بسم الله الرحمن الرحيم
في اللد... بيت يُهدم... وآخر ينتظر لحظة في صباح أو مساء تأتي فيه جرافة الاحتلال يسبقها صوتها المرعب مؤذناً بتنفيذ قرار جائر بهدم بيتاً بناه صاحبه بعرق جبينه على مدار سنوات طوال، دفع فيها كل ما يملك ليضع حجراً على حجر، إلى أن رآه قائماً أمام عينيه.
هذا التقرير يسلط الضوء على معاناة أهل اللد.
هدم وتغريم
عائلات بأكملها تنتقل بعد أن يُهدم بيتها للسكن في بيت صغير لهذه العائلة أو تلك، ومن المفارقات أن البيت الذي يلجأ إليه من هُدمت بيوتهم مهدد بالهدم في الغالب. ولا يجد الأطفال ساحة يلعبون أو يتجمعون في فنائها إلا ساحة بالقرب من أنقاض بيتهم المهدوم، وكأنهم ينشدون قائلين: كانت لنا دار وكان لنا وطن.
وبحسب بعض الإحصائيات فإنه سيهدم نحو (1000) بيت عربي في اللد، ولا تكفي هذه المأساة، بل يُغرّم صاحب البيت يوم يُهدم بيته مبلغ (60) الف شيكل، ناهيك عن مصاريف إجراءات المحاكم المتواصلة.
نظرات التحدي
أنور أحمد الوحيدي شاب في مقتبل العمر جميل المحيا، عمره لم يتجاوز الثلاثين ربيعاً، كان يسكن في بيته الذي هدمه جنود الاحتلال بعد طول غياب، حيث قضى (10) سنوات في السجن، قضاها مصلياً عابداً، حفظ خلالها ستة أجزاء من القرآن الكريم، وبعد إطلاق سراحه بثلاثة أيام فقط هدمت الجرافات الصهيونية بيته، ومع ذلك فإنه يفكر بالبحث عن زوجة مسلمة ملتزمةº ليبني بيتاً مسلماً عما قريب.
أنور الصابر الذي ارتسمت على وجهه نظرات التحدي للاحتلال وظلمه، قال بعد أن استمع إلى حديث الشيخ رائد صلاح: "والله يا شيخ رائد صلاح إننا نفتخر بك وبوجودك بيننا، ووالله إن لك ولإخوانك في الحركة الإسلامية مكانة خاصة، وإننا هنا صابرون، وأقدم لكم كل شكري على موقفكم المشرف، وكم دعا لك السجناء بالإفراج خلال فترة اعتقالك"، كلمات مختصرة قالها أنور أحمد الوحيدي، وقد اغرورقت عيناه بالدموع، إنها دموع التحدي لسياسة التطهير العرقي، إنها دموع الألم على واقع الحال والقدر، ولكنها في نفس الوقت دمعات خشوع لشاب حفظ ستة أجزاء من القرآن داخل السجن يرددها في كل وقت وحين.
كفى ترحيلاً وتهجيراً... !!
مروان فارس الوحيدي - خال أنور- كُسرت يده اليمنى بعد أن هجم عشرات الشرطيون ليخرجوه عنوة من داخل بيت ابن أخته، يحدث عن حال أنور وعائلته فيقول: "أنور شاب أعزب عاش حالة الفقر الأسود، وآلام السجن وفراق الوالد والوالدة، و على الرغم من ذلك فإننا اليوم بادرنا إلى إعادة بناء بيته، وسنواصل ثباتنا على الرغم من الظلم والقهر، ولو شاء الله للحجر في اللد أن يتكلم لقال: "كفى ترحيلاً وتهجيراً".
ألقوا طفلي من النافذة
أما سليمان محمد زبارقة الذي هدمت الجرافات الصهيونية بيت ابنه محمد، وهو متزوج، وله ولدان، يحدثنا قائلاً: "لقد قمنا بالاعتصام داخل البيت، وقام أفراد الشرطة والقوات الخاصة بدخول البيت، فكسروا النوافذ بأعقاب البنادق، وتجمّع على كل شخص أكثر من عشرين شرطياً، وأشبعونا ضرباً، وما زلت حتى الآن أعاني من أوجاع في أضلاع صدري بسبب الضرب، ومكثت أنا وآخرون في المستشفى لساعات إثر الاعتداء علينا"، بينما يقول الابن محمد الذي هُدم بيته: "بقدر الله ما زلت أنا وابني في عداد الأحياء، ولقد قام شرطيون بإلقاء ابني الصغير الذي كان داخل البيت من نافذة البيت، ولولا لطف الله وإمساك بعض الجيران للولد لسقط صريعاً".
سياسة التطهير العرقي
وفي تضامن مع أصحاب البيوت التي هدمها الاحتلال زار وفد الحركة الإسلامية، وعلى رأسه الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة عام 48 الداخل الفلسطيني أصحاب هذه البيوت.
وقال الشيخ رائد صلاح: إن ما يجري في اللد يشير بشكل واضح إلى تطبيق سياسة التطهير العرقي، على طريقة هدم البيوت وتدميرها من قبل الاحتلال الصهيوني الذي يهدف إلى عدم إبقاء أي عربي في المدن الساحلية "عكا وحيفا ويافا واللد والرملة".
ويضيف: إن هدم البيوت العربية في اللد وغيرها هو جريمة كبيرة، ولكن الأشدّ منها هو سياسة تطهير وجودنا العربي في المدن الساحلية، وسوف يأتي الدور علينا، مشيراً إلى أن الاحتلال قد يستغل أحداث سياسية جسيمة لتنفيذ سياسة تطهير عرقي جماعي.
وأضاف الشيخ صلاح: "على الرغم من كل ما ذُكر فإنه من المهم أن نؤكد أنه لا ينبغي أن نستسلم لأوامر الهدم تلقائياً، بل علينا أن نتصدى لهذا الهدم بالمفهوم الشعبي، كالاعتصام في البيوت لمنع هدمها وهذا أضعف الإيمان"، موضحاً أنه وجّه في مقال يُنشر يوم الجمعة القادم في صحيفة (كل العرب) اقتراحاً للأحزاب والتيارات السياسية أن تتبنى كل جهة إعادة بناء أحد البيوت الـ (11) التي هُدمت خلال الشهر الأخير في اللد، موضحاً أن الحركة الإسلامية لا بد وأن تخطط لإقامة معسكر عمل إسلامي لمدينة اللد بعد الانتهاء من معسكر العمل الإسلامي في النقب بداية الشهر القادم.
حالة من البؤس ما لها إلا الصابرون ثم الصادقون العاملون من الأهل في الداخل الفلسطيني، لذلك قرر أهل اللد ووفد الحركة الإسلامية التعالي على الجراح، وإعادة بناء البيوت التي هُدمت من جديد، وفعلاً فقد بُدئ في إعادة بناء البيت الأول، وعما قريب يُبدأ بإعادة بناء البيت الثاني.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد