بسم الله الرحمن الرحيم
هل عز الإنصاف قبلُ كما عز في زماننا هذا؟
أم أنها حساسية الحديث في قضايا بعينها، والتي تحملنا على أن نجاري التيار الجارف، وأن نساير المتحكمين في منافذ الإعلام الكاذب، وأن نداهن المتنفذين في مصائر الخلق (أستغفر الله)؟!
إنني أخشى أن تلفنا عاصفة جديدة من المجاملات والمداهنات، ومن التسلق وركوب الموجة، على حساب الحق المضيع والحقيقة المغيبة.
ولنتأمل فيما يلي، كي ندرك حجم المغالطات والغلطات التي يهرف بها القوم ويغدقون بها على الرأي العام كي يسحروه ويغرروا به.
********
"الأبرياء" كلمة خالطها كثير من التحريف والتزوير حتى باتت مصطلحاً فضفاضاَ مائعاً لا تحديد له ولا ملامح ولا أبعاد..فهو شديد العمومية تارة، يشمل كل من أريد أن يُدخل فيه، لا لأحقيته، ولكن لمأرب ما، كأن يكون في ذلك إدانة أو تشويه لجهة بعينها، وهو شديد الخصوصية تارة أخرى، حكر على جنس أو لون بعينه (أي لون أو جنس شئت على أن لا يكون مسلماً) وإن كان للغرب الأولوية في ذلك.فتراهم يستعملون مصطلح "الأبرياء" بهذا التخصيص في غالب أمرهم، ولا سيما إن قصد به إدانة أو تشويه لجهة بعينها أيضاً، أو إضفاء حصانة "البراءة" على ذلك الجنس أو اللون من غير المسلمين.
ويُستدرج بعضنا إلى شرك التضليل الإعلامي، ويبالغ في إشباع أشواق القوم ومآربهم في تشويه من يكرهون، إلى حد التبرأ منه والدعوة إلى نبذه وسحقه وهدر دمه!!
وتنزلاً مع هؤلاء أسألهم: إن كان إخوانكم في العراق أو فلسطين أو أفغانستان أو غيرها يستهدفون الأبرياء، فهلا تبرأتم من صنيعهم دون أن تتبرؤوا منهم، وهم ــ على كلٍ, وبرغم حرمة قتل معصوم الدم ــ باقون على أصل الملة، وهو مذهب أهل السنة والجماعة؟
ولن أدخل مع هؤلاء في محاولة إثبات براءة المقاومين من دماء الأبرياء الذين هم أبرياء حقاً، أما المتقمصون للبراءة، والسفاحون وسفاكوا الدماء، من منتسبي الملة، وخونة الأوطان.. فالبراءة منهم براء، وإن تبرئة ساحة المقاومين لفي غنىً عن التدليل، وإلا فما أسهل الضرب العشوائي لو كانوا يتساهلون.
على أني لا أستبعد وقوع أخطاء، فلولا تعاملنا معها طبقاً للهدي النبوي: كما أخرج النسائي: عن سالم عن أبيه، قال: بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد إلى بني جذيمة، فدعاهم إلى الإسلامº فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا. وجعل خالد (يعمل فيهم) قتلا وأسراً. قال: فدفع إلى كل رجل أسيره، حتى إذا أصبح يومنا، أمر خالد بن الوليد أن يقتل كل رجل منا أسيره. قال ابن عمر: فقلت: والله لا أقتل أسيري ولا يقتل أحد. وقتل بشر من أصحابي أسيره. قال: فقدمنا على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فذكر له صنع خالد فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ـ ورفع يديه ـ: " اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد" مرتين (1).. فتبرأ من الصنعة المحرمة ولم يتبرأ من الصانع.
********
ولي سؤال تتطلب الإجابة عليه الصدق كل الصدق:
ماذا يمكن أن نقول فيمن يفرح في النيل منه ويشمت في موته أقطاب الإرهاب في الغرب؟ أهي شهادة عليه، أم شهادة له؟
********
وسؤال آخر:
هل يحظى قتيلنا ـ ذو الخطايا (فرضاً) بنعي كالذي حظي به بابا الفاتيكان السابق، أو الملك (فلان) أو السلطان (علان) أو الأمير (ترتان)، أو حتى الفنان (؟؟؟؟) أو اللواء (؟؟؟؟)... ولو باعتبار واحد فقط: أنه مجاهد قاوَم مَن لا يُختلف في وجوب مقاومته، أو ـ على الأقل ـ لاعتبار نبل مقصده، وإن أخطأ في بعض علمه أو عمله؟ وفي الحديث: "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث"(2).
أليس هذا هوَ مقتضى الانضباط الشرعي في بذل الولاء والبراء، ذلك أن المسلم إنما يوالي أخاه المسلم ويحبه، بقدر طاعته، ويعاديه ويبغضه بقدر معصيته، فيجتمع الحب والبغض في قلب مسلم لمسلم في آن واحد، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية؟.
********
وثالث:
أما زلنا في حاجة إلى التدليل على أن بعض الأنظمة في بلادنا غارقة في خيانة الأمة إلى آذانها، وأنها باتت مجرد شرطي (مخبر) يعمل لصالح جنرالات الغرب.
********
يا إخوة الإسلام..
نعي أن أعداء الأمة يريدون اختزال الأمة في نفر منها، حتى إذا ما قضى هؤلاء النفرُ انهارت معنويات الناس، وتبددت آمالهم، ومن ثم تنهزم النفوس، وتخور العزائم.. هذا مرادهم.
وأيضاً: لكي يتسنى لهم أن يصموا جهاد الأمة كله، بما تمكنوا أن يصموا به بعض أبنائها، فيعمموه على سائرهم.
ولأجل أن يتوفر لهم "إنجاز" يمكنهم به أن يدجلوا على مواطنيهم، ويقنعوهم بأنهم منتصرون.
ورجاء أن ينفضَّ الناسُ عن المبدأ والهدف بغياب الرمز والمثال!!
خابوا وخسروا..
وهل انقلبت الأمة على أعقابها بموت من هو أعظم؟
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد