بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الحبيب يا من شمرت عن ساعديك للإقبال على الله يعلم الله أني أحبك في الله، وأسأل الله أن يجمعني وإياك تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، إن الله على كل شيء قدير.
ومن منطلق حبي لك فإني أزف إليك كلمات هي من حقك علي، فإن استحسنتها فإمساك بمعروف، وإلا فتسريح بإحسان والله المستعان.
هذه الكلمات هي وصايا وتوجيهات أبعثها إليك أخي وأنت مقبل على عام دراسي جديد وأظن أنك في احتياج إلى معرفتها حتى يخرج العام الدراسي في صورة طيبة وصالحة تقربك من الله وتؤهلك لنيل ثوابه وعطائه - سبحانه وتعالى -.
(1) الإخلاص: - قال - تعالى -: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء...... )، ويقول - تعالى -: (ألا لله الدين الخالص)، ويقول - تعالى -: (فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا)، ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرء ما نوى........ ) \" صحيح وغير ذلك من الآيات والأحاديث التي توضح ضرورة أن يكون العمل خالصا لله - سبحانه وتعالى - لا يرجى به سواه، ومما لاشك فيه أن دراسة العلم النافع من أفضل الأعمال والقربات إلى الله - سبحانه وتعالى - ولكن الأمر يحتاج إلى النية الصادقة الخالصة لله - سبحانه وتعالى -، فمن يتعلم أو يدرس علما للحصول على مال أو شهرة أو منصب أو غير ذلك من لأمور الدنيوية البحتة فعلمه وسعيه مردود عليه لا قيمة له طالما لم يرد به وجه الله - سبحانه وتعالى - فالإخلاص في العمل شرط أساسي لقبوله بالإضافة إلى الشروط الأخرى ولذلك على الطالب المسلم أن يكون علمه ودراسته وسعيه لله - سبحانه وتعالى - فلا يقف بنيته عند الحصول على الشهادة أو الوظيفة أو المنصب أو المال بل يصل بنيته إلى أن ذلك لله - سبحانه وتعالى -.
(2) التفوق في الدراسة: - لتعلم أخي الطالب أن المسلم الحق لا يمكن أن يكون فاشلا في دراسته وعلمه فديننا يحث على التفوق ويرغب فيه ولذلك فإن من الواجب عليك أن تسعى بجد ونشاط في تحصيل دروسك وأداء مهامك على أكمل وجه وأفضل طريقة فنحن يا أخي لم نتخلف في الجانب الديني فقط بل في الجانب المادي كما يسمونه لذلك علينا أن نعيد للأمة كرامتها وعزتها ونثبت للعالم بأسره أننا أمة \\\" أقرأ \\\" وأننا أعظم حضارة عرفتها البشرية وأنه بأيدينا هداية الناس وأخذهم إلى بر الأمان ولا شك أن ذلك لن يكون إلا بالعودة الصادقة للدين وبالأخذ بأسباب التقدم والرقي والتي من أهمها التسلح بسلاح العلم الذي كان من المفترض أن لا نفقده.
(3) معرفة فضل العلم والعلماء: - لعل القارئ لفضل العلم والعلماء في ديننا ليشعر بالفخر من هذا التكريم الرائع وهذا الأجر الكبير الذي يحظى به العلماء في شريعتنا، وأدعوك أخي إلى أن تتأمل هذه الفضائل التي خص بها العلم لعلها تكون دافعا لك على السعي والجد في دراستك ولعلها تصلح من نيتك ومن أهم فضائل العلم: -
1- أنه إرث الأنبياء، فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام لم يورثوا درهماً ولا ديناراً وإنما ورثوا العلم فمن أخذ بالعلم فقد أخذ بحظ وافر من إرث الأنبياء، فأنت الآن في القرن الخامس عشر إذا كنت من أهل العلم ترث محمداً - صلى الله عليه وسلم - وهذا من أكبر الفضائل .
2- أن الإنسان يتوصل به إلى أن يكون من الشهداء على الحق والدليل قوله - تعالى -: (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط) (آل عمران، الآية: 18)، فهل قال:\" أولو المال؟ لا بل قال \" وأولو العلم قائماً بالقسط \" فيكفيك فخراً يا طالب العلم أن تكون ممن شهد لله أنه لا إله إلا هو مع الملائكة الذين يشهدون بوحدانية الله - عز وجل - .
3- أن الرسول - عليه الصلاة والسلام - لم يرغب أحداً أن يغبط أحداً على شيء من النعم التي أنعم الله بها إلا على نعمتين هما:
1- طلب العلم والعمل به.
2- التاجر الذي جعل ماله خدمة للإسلام فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق ورجل آتاه الله حكمةً فهو يقضي بها ويعلمها \"
4- أنه طريق الجنة كما دل على ذلك حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: \" ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله به طريقاً إلي الجنة \" رواه مسلم.
5- أن العلم نور يستضيء به العبد فيعرف كيف يعبد ربه، وكيف يعامل عباده، فتكون مسيرته في ذلك على علم وبصيرة .
6- أن العالم نور يهتدي به الناس في أمور دينهم ودنياهم، ولا يخفى على كثير من الناس قصة الرجل الذي كان من بني إسرائيل وقتل تسعاً وتسعين نفساً فسأل عن أعلم أهل الأرض فدلّ على رجلٍ, عابد فسأله هل له من توبة؟ فكأن العابد استعظم الأمر فقال: لا فقتله فأتم به المئة، ثم ذهب إلي عالم فسأله فأخبره أن له توبة وأنه لا شيء يحول بينه وبين التوبة، ثم دلّه على بلد أهله صالحون ليخرج إليها فخرج فأتاه الموت في أثناء الطريق ….. والقصة مشهورة فأنظر الفرق بين العالم والجاهل.
7- أن الله يرفع أهل العلم في الآخرة وفي الدنيا، أما في الآخرة فإن الله يرفعهم درجات بحسب ما قاموا به من الدعوة إلي الله - عز وجل - والعمل بما عملوا وفي الدنيا يرفعهم الله بين عباده بحسب ما قاموا به قال الله - تعالى -: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) (سورة المجادلة، الآية: 11).
وليس هذا فقط فللعلم فضائل غيرها ومناقب وآيات وأخبار صحيحة مشهورة مبسوطة في طلب العلم.
(4) غض البصر: - وهو أمر في غاية الخطورة والأهمية وعلى الطالب المسلم أن يكون حريصا عليه فالحق- تبارك وتعالى -يقول: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم..... )، ويقول - تعالى -: (.... إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا)، ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: \" النظرة سهم مسموم من سهام إبليس من تركها مخافتي أبدلته عبادة يجد حلاوتها في قلبه \" ضعيف، ويقول: \" إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا مدرك ذلك لا محالة فالعين تزني وزناها النظر \" صحيح ثم ذكر اللسان والرجل واليد و القلب فبدأ بزنا العين لأنه أصل زنى اليد والرجل والقلب والفرج، فهذا الحديث من أبين الأشياء على أن العين تعصي بالنظر وأن ذلك زناها ففيه رد على من أباح النظر مطلقا، ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -\" يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الثانية \" حسن، وقال العقلاء: من سرح ناظرة أتعب خاطرة ومن كثرت لحظاته دامت حسراته وضاعت عليه أوقاته وفاضت عليه عبراته.
من أطلق الطرف اجتـنى شهوة *** وحـارس الشهوة غـض البصر
والطرف للقلب لســـانا فـإن *** أراد نطــقا فليكــر النظــر
ويقول الشاعر:
كل الحوادث مبدأها من النظــر *** ومعظم النار من مستصغر الشــرر
كم من نظرة فتكت بقلب صاحبها *** فتك السهــام بين القوس والوتــر
والعبد ما دام ذا عين يقلبـــها وفي *** أعين الغيد موقوف على الخطـر
يسر مقلتــه ما ضر مهجتــه لا *** مرحبا بســرور عاد بالضــرر.
وقد يشتكي البعض من عدم قدرته على أن يغض بصره وهؤلاء ادعوهم بذلك:
أولاً: استخدام العلاج الذي أمر الله - تعالى -به في قوله{قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم}ويعلم أن غض البصر طاعة يتقرب به إلى مولاه - عز وجل -، ومعلوم أن الله لا يأمر عباده إلا بما يقدرون عليه، وهو - سبحانه - أعلم بهم وبما يصلحهم.
ثانيــاً: استخدام العلاج النبوي: وذلك حين سئل - عليه الصلاة والسلام - عن نظر الفجأة فأرشد إلى العلاج النافع الذي من استعمله سد عليه هذا الباب بالكلية ولا يحتاج معه لعلاج غيره فقال \"اصرف بصرك \".
ثالثــا: الصبر على غض البصر.
رابعــا: التفكر في حقيقة المنظور.
خامســاً: تأمل العواقب وملاحظتها فإذا تأملت عاقبة النظر وما سيؤول إليه فإنك تدرك أثره وتأثيره على قلبك وجوارحك وإيمانك وجميع ما يصدر عنك، فتعلم حينئذ خطره فتؤثر الغض وتراقبه أيما مراقبه.
سادســاً: تذكر ما أعده الله - عز وجل - لعباده الصالحين في جنات النعيم وما فيها من المشتهيات واللذات على أكمل الأوجه وأوسعها وأوعاها.
سابعـا: اليأس: وذلك بأن يجزم جزماً ويعقد عزماً على غض البصر، بحيث تقنط النفس مع هذا الجزم، وتيأس بأن لا تتطلع إلى المحذور مع هذا العزم، فإنها حينئذ تذعن للغض، ولو على مضض، وهذا يحتاج إلى نفس حرة عزيمة أبيه.
ثامنـاً: البعد عن مواطن الفتن والأماكن التي تكثر فيها، وأماكنها معرفة معلومة وإن كانت بعض البلاد صارت بؤرة للفتن، قد ملأت السهل والجبل والشواطئ والشوارع والله المستعان، ولكن الواجب أن يبتعد عن هذه الأماكن قدر المستطاع ويبذل في ذلك جهده لأنه قد تجذبه بصورها وفتنها.
تاسعــاً: نعمة النظر: فالنظر نعمة من الله فلا تعصه بنعمه، واشكره عليها بغض البصر عن الحرام تربح واحذر أن تكون العقوبة سلب النعمة.
الحـادي عشر: العمل بأحكام الإسلام فإن هذا يضمن الضمان المؤكد بإذن الله - عز وجل - بحبس النظر عن الحرام.
(5) الحرص على أداء العبادات: - لأن طالب العلم يكون مشغولا بعلمه فيفوته الكثير من العبادات فلذلك عليه أن يكون حريصا على أداء الصلاة في أوقاتها فلا يضيعها مهما كانت الظروف كما أنصحه بأن يكون حريصا على قراءة القرآن وأن يضع لنفسه وردا يوميا يقرأه ويخصص لذلك وقتا معينا بناء على ظروفه على أن يكون هذا الوقت ثابتا لا يتغير ولا يضيع مهما كان كما أنصحه بالمحافظة على أذكار الصباح وأذكار المساء لما لها من ثواب عظيم عند الله - سبحانه وتعالى - كما أنصحه بأن يكون دائم الاستغفار والذكر لله - سبحانه وتعالى - والصلاة والسلام على رسول الله سواء في جلوسه في المدرسة أو المعهد أو الجامعة أو أثناء سيره أو ركوبه فالنبي - صلى الله عليه وسلم - أوصى الرجل الذي اشتكى له كثرة شرائع الإسلام فقال له: لا يزال لسانك رطبا بذكر الله كما أنصحه بصلاة ركعتين أو أكثر قبل أن ينام بنية قيام الليل ثم يوتر بعد ذلك وإن استطاع الاستيقاظ قبل صلاة الفجر بمدة ثم يصلي تلك الركعتين ثم يوتر فذلك أفضل.
(6) الدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى -: - المسلم دائما يدعوا إلى الله في كل مكان يتواجد فيه ولا يشترط أن تكون الدعوة بالخطابة أو الدروس أو حتى النصيحة فعمل الإنسان وأخلاقه قد تكون أكثر نفعا في دعوة الغير من الكلام أو النصيحة على الرغم من أهميتها ولعلي أقصد أن يكون الطالب حريصا على الدعوة إلى الله مستغلا هذه المرحلة التي يمر بها والتي لا تتكرر كثيرا وذلك بكافة الوسائل المتاحة له.
(7) الحذر من أصدقاء السوء: - إياك وصحبة الأشرار: فصحبتهم خزي وعار، وذلة وشنار، لا خير فيهم، ولا نفع يرجى من ورائهمº إذ كيف ينفعوك وهم لم ينفعوا أنفسهم؟!!.
وصحبة السوء في الجامعة خطرهم أكبر.
قد هيئوك لأمر لو فَطِنتَ له *** فَاربَأ بنفسك أن ترعى مع الهَمَلِ.
قال - تعالى -: \"الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين \".، وأخرج أبو داود والترمذي بسند حسن من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-مرفوعاً: \"الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل \".
وصحبة الأشرار وإن لبسوا أثواب البر سبب الضياع والانحراف عن الاستقامة، والوقوع في الكبائر كالزنا، والعادة السيئة وغيرهما عافاني الله وإياك-.
(8) المحافظة على الوقت: - أهتم الإسلام بالوقت وقد أقسم الله به في آيات كثيرة فقال الله - تعالى -(والعصر إن الإنسان لفي خسر)، وقال - تعالى -(والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى)، كما قال الله - تعالى -(والفجر وليال عشر) وغيرها من الآيات التي تبين أهمية الوقت وضرورة اغتنامه في طاعة الله، وهناك أحاديث كثيرة توضح ذلك: فعن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - \" لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن علمه ماذا عمل به؟ \"، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - \" نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ \"، وعن أنس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \" إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل \"
فالآيات والأحاديث تشير إلى أهمية الوقت في حياة المسلم لذلك فلابد من الحفاظ عليه وعدم تضيعه في أعمال قد تجلب علينا الشر وتبعدنا عن طريق الخير، فالوقت يمضي ولا يعود مرة أخرى.
(9) التحلي بأخلاق الإسلام في التعامل مع الآخرين: - على المسلم أن يتحلى بأخلاق الإسلام في تعاملاته مع الغير ولذلك فإن الطالب المسلم عليه ان يكون حريصا على أخلاق الإسلام سواء مع مدرسه أو زملائه في المدرسة أو المعهد أو الجامعة أو مع غيرهما.
------------------------------------------------------
المصادر والمراجع:
(1) رياض الصالحين للنووي.
(2) الداء والدواء لابن القيم.
(3) مقالات لبعض العلماء.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد