العصابة الشيوعية تواصل جرائمها ضد الشعب التركماني


بسم الله الرحمن الرحيم

 

في تكرار ممل لمفاجآته غير السارة لشعب تركمانستان المبتلى برئاسته أعلن الرئيس التركماني صابر مراد نيازوف أن أي شخص يقرأ كتابه -الروحنامة- الذي ألفه في الفلسفة يضمن له مكاناً في الجنة حيث ستمنحه القراءات الثلاث للكتاب غذاء روحيا للتعرف على الذات الإلهية على حد زعمه ويتوجه رأسا إلى الله!! وواصل نيازوف ترهاته بالزعم أنه طلب من الله بينما كان يكتب الجزء الثاني من كتابه أن يضمن للقراء المتحمسين عبورا سريعا إلى الجنة، مشيرا إلى أنه أراد خلق دستور جديد لسلوكيات مواطنيه بهدف تزويدهم بمجموعة من الأفكار عن كيفية تحولهم إلى مواطنين تركمانيين متميزين، وتعد ترهات نيازوف أحدث حلقة في المأساة التي يعيشها شعب تركمانستان الذي استمرت معاناته مع أذناب الشيوعية رغم انهيار الاتحاد السوفيتي السابق وسقوطه.

 

وقبل أن نتحدث عن مأساة هذا الشعب المسلم يجب أن نعرف أن هذه الجمهورية السوفيتية هي واحدة من جمهوريات آسيا الوسطي الإسلامية تحدها من الشمال الشرقي أوزبكستان وكازاخستان من الغرب وبحر قزوين من الجنوب ومن الجنوب الشرقي أفغانستان، ويشكل المسلمون 95 % من سكان البلاد التي يبلغ تعدادهم 5 ملايين تركماني بينهم 5 % من الروس الأرثوذكس الذين وضعتهم عصابات الشيوعية في البلاد لإيجاد توازن سكاني بعد نقل غالبية السكان التركمان وترحيلهم إلى مناطق أخرى من الاتحاد السوفيتي المقبور.

 

وتعد العاصمة -عشق أباد- مركزا للسلطة وأهم مراكز المال والاقتصاد في البلاد ومعها عديد من المدن أهمها -سارد ودهور وياسوزا مادري-.

 

ورغم أن تركمانستان تعد أقل دول آسيا الوسطي تعدادا للسكان إلا أنها تعد من الدول الغنية بالنفط والغاز الطبيعي، كما أنها تنتظر تقاسم ثروة بحر قزوين مع أربعة من الدول المجاورة لتصير من كبار الدول المنتجة للنفط في العالم، ويحكم أوزبكستان نظام جمهوري غير تعددي حيث يسيطر الرئيس نيازوف على السلطات كافة هو وحزبه الديمقراطي التركماني "وريث الحزب الشيوعي السوفيتي".

 

عودة للجذور:

 تركمانستان شأنها شأن العديد من الجمهوريات السوفيتية السابقة حصلت على الاستقلال عن الاتحاد السوفيتي السابق عام 1991، وحاول شعبها الرجوع إلى الإسلام والعودة إلى جذوره بعد سبعين عاما من الشيوعية وهو ما أيده في البداية الرئيس نيازوف حيث خرجت أعداد كبيرة تصل إلى 15 ألفا لأداء فريضة الحج في المملكة العربية السعودية، وشهدت البلاد ازدهارا في إنشاء المساجد وعودة جمعيات الإغاثة والدعوة الإسلامية إلى العاصمة -عشق أباد- وهو الأمر الذي لم يدم طويلا حيث لم يكن الأمر إلا خطوة تكتيكية من الرئيس نيازوف لاجتذاب الدعم العربي وهو الأمر الذي تحقق في بداية الاستقلال.

 

وما إن وصل الدعم إلى خزائن نيازوف حتى بدأ الانقلاب على المظاهر الإسلامية في تركمانستان من قواته التي بدأت تشن حملات على المساجد والمدارس الإسلامية وتعتقل المعلمين فيها ووجهت الآلة الأمنية للرئيس نيازوف ضربات قاصمة لكافة التيارات الإسلامية الوليدة في البلاد فأجهضتها وأغلقت العشرات من المساجد وقام باعتقال كل من يطالب بالعودة إلى الإسلام والحكم بالشريعة الإسلامية.

 

لم يكتف الرئيس نيازوف بذلك حيث فرض عزلة شديدة على بلاده، وانسحب من منظمة الدول المستقلة الكومنولث، ولم يحبذ التعاون مع منظمة المؤتمر الإسلامي بزعم أنه يفضل إقامة العلاقات الثنائية بديلا عن الدخول في تجمعات كبيرة.

 

تذويب هوية:

 ومارس نيازوف حرب تذويب هوية على الشعب التركماني المسلم حيث لم يقتصر ذلك على إلغاء المواد الشرعية من مناهج التعليم وإعطائها بعدا علمانيا دائما، بل تجاوز ذلك إلى فرض كتابه -الروحنامة- على كافة مناهج التعليم في البلاد حيث لا يحصل أي طالب على شهادته إلا إذ خضع لاختبار حول الروحنامة.

 

كما أن موظفي القطاع العام واسع الانتشار في البلاد لا يحصلون على ترقياتهم إلا إذا أجادوا قراءة وفهم ما يقدمه كتاب نيازوف الذي لا يزيد بحسب مجموعة من المراقبين عن مجموعة متلوية من التفاهات التقليدية المحرفة.

 

لقد بلغ سخف نيازوف أن حاول استبدال -الروحنامة- بالقرآن الكريم وفرضه على معتنقي الأرثوذكسية في الكنائس بديلا عن الإنجيل، وهو ما خلق حالة من الهلع والفزع في أوساط التركمان المسلمين أو الأقلية المسيحية الروسية.

 

خيانة عظمى:

 ويا ليت الأمر قد توقف عند هذا الأمر، بل إن نيازوف أمر السلطات الحكومية بزخرفة قباب الجوامع بمقتطفات من الروحنامة بشكل يجعلها تطغى على آيات القرآن الكريم، مما حدا بمفتي البلاد السابق نصر الله بن عبد الله إلى الاعتراض على هذا الأمر وتقديم استقالته، بل ورفض المفتي عدّ تركمان باشا وهو اللقب الذي يحب نيازوف أن ينادى به أي أبو التركمان رسولا أمينا وهو اللقب الذي يطلق على الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم -، وقد تعامل الرئيس نيازوف مع اعتراضات المفتي بتعسف إذ قرر إقالته من منصبه وتم تقديمه لمحاكمة سجنته 23 عاما بتهمة الخيانة العظمى.

 

وواصل نيازوف سخافاته إذ أصدر أوامر بترجمة كتاب -الروحنامة- إلى مختلف لغات العالم راصدا ملايين الدولارات من أموال الشعب التركماني الفقير لإنفاقها في هذا الغرض، كما أنه اشترط على الشركات الأجنبية العاملة في البلاد ترجمة آلاف النسخ من الروحنامة إلى لغات الأمة شرطاً لدخول المناقصات في قطاعي النفط والغاز.

 

يعاني التركمان على يد نيازوف صنوفا من الفقر والاستبداد والديكتاتورية والفساد الذي استغل حادثا بسيطا وهو اعتراض موكبه لتحويل تركمانستان إلى سجن كبير بعد قيامه باعتقال أكثر من 17 ألف مواطن، علاوة على قيامه بتخريب قطاع التعليم المتميز الذي ورثته تركمانستان عن الاتحاد السوفيتي السابق وفرض -الروحنامة- على مختلف المؤسسات التعليمية فيما ساهم في انهيار المنظومة التعليمية وتنامي المخاوف على مستقبل الأجيال القادمة التي يفرض عليها نيازوف الجهل والخرافات.

 

رغبة نيازوف في الاستمرار في السلطة جعله يجبر البرلمان على مبايعته رئيسا لمدى الحياة ويشن حملة على كافة الكفاءات في البلاد مما يجعلها تهرب خارج تركمانستان التي تعد أكبر دول منظمة الكومنولث التي تعاني استنزاف كوادرها.

 

وقد استفاد نيازوف من العزلة التي فرضها على تركمانستان في تثبيت أركان حكمه فقطع الصلات بين بلاده والعالم لدرجة أنه لم يعد يعترف بالشهادات الجامعية التي منحت من الخارج حتى إذا كانت من أعرق جامعات موسكو أو واشنطن إدراكا منه أن هذه الكوادر يمكن أن تشكل نواة لمعارضته في يوم من الأيام.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply