومُ عافت معَ الأيامِ سُكـــناها
محَا الخريفُ بقايا من معالِـــمِها *** لم يُبقِ منها سوى النَّجوى وذكـراها
وغصةً لم تزل في الحلقِ مُذ شهِدت *** عينايَ آثارَهم... والدَّمــعُ روَّاها
وحسرةً جرَّحت قلبي وكــم نزفت *** دماهُ بينَ الوَرَى تُفضِي بشكــواها
في كَرَّةِ الدَّهرِ للأرواحِ عِبـــرتُها *** وفي الثَّرى تحتَ صُمِّ الصخرِ عُقباها