بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله - تعالى -: {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابنُ مَريَمَ لِلحَوَارِيِّينَ مَن أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الحَوَارِيٌّونَ نَحنُ أَنصَارُ اللَّهِ}...فأين كانت هذه النٌصرة مع أن عيسى - عليه السلام - لم يدخل أي حرب ضد الكفار؟... لقد كانت النٌصرة هنا نصرة إيمانية... ?{فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِم فَأَصبَحُوا ظَاهِرِينَ}[الصف: 14].
وهذا درس جليل لشباب الصحوة ليتعلم كل واحد منهم أنه إذا أراد أن ينصر دين الله - عز وجل - فعليه أن يحقق العبودية لله، وأن ينشغل قلبه بطاعة الله - جل وعلا -... وها نحن من خلال تلك الكلمات اليسيرة نتعايش بقلوبنا مع الأنصار - رضي الله عنهم وعن المهاجرين - الذين بذلوا الغالي والنفيس لنٌصرة هذا الدين.
أخي الحبيب: إن الهداية منحة ربانية يقذفها الله في قلب من يشاء من عباده.
فقريش الذين تعايشوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وعرفوا صدقه وأمانته، لم يؤمنوا برسالته بل دبروا المؤامرات لقتله... والأنصار الذين رأوا النبي- صلى الله عليه وسلم - وسمعوا منه القرآن لأول مرة ومع ذلك أسلموا بقلوبهم وجوارحهم، وضربوا المثل الأعلى في البذل والعطاء والتضحية والفداء.
ومعالم النٌصرة عند الأنصار كثيرة ولكني سأكتفي بذكر بعضها ألا وهى: الحب واليقين والبذل والتضحية...
* فأما عن الحب فحسبُك أن الواحد منهم كان يتمنى أن يفدى النبي - صلى الله عليه وسلم - بنفسه وماله وأولاده، ولذلك فأنا أٌهدى إليكم هذين الموقفين: الموقف الأول يرويه الحاكم بسندٍ, صحيح (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة أحد - أرسل زيد بن ثابت يلتمس له سعد بن الربيع رضي الله عنهما - فوجده في الرمق الأخير فقال له: يا سعد إن رسول الله يقول لك: كيف تجدك- أي كيف حالك-؟ فقال: وعلى رسول الله السلام قل له: إني أجد ريح الجنة، وقل لقومي الأنصار: لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى نبيكم مكروه وفيكم عينٌ تطرف). فهل هناك حب أعظم من هذا؟... بل ارجع أيها الأخ الحبيب واقرأ في غزوة أحد لترى كيف دافعوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى الموت.
* وأما عن اليقين فلقد كان ملازماً لهم منذ أول لحظة دخلوا فيها في هذا الدين العظيم.. كانوا على يقين من نُصرة الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم -، ولعلك تجد هذا واضحاً في بيعة العقبة الثانية فلقد طلب منهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقدموا كل شي لنُصرة دين الله - والثمن الجنة - فبايعوا مع أنهم لم يروا الجنة لكنهم كانوا على يقين من صدق النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكانوا على يقين من أن الله سيجزل لهم العطاء في الدارين لإيمانهم وإخلاصهم ونُصرتهم لدينه - جل وعلا -.
* وأما عن البذل فحدِّث ولا حرج فماذا نقول بعد قول الله - تعالى -: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبلِهِم يُحِبٌّونَ مَن هَاجَرَ إِلَيهِم وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِم حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِم وَلَو كَانَ بِهِم خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ} [الحشر: 9]... ولعلكم تعلمون هذا الموقف الجليل الذي دار بين عبد الرحمن بن عوف المهاجري وبين سعد بن الربيع الأنصاري عندما أخي النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما فعرض عليه سعد نصف ماله وإحدى زوجتيه وإذا بعبد الرحمن يقول له: بارك الله لك في أهلك ومالك... ولم يكن هذا الموقف فردى فحسب بل كان موقفاً جماعياً من الأنصار لإخوانهم المهاجرين فلقد قاسموهم الثمرة ووضعوهم في عيونهم طلباً لمرضاة الله - عز وجل -.
* وأما عن التضحية فنحن نعلم كيف ضحى الأنصار بكل شي لنُصرة هذا الدين وحسبنا أن نذكر موقف سعد بن معاذ في غزوة بدر لما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أشيروا علىَّ أيها الناس ففطن لذلك سعد فقال: فكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: أجل قال سعد: فقد آمنا بك فصدقناك... إلى أخر مقالته التاريخية -.
فكانت النتيجة العادلة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل حُب الأنصار آية من آيات الإيمان فقال: (آية الإيمان حُب الأنصار وآية النفاق بُغض الأنصار) [متفق عليه]، وقال: (من أحب الأنصار أحبه الله، ومن أبغض الأنصار أبغضه الله) [صحيح الجامع: 5953].
فهل نجد فيكم يا شباب الصحوة أنصاراً لله - عز وجل -... إذن فأجعلوا تلك الآية أمام أعينكم دائماً: {كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ}.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد