بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أقام الدين على الأركان المتينة، وكلف حمايته والذود عنه سواعد رصينة، وسخر في سبيل إعلائه جنودا قوية رزينة، وأصلي وأسلم على قائد جند الإسلام محمد الهادي إلى السبيل القويمة الأمينة...وعلى آله وأصحابه وأزواجه ومن تبعهم إلى يوم الدين.وبعد..
فمن أشد ما ابتلي به المسلمون في هذه الأعصار تنكر الخلق لهم، ومحاربتهم لله ورسوله صلى الله عليه وسلم والإسلام في كل صور المحاربة، بدا اشتدت النكاية حتى صارت هذه الحرب تدور رحاها في ديار الإسلام وفي محط رحال السائلين عن هذا الدين والباحثين عن الحق فيه...
ولما كانت محنة الدعاة قد اشتد سعارها، وزاد التنكيل بالعاملين لدين الله بدون جريرة اقترفتها أيديهم سوى أنهم يريدون إعزاز دين الله ونشر الحق الصراح بين الناس، كان لزاما علينا أن نكون مشاركين لهؤلاء الدعاة في محنتهم بكل أنواع المشاركة التي نستطيعها، امتثالا لقول الله تعالى: (وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر) وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)... وقد صح في الأثر عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل)...
وقد بلغت حالة الأذى بالدعاة حدا أصبحنا نخشى بها أن يصطلم الإسلام من أساسه، ويمنع الدعاة من استئناف زرعه وغراسه.. فأحببت أن أشارك الدعاة في هذه المحنة مذكرا الأمة بما يجب عليها فيما لو طالت المحنة دعاتنا وعلماءنا، وما ينبغي تجاه شباب الصحوة ورجالاتها في كل ميدان، ناصحا إخواني ألا يكونوا عالة على غيرهم في استلهام الحلول المنجية من الأزمات، بل يجب أن يكونوا عقولا مفكرة، وأذهانا متقدة، تسابق العدو وتطارحه المواجهة تلو المواجهة، ولا تلين لهم قناة في إرهاق العدو بكل سبل المواجهة التي تقل فيها التكلفة وتعلو فيها المكاسب والأرباح، متمسكين في نفس الوقت بمبادئ الإسلام العظمى، معتصمين بكل فروعه وأهدابه مفاخرين بمسلكنا في الدعوة والجهاد خلق الله أجمعين...
وإن هي إلا مراحل قصيرة، نطوي فيها العمل والكد والتعب، حتى يظهر دين الله ويعلو وتكون العزة للإسلام والمسلمين، ويفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء... وقد قسمت مبحثنا هذا إلى مقدمة وبابين وخاتمة، ولكل باب فصلان... وهذا أوان الشروع في المقصود... وقد سميت هذا المبحث اللطيف بـ: بغية الوعاة في مواجهة اصطلام الدعاة
مقدمة
إن الدعوة التي نتحدث عنها هي الدعوة بكل معانيها، إذ يدخل فيها كل جزئية في دين الله تعالى نسعى لإحيائها في واقع مجتمعاتنا المسلمة.. فالمجاهد داعية، والشاعر داعية، والأديب داعية، والصحفي داعية، والمهندس داعية، والطبيب داعية، والصانع داعية، وكل من يقدم للمجتمع خدمة وإن دقت ونيته إعزاز الدين فهو داعية من الدعاة...
إن هذه النظرية أكدتها قديما في (ثلاثون طريقة لخدمة الدين) وكان المقصد من التأكيد عليها تجييش الأمة عن بكرة أبيها لتقوم بواجبها في خدمة الدين..
ليس من الحكمة أن نحصر مفهوم الدعوة والدعاة في المعنى التقليدي، وهو الرجل الذي تعلم العلوم الشرعية ويعمل في الشئون الدينية كالخطابة والدروس الدينية والفتوى ونحو ذلك، وإن كان هؤلاء لهم المقام الأسمى في سلم الدعاة، ولهم الرتبة العليا في منازل العاملين لدين الله...
بناء على ذلك فإن الغاية التي يجب أن ندركها جميعا أن تكون راية الإسلام هي السائدة والمهيمنة على المجتمع، وهذا يقتضي منا أن نستحضر جملة من الثوابت التي عليها نؤسس أولوياتنا أثناء التخطيط والتنفيذ...
هذه الثوابت أجملها في خمسة أمور مهمة:
الأول: لا تكليف إلا بمستطاع، والتضحية بالنفس والمال والوقت من أعلى مراتب الدعوة إلى الله..
الثاني: إذا تعارضت مصلحتان قدمت الأوفر مصلحة، وإذا تعارضت مفسدتان قدمت الأقل مفسدة.. والنظر في تقدير المصالح والمفاسد إلى من اجتمعت فيه خصلتان: العلم الشرعي، والتجربة الواقعية.
الثالث: العقيدة لب لباب المقاصد الدعوية وعليها مدار الغايات الآنية والنهائية، لأنها الأساس الذي بعثت من أجله الرسل وشرعت الشرائع، وأهم مقصد في المعتقد الصحيح توحيد الخالق سبحانه وتعالى وعدم الإشراك معه في العبادة بأي صورة من صور الشرك.
الرابع: الأصل في المسلمين الاجتماع، والخلاف طارئ، فواجب المسلم أن يسعى في درء الخلاف ما استطاع إلى ذلك سبيلا، والسبيل القويمة في درء الخلاف اتباع الدليل الصحيح ونبذ آراء الرجال، مع اعتبار الخلاف السائغ وغير السائغ، والذي ضابطه الأكبر احتمالية الأدلة...
الخامس: مساعينا يجب أن يحوطها النظام والتنسيق والتخطيط، وإذا كان هذا في وقت الرخاء واجبا ففي وقت الشدة أشد وجوبا، ويجب على من أراد العمل لدين الله تعالى أن يسعى سعيا صحيحا في السر والعلن، متخذا الأسباب معمرا ما بينه وبين الله تعالى..
هذه المقاصد الخمسة أرجو أن يستحضرها الأخوان أثناء قراءة هذه الأوراق، وأن يردوا مجمل ما فيها إلى المعيار في تلك المقاصد والثوابت، وأن يحاولوا الاجتهاد وتحريك الفكر في الخروج من كل مأزق، وألا يظلوا رهناء الظرف، حبيسي الفعل ورد الفعل، وأن تكون المبادرة في أيديهم وليست في أيدي عدوهم...
الباب الأول: نظرية التكامل.... بين التأصيل والتطبيق
الفصل الأول: الصحوة الإسلامية... ما محلها من الإعراب؟
لكثير من شباب الصحوة يتصرف كأنه قطب الكون، ويظن أن أفكاره وبنود منهجه هي الأساس الذي يجب أن تدور حول رحاها كل النظريات وكل الأنشطة والحركات.. ومثل هذا الغارق في الغرور، لا يمكن له أن يخطو خطوة في الاتجاه الصحيح إلا أن يتجرد التجرد الكامل تجاه الأمانة التي حملها، وأن يجعل الهدف الأسمى الذي يسعى إليه هو إعزاز هذا الدين وإعلاء ر
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد