حبنا للناس سييسر علينا دعوتهم


بسم الله الرحمن الرحيم 

بعد أن طلبنا منها إجراء حوار رحّبت بنا على الرغم من انشغالها بعملها وبيتها ودعوتها، وطلبت منّا زيارتها في منزلها، بعد أن التقيت بها - والذي لم يكن اللقاء الأول - تساءلت كثيراً عن السبب الذي جعلني أُجِلّها وأحترمها! لعل السبب يكمن في كلماتها الصادقة العذبة، أو في ابتسامتها الدائمة، أو في حبها للناس جميعاً، أو لعلّه ذلك كلّه، إننا ندعو قراءنا الكرام إلى هذا الحوار مع الداعية الإسلامية \"أُم دعاء\" عمّار المصريّة الأصل التي أحبّت فلسطين فأعطتها كل ما تملك.

 

بداية نرحب بك من خلال شبكة (الإسلام اليوم)؟

أهلاً ومرحباً بكم، وأسأل العلي القدير أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وأن يجمعنا بكم في مستقر رحمته.

 

\"أم دعاء\" نرجو أن تعطينا فكرة عن الأسرة التي ترعرعتِ فيها؟

لقد كانت أسرة بسيطة، تضم الأب والأم والأبناء، لكن - وبفضل الله - سبحانه وتعالى - كان والدي محبوباً من الناس جميعاً، حتى إنهم كانوا يتردّدون عليه دوماً ليحل لهم مشاكلهم، لقد كان والدي يجمعنا دائماً حوله منذ صغرنا، ويقص علينا قصص الأنبياء والصالحين، وينتهز المناسبات الدينية المختلفة ليحدثنا عنها، كما أنه إذا لاحظ فعلاً غير صحيح من قبل بعض أفراد المجتمع كان يبين لنا الحكم الشرعي في ذلك، على الرغم من أنه لم يكن داعية، إلا أنه كان مسلماً بطبيعته، أما والدتي فقد كانت مولعة بالدروس والندوات، وكانت تعلمنا الأدعية ونحن نردّد خلفها.

 

ما هي أهم محطّات حياتك؟

 كنت أرغب في دخول كلية دار العلوم في مصر، لكن كان من الصعب الوصول إليهاº حيث إنها بعيدة عن مكان سكني، فدرست في كلية التجارة في إحدى الجامعات، إلا أن بغضي للربا جعلني أترك الدراسة، ثم بعد أن تزوجت ذهبت مع زوجي إلى اليمن، فدرست اللغة العربية، لأنه لم يتيسر لي أيضا الدراسة في كلية شرعية، وذلك لأن إقبال الطلبة اليمنيين الكبير على هذه الكليات لم يترك متسعاً لغيرهم لدخولها، فكانت الدراسة الشرعية من خلال الحياة، فتلقيت الفقه عن عدد من المشايخ، وقد كنت أستغل فترات غياب زوجي عن المنزل لأيام كثيرة قد تصل إلى عشرين يوما بحكم عمله في الاطلاع، فكنت أحدّد لكل فترة من هذه الفترات ما أريد أن أتعلمه فيها، فمرة أبدأ بحفظ أجزاء من القرآن الكريم، ومرة أدرس السيرة، ومرة أدرس الفقه، ومرة أبدأ بالمراجعة لذلك كله، وقد أتاح لي ذلك دراسة السيرة مثلاً من أكثر من كتاب مثل السيرة النبوية، والمنهج الحركي للسيرة، والرحيق المختوم، وقد كانت أصعب محطات حياتي اختيار الزوج، إلا أن الله هوّن ذلك الاختيار عليّ، وقد أكرمني الله - سبحانه وتعالى -- بالزوج الذي يعينني على طاعة الله، وقد تحقّق لي ما كنت أتمنى، وهو أن يمنّ الله عليّ ببيت يُؤسّس على طاعة الله ورضوانه، فزوجي دائماً ما يذكّرني وكريماتي بطاعة الله، والإخلاص في كل عمل نؤديه لله، وتجديد النية باستمرار.

 

نرجو أن تحدّثينا عن طبيعة حياتك وأسرتك؟

في البداية تمّ عقد قراني في المسجد، وكان الاتفاق بيني وبين زوجي من البداية على أساسيات العلاقة بيننا، واتفقنا أن يكون مرجعنا عند الاختلاف كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فإن لم نجد نرجح الأفضل، وقد رزقنا الله بأربع بنات، فكنا حريصين على تربيتهن تربية إسلامية، لقد كان حديثنا لهن دائماً \"هذا يرضي الله ورسوله وهذا يغضبهما\"، بهذه الكلمات أنشأناهن النشأة الإسلامية التي تقوم على العقيدة الصحيحة، وبفضل الله ثلاثة منهن أتممن حفظ كتاب الله كاملاً، أما عن دراستهن فقد درست أكبرهن في قسم الصحافة والإعلام، والأخرى درست الشريعة، ومازالت ابنتي الثالثة تدرس في الجامعة في قسم الأشعة، أما عن الرابعة والتي تحفظ ثمانية أجزاء فمازالت في المرحلة الثانوية.

 

متى وكيف بدأت رحلتك مع الدعوة إلى الله؟

كان ذلك من الصغر، فقد كنت عندما أسمع القصة أنقلها إلى من هو أصغر مني أثناء اللعب، وقد أعطي الدروس والندوات وأنا في الخامسة عشرة من عمري.

 

هل كان للأسرة والدراسة دور في صقل شخصيتك الدعويّة؟

 طبعا، لقد كان للوازع الديني الموجود عند والدي ووالدتي الأثر البالغ في تكوين شخصيتي، ومع أن الإخوة على نفس القدر من العلم، إلا أن حب الدين غُرِس في قلوبنا، وحتى إن نسيَ الإنسان أو ابتعد قليلاً عن الطريق الصحيح فسرعان ما يعود إليه.

 

هل تأثرت بعالم أو داعية معين؟ ومن هو؟

 في فترة الستينيات كان الالتزام قليلاً بالدين، لذلك كان الإنسان يسعى إلى الاستزادة من العلم لينشر دعوة الله بأفضل السبل وأيسرها، وقد مَنّ الله علينا في تلك الفترة بدعاة كبار تربّينا على أيديهم وتعلمنا منهم الكثير، ومن ضمن من تأثّرت بهم في حياتي شاب ذو خلق رفيع، فقبل عام 1975م أصبت بمرض الزائدة الدودية، وكان لابد من إجراء عملية جراحية لي، وكان معي أخواتي في الله، وقد شعرت حينها بالخجل الشديد لأني شعرت بأني أثقلت على الشاب الذي أجرى لي العملية، وخاصة أنه كان ينوي الذهاب لأهله وخطيبته لقضاء الإجازة معهم، فأحسست أنه لاحظ شعوري هذا، فقال لي كلمة أثرت فيّ ولا يزال تأثيرها في نفسي إلى الآن، لقد حدثني عن البخل، ثم وصفني بالبخل، وقال: إنه يستغرب هذا مني، فسألته عن الذي يقصده بقوله، فقال لي: بخل الثواب، ثم قال لي: \" لماذا تريدين أن تحرميني هذا الأجر؟ \"، ثم قال لي: \" إن أردت أن تقدمي خدمة لإنسان فافعلي ذلك لوجه الله\"، وقد وعدته أن أفعل الخير ما حييت، ومن يومها إلى الآن لا أعمل عملاً إلا وأذكر هذا الشخص بالدعاء، كما أن موقفاً للشيخ عمر التلمساني أثّر فيّ كثيراً، حيث كنا نحضر له ندوة، فأراد أن ينهي هذه الندوة، فطلبنا منه أن يبقى معناº لأن حديثه يصل إلى القلوب، فأخبرنا بأنه يريد أن يذهب إلى منزلهº لأن زوجته التي صبرت عليه وأعانته على الدعوة مريضة، ولا يوجد عندها أحد، وأنه يريد أن يكون العلاج الذي تتناوله قبل نومها من يده، فتعلمت منه أن الداعية مهما كان مشغولاً في دعوته فلا يمكن أن يفرط في بيته وأسرتهº لأن أسرته هي التي تعينه على الخير، كما أنني تأثّرت بالشيخ مصطفى مشهور والذي أخبرنا أنه أثناء فترة اعتقاله، وعندما كانت زوجته تحضر لزيارته كان يحدّد معها الكيفية التي ستتبعها في تربية أبنائهما إلى أن يأتي موعد الزيارة القادمة، وهكذا في كل زيارة، وهذا يؤكد أن الداعية إن لم يعتن ببيته من الداخل فإنه لن ينجح في الخارج، وقد توفي هؤلاء الدعاة ومازالت أسرهم مستمرة في البذل والعطاء، إنني أتمنى أن نقتدي بهؤلاء الذين طبقوا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: \" خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي\".

 

نعلم أن كريماتك هن من الحافظات والمعلمات للقرآن الكريم. كيف غرستِ ذلك الحب لكتاب الله في نفوسهن؟

الرحلة تبدأ من قبل الزواج، حيث يتم اختيار الزوج بما يرضي الله، ثم تأتي بعد ذلك فترة الحمل، والتي كنت فيها أتذكر قول أم مريم: (إذ قالت امرأة عمران ربِّ إني نذرت لك ما في بطني محرراً فتقبل مني إنك أنت السميع العليم)[آل عمران: 35]، فكنت في كل حمل أنذر مولودي لله، وأكون في ذكر وطاعة، ثم بعد ذلك يأتي دور التربية بعد الولادة، فقد كنت أخصص لكل طفلة أرزق بها سورة معينة أردّدها لها دائما، فابنتي الثانية لا تنام إلا على سورة الرحمن، حتى إن ابنتي الكبيرة دعاء كانت تقرأ لدميتها سورة الرحمن، حتى حفظتها وعمرها عامان ونصف العام، وعندما يكبرون كنت أسمعهم القرآن والأناشيد الإسلامية من خلال الأشرطة، وهم يردّدون ما يسمعون، كما أني كنت أحفظهم القرآن على حسب المناسبات، ففي رمضان كنت أحفظهم آيات الصيام، وفي الحج كنت أحفظهم الآيات التي تتحدث عن الحج، وهكذا، ثم أكملت كل واحدة منهن باقي السور والأجزاء إلى أن أتموا حفظ القرآن الكريم كاملاً، وضمن تربيتي لهن لم أكن أقيم لهن حفلات بمناسبات معينة، فكنا نستبدلها بحفلات إسلامية أقيمها لهن ولغيرهن من الأطفال بالتعاون مع أخواتي في الله، فكان يُتلى فيها القرآن وتُقدّم فيها الأناشيد، وكنا نحضر للأولاد لباس الصلاة (وهو الثوب) ونحضر للبنات الحجاب، ونقدم لهم الهدايا، وفي العام القادم ننظر من ثبت على طاعة الله منهم ومن تأخر، وبعد أن يكبروا قليلاً يأتي دور الصحبة، حتى إنها لو لم تتوفر داخل العائلة نحاول إيجادها لهن من خلال الأُخوة في الله، لقد يسّر الله لهن من يشجعهنّ على الحفظ إلى أن أتموه، ثم بعد ذلك جاءت مرحلة تثبيت الحفظ، والتي تُعدّ أصعب من مرحلة الحفظ.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply