مسلمو اليونان نفوذ الكنيسة يعمّق جراحهم


 

بسم الله الرحمن الرحيم

أكد الدكتور بشار شريف دماد أوغلو مسؤول العلاقات الخارجية بالمشيخة الإسلامية بتراقيا الغربية أن مماطلة الحكومة اليونانية في السماح لمسلمي اليونان ببناء المسجد في العاصمة أثينا تُعدّ دليلاً على عدم احترام الحكومة اليونانية لحقوق الأقلية المسلمة، وضربها عُرض الحائط بجميع تعهداتها الدولية والأوروبية بالحفاظ على حقوق هذه الأقليات.

وأضاف د. بشار أن معاناة مسلمي اليونان مستمرةº فهناك حرمان لهم من تولي الوظائف الراقية، وتُمارَس ضدَّهم أبشع صور التمييزº لدرجة أنهم يلاقون صعوبات في استخراج رخص المرور، وجوازات السفر، وتراخيص البناء، وهي صعوبات وإن كانت قد تراجعت بعد الضغوط الأوروبية الساعية لضمان حقوق الأقلياتº إلاّ أنها مستمرة في عديد من المؤسسات.

لفت مسؤول العلاقات الخارجية بالمشيخة الإسلامية بتراقيا الغربية إلى أن هذه الأوضاع الصعبة لن تجعل المسلمين ييأسون أو يتراجعون عن مساعيهم لاسترداد حقوقهم، مطالباً الحكومة اليونانية بإعلان موقف واضح من المواطنين المسلمين ينهي الوضع المأسويّ الذي يعانون منه، ويحُدّ من النفوذ المتعاظم للكنيسة اليونانية الذي يقف حائلاً دون حصول مسلمي اليونان على حقوقهم.

وشدد د. بشار على المخاطر التي تواجه قضية الوعي الديني لمسلمي تراقيا الغربية، فالمؤسسات الإسلامية تعاني من ضعف الإمكانيات، فضلاً عن أن الأوضاع الصعبة للعاملين في الحقل الدعوي لا تغري الكثير من الشباب بالإقبال عليه، لدرجة أننا لم نجد طلاباً نرسلهم إلى الجامعات الإسلامية على الرغم من تلقينا عشر منح من الأزهر والجامعة الإسلامية في المدينة المنورة.

التفاصيل الكاملة للحوار مع د. بشار في السطور التالية:

* أكدت تقارير أوروبية أن مسلمي اليونان يُعدّون من أكثر الأقليات في أوروبا تعرضاً للتمييز والمعاناة فهل لفضيلتكم أن تشرح لنا هذا الأمر؟

نعم المسلمون في اليونان عانوا كثيراً من انتهاك حقوقهم والتمييز ضدهم، على الرغم من أن اتفاقية لوزان التي وُقّعت بين تركيا واليونان قد تضمنت بنوداً تحافظ على حقوق هذه الأقلية، وتحترم لغتهم الأم وثقافتهم، وبمرور الوقت مورست ضدهم أبشع درجات التمييز والاضطهاد، فحُرموا من التعليم الذي يحترم لغتهم الأم وثقافتهم الإسلامية، وشنت السلطات حملاتٍ, شديدةً على المساجد والمراكز الإسلامية في معظم أنحاء اليونان وخصوصاً في تراقيا الغربية، وتم تحويل هذه المساجد والمراكز الإسلامية إلى إسطبلات خيل، ومتاحف، ودور سينما، فضلاً عن حرمان المسلمين من الحصول على وظائف محترمة، أو الارتقاء في وظائف الدولة العليا.

 

مماطلة عنصرية:

لعل حرمان (600) ألف مسلم يوناني من إنشاء مسجد في العاصمة أثينا يشكّل أكبر انتهاك للحقوق!!

طبعاً فحرمان مسلمي اليونان من مسجد يُعدّ جريمةً في حق مواطني هذا البلد والمقيمين بهº إذ ما زالت الحكومات اليونانية المتعاقبة تتباطأ في إنشاء هذا المسجد في استجابة واضحة لضغوط الكنيسة الأرثوذكسية المتعاظمةً النفوذ في اليونان، فقد وافقت الحكومة منذ سنوات على إنشاء المسجد بالقرب من مطار أثينا، ثم تدخلت الكنيسة رافضةً هذا الموقع، ومطالبةً بتغييرهº بحجة أنه يثير استياء الأغلبية النصرانية، وهو ما أخّر إنشاء المسجد، غير أني أعتقد أن هذه المسألة مسألة وقت لا أكثر ولا أقل، فالحكومة لن تستطيع المماطلة إلى الأبد في قضية إنشاء المسجد، وسترضخ في النهاية للضغوط الأوروبية الخاصّة بالحفاظ على حقوق الأقليات.

 

طرح البعض وجهة نظر تؤكد أن الحكومة اليونانية تسعى لإقناع تركيا بالتنازل عن كنيسة ايلي صوفيا الموجودة في اسطنبول مقابل إنشاء المسجد في أثينا؟

إذا أراد شخص أن يأخذ شيئاً من يديك ووجدك صامتاً فسيطمع في ذراعك، وإذا استمر صمتك فسيبحث عن أشياء أخَر، وهكذا فالسلطات اليونانية لا تعاني كثيراً من ضغوط للإسراع بإنشاء هذا المسجد، لذا نراها تطرح العديد من الصفقات الصعبة المستحيلة التنفيذ، فهذا المسجد حق أصيل لمسلمي اليونان، إلاّ إذا أرادت هذه الحكومة أن تطرد المسلمين من اليونان، وتشنَّ حملة تطهير عرقي ضد المسلمين في العاصمة، وعلى العموم هذه الأزمة تثبت سياسة إزدواج المعايير التي تتعامل بها السلطات اليونانية مع المسلمين، التي تتناقض أقوالها كثيراً عن احترام حقوق الأقليات مع الواقع الذي يعيشون فيه.

 

الواقع المرّ الذي تتحدث عنه يجعلنا نتطرق إلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لمسلمي اليونان فما تعليقكم؟

الأوضاع الاقتصادية لمسلمي اليونان صعبة جداً ومعقدة، فمعظمهم يعيش في غابات وأشجار كثيفة، ويقتصر نشاطهم الاقتصادي على الزراعة، وخصوصاً البساتين، ويمارس البعض مهنة التجارة، إلاّ أن هذا ينحصر في أعداد قليلة منهم، ولعل هذه الضائقة الاقتصادية تعود إلى سياسات أقرتها الحكومات اليونانية المتعاقبة منذ (30) عاماً، فالمسلمون محرومون من كل شيء، من الوظائف الراقية، ودعم إنشاء مشاريع تنموية واستثمارية في مناطقهم، بل إن المسلمين كانوا يواجهون صعوبات شتى حتى في حالة سعيهم لاستخراج رخصة مرور، أو جواز سفر، أو بناء منازل، ولكن بعد انضمام اليونان إلى السوق الأوروبية المشتركة حدثت طفرة في حصول المسلمين على حقوقهم، وفي تراجع حدة التمييز الذي يُمارَس ضدهم، ثم تضاعفت هذه الحقوق مع توقيع اليونان على وثائق أوروبية تحافظ على حقوق الأقليات خصوصاً الأقلية المسلمةº إذ أبدى الأوروبيون اهتماماً خاصاً بحقوق الأقليات في اليونان.

 

هل تعتقد أن حرص اليونان على الظهور بمظهر الدولة الديمقراطية سيجبرها على احترام حقوق مواطنيها المسلمين؟

نأمل ذلك! غير أننا لم نر خطواتٍ, فعليةً على أرض الواقع، فعلى الرغم من إعلان الدولة موافقتها على بناء المسجد في أثينا إلاّ أن عراقيلَ عديدةً وُضعت أمام بنائه، ونأمل أن تزيل الدولة هذه العقبات، بالإضافة إلى إقرار حزمة من القوانين التي تنهي أي إجراءات تمييزيّة ضد المسلمين.

 

حديثك عن دور الكنيسة المتعاظم يجعلنا نتساءل عن الدور التنصيري لهذه الكنيسة؟

في الماضي كانت جهود الكنيسة الأرثوذكسية مستمرة على قدم وساق، خصوصاً مع تكثيف محاولات تهجير المسلمين من شمال اليونان إلى المدن الرئيسية، مثل: أثينا وسالونيك، وهو ما كان له أثر سلبي على بعض المسلمين خصوصاً من قبائل الغجر التي أقبل الكثير من أبنائها إلى اعتناق النصرانية، ولكنهم ما لبثوا أن اكتشفوا الوهم الذي بِيع لهم، وأما الآن فقد حدث تراجع في هذا النشاطº لما يثيره من حساسيات في أوساط أكثرَ من (600) ألف مسلم من أصل يوناني، وتلا ذلك اتفاق القيادات الدينية على ميثاق شرف يحرّم التبشير بأي ديانة في صفوف معتنقي الديانة الأخرى، وكذلك وافقت الكنيسة الأرثوذكسية على عدم التدخل في شؤون المسلمين، وعدم توجيه انتقادات لأي سلوك يتعارض مع تعاليم الإسلام، وكذلك يجب على الرئاسة الدينية الإسلامية فعل نفس الأمر، وهو ما حدّ بالفعل من الأنشطة التنصيرية.

 

تذويب الهوية:

غير أن ما تقوله يخالف واقع مسلمي اليونان حالياً الذين يشتكون من حملات تذويب هوية وغزو ثقافي يعانون منه فما تعليقكم؟

ما تقوله صحيح، فهناك تحركات مشبوهةº لتذويب هوية مسلمي تراقيا الغربية عبر سلسلة من الخطوات منها: عدم احترام الحكومة اليونانية للهوية الثقافية لهم، وعدم تنفيذ بنود معاهدة لوزان التي اشترطت التزام الحكومة بتدريس العلوم الشرعية باللغة الأم، وعلى الرغم من التزام الحكومة بهذا الأمر لسنوات إلاّ أنها تراجعت، وفرضت قيوداً على المدارس الدينية بالامتناع عن توظيف خريجيها، وهو ما حدا بأولياء أمور الطلاب المسلمين إلى إرسالهم إلى المدارس اليونانية العامة بدءاً من رياض الأطفال، وصولاً إلى المدارس الثانوية، حيث يختلط أبناء المسلمين بأبناء الأغلبية النصرانية، علاوة على أن المعلمين والمربين من النصارى يحاولون تذويب هويتهم، وإيجاد فاصل بينهم وبين الإسلام وتعاليمه، وإكسابهم العادات والتقاليد النصرانية، ويزيد الطين بلة عدم اهتمام أسر هؤلاء الطلاب بإكسابهم قدراً من الثقافة الإسلامية التي تجعلهم قادرين على التمييز بين الغث والسمين.

 

حملات تشكيك:

في ظل هذا التطور الخطير كيف تواجه المؤسسات الإسلامية في اليونان هذه الموجة العاتية؟

هناك صعوبات تواجه المؤسسات الإسلامية ومنها: نقص الإمكانيات الذي يجعلها غير قادرة على القيام بدورها، فضلاً عن أن هناك محاولات مستمرة لإثارة الشكوك في مصداقية القيادات الدينية أمام المواطنين المسلمين حتى لا يُقبلوا على الاستفادة من علمهم، غير أن هذه الخطط تواجَه بشراسة من قبل هذه المؤسسات وفي مقدمتها المشيخة الإسلامية، ودار الإفتاء التي تبذل قصارى جهدهاº للمحافظة على الهوية الإسلامية عبر تحذير المواطنين من هذه المخططات المشبوهة.

 

هل لسيادتكم أن توضح لنا واقع المؤسسات والمدارس الدينية التي يتلقّى فيها أبناء مسلمي تراقيا الغربية تعليمهم؟

لا يوجد لدينا مؤسسات رياض أطفال خاصة بأطفال المسلمين، وهذا يضطر الأسرة المسلمة إلى رياض أطفال حكومية، مما يكون له أثر سلبي على أطفال المسلمين، أما فيما يخص المدارس الإبتدائية فللأقلية المسلمة مدارسُها الخاصة التي تستعمِل فيها اللغة التركية، ويدرس الطلاب كتباً تصل إليهم من أنقرة، غير أن هذا الأمر يرتبط بمدى تحسن العلاقات بين تركيا واليونان، فإذا كانت العلاقات جيدة أُرسلت هذه الكتب إلى تراقيا، أما إذا كان العكس فإن السلطات تمنع كتب المواد الشرعية، بل تتدخل في عمل هذه المدارس بفرض ضغط ساعات دروس علوم الدين الإسلامي، وإخضاع هذه المدارس إلى رقابة السلطات اليونانية.

 

دعاية سوداء:

هل ينسحب هذا الأمر على المعاهد الدينية المتوسطة والثانوية؟

يوجد في منطقة تراقيا الغربية معهدان دينيان أولهما: في مدينة كومونيتي بمحافظة رودوبي، وثانيهما: في قرية احنيوص بمحافظة اكسانثي، وتهتم الأسرة المحافظة بإرسال أولادها إلى هذه المدارس سعياً للحفاظ عليهم، وربطهم بالدين الإسلامي، وتعطي هذه المعاهد لخريجيها شهادات بالعمل كأئمة في المساجد، أو القدرة على استكمال دراساتهم في الجامعات الإسلامية أو اليونانية وفي كافة التخصصات، غير أن وضع هذه المعاهد صعب للغاية، مما حدا بالبنك الإسلامي للتنمية لتقديم منحة مالية استُعملتº لتوسعة وترميم وإنشاء مبنًى جديد للمدرسة الدينية، وعلى الرغم من هذا فإن الإقبال على هذه المعاهد ليس كبيراً بسبب الدعاية السوداء التي تمارسها السلطات ضدها، ووجود يقين لدى طلابها بأن تخرّجهم من هذه المدارس أو حتى الالتحاق بإحدى الجامعات الإسلامية لن يجدي شيئاًº لأنه ليس ثمّ وظيفة تؤمّن حياة مقبولة للخريجين.

 

حديثك يشير إلى وجود أزمة في إعداد الدعاة المكلفين بنشر الوعي الديني بين أبناء مسلمي تراقيا الغربية فما تقولون؟

نعم هناك أزمة شديدة في إعداد الدعاة خصوصاً الشباب منهم، لدرجة أن جامعات الأزهر والجامعة الإسلامية في المملكة العربية السعودية تقدم حوالي عشر منح سنوية لطلاب تراقيا الغربية، فلا تجد الجهات المختصة طلاباً للحصول على هذه البعثات، ويزيد الطين بلة أن أبناء علماء المسلمين الذين أكملوا تعليمهم الديني في جامعات إسلامية لا يسعون لتكرار سيناريو آبائهم، في ظل التهميش الشديد الذي يعاني منه المتخصصون في المواد الشرعية، وتحاول المؤسسات الإسلامية حلّ هذه الأزمة عبر عديد من الوسائل، غير أن هذا الأمر يحتاج إلى وقت طويل.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply