كل في موقعه


بسم الله الرحمن الرحيم

 

تزال الأمة ولوداً تحتوي على طاقات وقدرات فائقة لو صرفت في مجالها السليم لأصلحت وأنتجت وأصبح لها تأثير عام، ولحالت دون لعب أرباب الشهوات والشبهات بالمجتمع، وإن مما يعين على تشغيل طاقات الصالحين في مجالات الخيرات وتجنيبهم التأنيب النفسي وجلد الذات قيام كل شخص بالعمل والإفادة والإصلاح والتصحيح من خلال موقع عمله وفي ساعاته الرسمية فقط حيث إنه يقضي في ميدان العمل أكثر من نصف وقته الحي.

 

إن المراقب لأعمال كثير من أهل الخير في ميدان عملهم الرسمي قد لا يجد لهم تأثيراً واضحاً وملموساً، وإن وجد لهم أثر فهو ضعيف لا يوازي تلك الساعات التي يقضيها أحدهم من أفضل ساعات يومه في ذلك العمل. فتجد المدرس الصالح في مدرسة تحتوي على مئات من الطلاب إلا أن ذهنه مشغول بالتفكير في حلقة تحفيظ القرآن التي يشرف عليها في حيه، أو مندوبية الدعوة التي يقوم على قسم من أقسامها حيث تأخذ عليه جل تفكيره وتسيطر على اهتماماته، وقد يواجه كثيراً من اللوم والتأنيب من أصحابه المتعاونين معه بسبب إخلاله وتقصيره، لكن لا يجد أي لوم أو حتى سؤال عن مدى تأثيره على عامةِ طلابِ المدرسةِ الذين يقضي معهم جل وقته.

وتجد الطبيب يدخل عليه في عيادته عشرات المرضى من جميع شرائح المجتمع إضافة إلى المشاركين له في العمل، ولو فتشت عن قلبه لتأوَّه من تقصيره في العطاء في مركز الدعوة أو برنامج الحي أو حتى مع أولاده، أما رسالته في وقته الكبير الذي يقضيه في عيادته فقد غابت عنه ونسيها في زحمة هذا اللوم والتأنيب، ولو أن أخانا أفاد من خلال عيادته ولو بالدعاء للمريض وسؤاله له: من الشافي؟ فسيجيبه: إنه الله، فيسأله هل تشهد الصلاة مع الجماعة...كيف تطلب الشفاء من الله وأنت لا تطيعه.لو فعل ذلك لكان تأثيره وبناؤه مما يفوق به كثيراً من الدعاة والمصلحين.

وهكذا الموظف والعسكري والمهني والتاجر وغيرهم.

 

فهل من تجديد من خلال مواقعنا؟ وهل نتجه للعمل من مراكز تأثيرنا؟ وهل من إبداع وتجديد في وسائل الدعوة والتوجيه والإصلاح؟ إنني أجزم أننا لو عدنا جميعاً للتوجيه والإصلاح من خلال عملنا الرسمي لتغير كثير من أحوال الأمة، ولشمل التأثير جميع طبقات المجتمع، ولتوفرت لنا أوقات كثيرة لأولادنا ولأنفسنا.

إننا لن نطالبَ أي موظف استنفد وقته الرسمي في البرامج التوجيهية والإصلاحية بساعات عمل يشارك فيها في البرامج الخيرية.

إننا نشاهد عمليات القنص الكبرى لشبابنا وبناتنا من قبل دعاة الرذيلة والفساد، فهل عمَلُنا مكافئ لها أم لا؟ إننا نملك من خلال مواقعنا - لو فعَّلناها - إمكانات ضخمة وساعات كثيرة للتوجيه والإصلاح نستطيع من خلالها مزاحمة القناصين لمجتمعنا من أهل الشبهات والشهوات، بل نستطيع أن نتغلب عليهم ونفوقهم بدرجات كبيرة. لكننا مع الأسف دائماً نندب حظَّنا ونفرغ جام غضبنا على أهل الفساد والرذيلة، فنصبح نحن وإياهم كما قال القائل: أوسعتهم شتماً وساروا بالإبل. فهل من عودة إلى العمل وعدم الاكتفاء بخطابات وبرقيات الاستنكار.

وانظر إلى أثر تجار المسلمين كيف أدخلوا الإسلام إلى كثير من البلدان في جنوب شرق آسيا وأفريقيا بتعاملهم عملهم من خلال تجارتهم.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply