إننا نعيش زماناً قد اجتمعت فيه كل أنواع الغربة وكثرت فيه الفتن وعمت فيه البلايا والمحن وأصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً كما أخبر بذلك الصادق الذي لا ينطق عن الهوى - صلى الله عليه وسلم - حيث قال « سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين... » (صحيح الجامع: 3650)
فكان لابد للمؤمن أن يتمسك بدينه وأن يعرف وجهته الحقيقية ليثبت أمام تلك الفتن...
وبخاصة عندما نعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أخبر أن هذه الأمة الميمونة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة فلما سأله الصحابة عن صفات تلك الفرقة الناجية قال لهم: « الذين هم على مثل ما أنا عليه اليوم أنا وأصحابي » فكان لازماً يا أخي ألا يلتفت قلبك إلى غيرهم بل عليك أن تتشبه بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم - « فالمرء مع من أحب » (متفق عليه)
أخي الحبيب إن الأسوة والقدوة لم تكتمل إلا في النبي وأصحابه الذين رياهم وعلمهم وعدلهم فكانوا أبطالاً في كل ميادين الحياة وقدوة لمن أراد القدوة الحقيقية.
فإذا أردت القدوة في الزهد فهذا حبيبك - صلى الله عليه وسلم - الذي خير بين أن يكون ملكاً رسولا ً أو عبداً رسولاً فاختار أن يكون عبداً رسولاً بل عرضت عليه جبال الدنيا أن تصير له ذهباً فأبى بل ينام على الحصير ويؤثر الحصير في جنبه الشريف ويمر عليه الهلال تلو الهلال ولا يوقد في بيوته نار وكان أكثر دعائه « اللهم اجعل رزق آل محمدٍ, قوتاً » ومات ودرعه مرهونة عند رجل ٍ, يهودي على ثلاثين صاعاً من شعير بل قالها صريحة « إن عبداً خير بين مفاتيح الأرض وبين ما عند الله فاختار ما عند الله » وكل ذلك ثابت في أحاديث صحيحة وكان أصحابه - رضي الله عنهم - يأكلون ورق الشجر ولا يجدون قوت يومهم ومع ذلك فتحوا الدنيا كلها ونصروا دين الله وبلغوا تلك الرسالة العظيمة على لحومهم ودمائهم وأشلائهم.
وإن كنت تريد قدوة في العزة فهذا حبيبك - صلى الله عليه وسلم - يعرض عليه المشركون المال والجاه والنساء فيرفض كل ذلك بكل عزة ويأبى إلا أن يعبّدهم لله رب العالمين وتعلم أصحابه هذا الدرس جيداً فلم يكن عندهم أغلى من هذا الدين حتى قالها عمر بن الخطاب بكل عزة وهو ذاهب لاستلام مفاتيح بيت المقدس وكان يلبس ثياباً قديمة ويخوض برجليه في الماء قالها بكل عزة لقد كنا أذل قوم ٍ, فأعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة في غيرة أذلنا الله..
بل قالها ((ربيع بن عامر)) عندما سأله من أنتم وما الذي جاء بكم إلى هنا؟ قال له نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة إنها العزة المفقودة في أيامنا بسبب الوهن و حب الدنيا وبسبب الهزيمة النفسية التي نعانى منها.
ولو استطردنا في الأمثلة فإننا سنحتاج إلى مجلدات ولكن حسبنا أن نعرف أن الأسوة والقدوة لم ولن تكتمل إلا في النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فعلينا أن نقتفى أثرهم ونهتدي بهديهم.
فيا من انشغل قلبك بالدنيا وزهرتها الفانية ماذا تريد؟
إن كنت تريد المال فاعلم أنك إذا اتبعت النبي - صلى الله عليه وسلم - ستدخل الجنة التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ويكفيك أن تعرف أن أدنى أهل الجنة سيظفر بمثل خمسين ملك ملكٍ, من ملوك الدنيا وأن آخر أهل الجنة دخولاً الجنة سيأخذ الدنيا ومثلها معها (رواهما مسلم)
وإن كنت تريد الشهرة فأنا أدلك على خير إذا فعلته كنت معروفاً في السموات السبع وذلك بأن تداوم على النوافل حتى يحبك الله - عز وجل - فإذا أحبك فإنه ينادى على جبريل - عليه السلام - ليحبك فيحبك جبريل وينادى في ملائكة السماوات السبع فيحبونك ثم يوضع لك القبول في الأرض
وإن كنت تريد الجاه فاعلم أنك ستكون في الجنة أعظم من كل ملوك الدنيا فالخدم من حولك والحور العين بين يديك والأنهار تجرى تحت رجليك وسقف بيتك عرش الرحمن - جل وعلا - ولكن كل ذلك بشرطٍ, أن تحقق التوحيد لله - جل وعلا - وأن تتبع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأن تجعل ذلك كله ابتغاء وجه الله وأن تحب النبي وأصحابه من كل قلبك فالمرء مع من أحب.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد