جاهلية جديدة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

فيا عباد الله، اتقوا الله - تعالى -وتوبوا إليه.

 

أيها المسلمون، كم كانت المواقف عظيمة والآثار المضنية جسيمة حين كانت القلوب والعيون تبكي حزنًا وأسًى على فراق خير البرية وأزكى البشرية، حين ثوى في مرقده في الأرض التي طهرها من وساوس الوطنية وأزاح من طريقها كل قوى التقهقر والشرك.

 

لحق بالرفيق الأعلى ليُحمّل أصحابَه من بعده مسؤوليةَ الدعوة، لكن الخطب بعد ذلك تعاظم، واشتدَّ الحال، وتفاقمت الفتنة، ونجم النفاق في المدينة، واشرأبت اليهودية والنصرانية، وارتد من ارتد من أحياء العرب حول المدينة، وامتنع آخرون عن دفع الزكاة.

 

حدث عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - يوم أتى إلى أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - إبان خلافته حيث عزم الصديق على مقاتلة المرتدين، فحدثه عمر يريد ثنيه إلى أن يتألفهم حتى يتمكن الإيمانُ في قلوبهم، فقال أبو بكر - رضي الله عنه -: "والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه"، يقول عمر: فلما رأيت عزمه كذلك علمت أنه الحق، ووقف المؤمنون الصادقون وقفة إيمانية ظاهرة وصفّوا صفًا إسلاميًا واحدًا، فلم يخافوا تلك الجموع المرتدة، ولم يرهبوا تلك القوى المتألبة، وعلموا أن هذه الردة خطر عظيم يهدّد الإسلام في مكة والمدينة ومجتمع المسلمين كله، بل قام المنافقون على عادتهم في كل عصر ومصر يودّون نقض عرى الإسلام من جديد عروة عروة، ولذلك فقط كان جواب الصديق - رضي الله تعالى عنه - لعمر - رضي الله تعالى عنه - حاسمًا في هذه القضية، وهو الذي فهم الإسلام قولاً وعملاً، وعلم أنه منهج رباني متكامل، لا يتجزأ الإسلام حسب الأهواء وحسب المصالح وحسب الأنظمة وحسب الأوقات والعصور، فكان موقف أبي بكر هذا موقفًا عُدَّ من أعظم المواقف التي حمت الإسلام من التشويه والتغيير في شرائعه على مر الزمان.

 

أيها الإخوة المؤمنون، إن أمر الصلاة والزكاة والحج والصيام والجهاد وغيرها من شعائر الإسلام وتشريعاته ليس في الحقيقة إلا إخلاصًا في العبودية لله وحده، فالإنسان إما أن يكون مسلمًا أو لا يكون، فليس الدين قابلاً للتجزئة، وذلك حين يأخذ الإنسان من الإسلام ما يستهويه وينسب إليه ولا يتناقض مع مصالحه وشهواته ومطامعه، ثم يأخذ من الجاهلية ما يستهويه أيضًا، فذلك الضلال والشرك معًا.

 

إن إنقاص منهج الله في شريعة أو أمر من الأمور التي شرعها الله يعني الاعتقاد بأنه منهج ناقص قاصر، - تعالى -الله عن ذلك علوًا كبيرًا. والدين الإسلامي منهج متكامل يقوم أساسًا على قاعدة الإيمان بالله وحده وأن محمدًا رسول من عنده، إيمانًا حقيقيًا واضحًا يكون من مقتضاه الاستسلام لله - سبحانه - ونزع كل عبودية لغير الله في جميع شؤون الحياة العامة والخاصة.

 

أيها المسلمون، الردة في الإسلام هي إبدال دين الإسلام وعقيدته لإحلال غيرها مكانها، أو هي إنكار شيء مما جاء به الرسول وثبت بالضرورة في دين الإسلام، أو هي كذلك الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعض، ولذلك كان المرتد واضحًا ومنبوذًا في العصور الأولى للإسلام، وقد ظن كثير من الناس أن ظاهرة الردة عن الإسلام قد وئدت إلى غير رجعة بوأد أبي بكر لها، لكن الأمر خلاف ذلك، فإن الردة عن الإسلام قد تنطفئ نارها تارة وتضرم تارة أخرى، وقد تكون كالحرباء تتلون وتتغير بألوان تواكب العصر والحضارة ومتطلبات العصر المزعومة.

 

إن من ألوان الردة وألبستها الذي اكتسح جزءا كبيرًا من العالم الإسلامي ظاهرة غزت كثيرًا من الأسر والبيوتات، إنها ردّة لكنها لم تلفت انتباه كثير من المسلمين ولم تشغل خاطرهم، لأن صاحبها لا يدخل كنيسة ولا يتعبّد في بيعة.

 

هذه الردّة هي ما يسمى بالحرية الشخصية التي باتت الآن منتشرةً في كثيرٍ, من العوالم، والتي يدّعي أرباب الفكر المادي الملحد أنهم ربحوها من وراء التحرر من الدين والتلبس بلباس العلمانية، بأن يكون الدين مظهرًا وشعارًا لا يطبق إلا في المساجد، أما في الحكم والسياسة ومراتع الفن والثقافة فهو بعيد عنها، وهذه الحرية التي يريدون هي العبٌّ من الشهوات بلا حساب والانطلاق وراء الرغبات الحسية بلا حياء والتبعية المقيتة للغرب الصليبي الكافر والتحلّل من عرى الفضائل والأخلاق والقيم العليا وتنحية شرع الله عن واقع الحياة، إنها حرية مزعومة ليست كسبًا يسعى إليه ولا مغنمًا يحرص عليه، إنها ليست إلا خسارة جسيمة على البشرية جمعاء، قال - تعالى -: "أَفَحُكمَ الجَاهِلِيَّةِ يَبغُونَ وَمَن أَحسَنُ مِن اللَّهِ حُكمًا لِقَومٍ, يُوقِنُونَ" [المائدة: 50].

 

إن القيود التي يفرضها الإسلام على المسلم لا يريد بها عذابه وحرمانه، إنما يريد أن يرتفعَ بها من الحيوانية الهابطة إلى الإنسانية الصاعدة، وبذلك ينتصر المسلم على الدعة والتحررية، إنها حدود تجلب الخير، وفي تعديها الشر، "وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُم الظَّالِمُونَ" [البقرة: 229].

 

إن عز أمتنا الإسلامية وعز بلدنا الإسلامي ورفعته هو في تطبيق الإسلام الكامل وليس في أجزاء منه، وإن ما نراه من كثرة مصائب الأمة وتخبط في حلولها وركون إلى طواغيت الغرب والشرق وحصارات نراها تهلك بعض الشعوب الإسلامية وحروب وتحالفات على بلاد المسلمين ومقدسات نراها تدعم تحت راية الصليب ويرعاها الصليب والتلمود، وكل ذلك عائد إلى بعد أمة الإسلام عن الإسلام الذي به وجدت وحَيِيَت، "أَلَم تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزعُمُونَ أَنَّهُم آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَد أُمِرُوا أَن يَكفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيطَانُ أَن يُضِلَّهُم ضَلالاً بَعِيدًا" [النساء: 60].

 

أمة الإسلام، إنها قاعدة واضحة، وعلى الرغم من هذا الوضوح والجلاء فما أن أحاطت بالعالم هذه الأزمةُ الأخيرة بتداعياتها وأشخاصها حتى استغلَّها أعداء الإسلام حين أبوا إلا وضع العراقيل وتلفيق التهم واختلاق الشبه بوسائله وقنواته، أن يجعل من بعض المسلمين خاصة من يسمّون بالمثقفين يستحيون من ذكر بعض شعائر الإسلام كالحدود والقصاص وتعريف الحجاب، ويجنّدون أقلامهم وبرامجهم للنيل من الإسلام وانتقاص أهله المستمسكين به، بل قد تجد منهم من يعلن ذلك ويكتبه عبر المقالات والصحف والقنوات ببرامجها الحوارية المدّعاة ذات الأهداف الخفية، وكأن هؤلاء لا يرون مانعًا أن تكون ديار الإسلام ميدانًا فسيحًا تنمو فيه الدنايا وسفاسف الأخلاق، ويحاولون هدم الإسلام عبر نقد مناهج التعليم في كتاباتهم، بل قد لا يتورع أحدهم في أحد تلك البرامج الفضائية أن يدعو الغرب وأن يدعو أمريكا حتى تنظم مناهج المسلمين في مدارسهم، بل ودعاهم إلى أن ينظموا مساجدنا وخطباءنا، وحين ترى حال كثير من هؤلاء الذين ينظرون في مسائل التعليم ومعاملاته ترى فيهم أناسًا ظاهرهم الفسق لا يعرفون الطريق إلى المساجد أو لا يتورعون عن الموبقات والمزالق، فتراهم يسرون أو يعلنون أن تحريم الخمر والزنا وقطع دابر اللصوص المفسدين تشدّد وهمجية.

 

فأيّ جاهلية ورِدّة وصلنا إليها في هذا القرن الحديث؟! "أَفَحُكمَ الجَاهِلِيَّةِ يَبغُونَ وَمَن أَحسَنُ مِن اللَّهِ حُكمًا لِقَومٍ, يُوقِنُونَ" [المائدة: 50].

 

أيها المسلمون، إن ظاهرةَ الجاهلية الجديدة تعدّ من أخبث الظواهر وأخطرها التي تواجه المسلمين في هذا العصر، لا سيما حين تذكيها أقلام وأسماء إسلامية، حيث إن نتيجتها محو شريعة الله من الأرض وتغيير ولاء المسلمين الموحّد إلى ولاءات جاهلية متعددة. وإن دعاة هذه الظاهرة ورموزها ما زال فكرهم مشتهرًا وما زال مكرهم منتشرًا، ودعواتهم تسري سريان النار في الهشيم، ومع الأسف أنك ترى مجاملة وتكريمًا لهم بالرغم من شرهم هذا الذي يصبّ في مصلحة الأعداء، وهم إنما يعلقون دعواهم تلك بألبسة شتى، فتارة باسم المصلحة والقومية، وتارة باسم الخوف على الوطن من الإرهاب والتطرف، وتارة باسم الحاجات الاقتصادية، وأخرى يسوقون من خلالها المنكر باسم المهرجانات الغنائية والتراثية والسياحية الترفيهية، وتارةً من خلال أنشطةِ جمعياتٍ, نسويةٍ,، وهكذا تتغيرُ الراياتُ وتتعدد، والهدف واحد، كله يصبّ في تغيير بنية هذه المجتمعات الإسلامية وصياغةِ إسلام وشريعةٍ, تناسبُ تلك الأنظمةِ والجهاتِ الصليبيةِ.

 

وإن أولئك الدعاة لم يشتد نشاطهم أخيرًا إلا حين رأوا الناس يعودون إلى دينهم أفواجًا، فخافوا بذلك أن يفوتهم حظوظ من الدنيا، فاستغلوا الأحداث الأخيرة، فتقدموا حاقدين مضمرين الغدر والمكرَ لهذه الأمة، "فَاللَّهُ خَيرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرحَمُ الرَّاحِمِينَ" [يوسف: 64].

 

إن أهل الكفر والصليب والتلمود الذين يغذّون مثل هذه الجاهلية والردّة الجديدة وقد يتسامحون في شيء من الإسلام وقد يحضر رؤساؤهم بعضًا من الشعائر الإسلامية بدعوى المساواة، لكنهم يطالبون بإسلام لا يكافح الاستعمار، وليس هو الإسلام الذي يقاوم الطغيان، إنهم يجوّزون أن يُستفتى الإسلام في الحج والزكاة والمسح على الخفين ونواقض الوضوء، لكنهم لا يجوّزون أن يستفتى الإسلام أبدًا في قتل الأنفسِ البريئة، في انتهاك الحقوق وتشريد المجتمعات الإسلامية في فلسطين وأفغانستان والشيشان وكشمير والفلبين والصومال وغيرها من بلاد المسلمين، لا يستفتى الإسلام في تطبيق شرع الله وإقامة حدود الله.

 

وقد رأينا الهجمات الشرسة التي يقودها الغرب الصليبي على بلادنا لأنها تطبّق الحدود، بل تجد أن الحكم بما أنزل الله يكون حسب هوى بعض الأنظمة والمحاكم الوضعية، فهذا قانون للأحوال الشخصية، وهذا قانون خاص بالعمل والعمال، وهذا قانون صحي، وهذا اقتصاد يقوم على الربا، وهذا أديب ومفكر يؤلف روايات سيئة السمعة والهدف، يذكر فيها منكرات الصِبا ولا يجد محاكمة أو حتى مناقشة، بل قد تجد أن أبواب الصحف قد فتحت مشرعةً له ولغيره، وغير ذلك من الهجمات المبطنة.

 

إخوتي، إن هذه الدعوات والتي يتلاطم غبارها ذات اليمين والشمال، إنها تريد للإسلام والمسلمين أن يعيش في نطاق ضيق لا يعرف المسلمون منه إلا اسمه، ولا يعرفون من القرآن إلا رسمه، وإن هذه الدعوة الماكرة تتلبس بألبسة شتى كالحرية الخاصة بالفرد، فللفرد أن يدين بما شاء، وأن يتبادل الحب والغرام مع من شاء، وأن في بعض أحكام الشريعة بعض الجمود وعدم الواقعية، ومنها إضفاء صبغة البهرجة الكاذبة والدعاية الرائجة للعلمانية ووصفها بأنها علامة التقدم ومسايرة روح العصر الذي سيطرت فيه المعارف والعلوم، فللفرد أن يأخذ ما يريد وأن يدع ما يريد، ومع الأسف أن كثيرًا من المسلمين وقع فريسة لهذا الغزو الماحق الماكر، وتعلق كثير منهم بتلك البهرجة والخواء، وانتشرت هذه الأفكار الجاهلية الجديدة حتى باتت تهدّد بلدًا احتضنت تاريخ الإسلام وبداياته، وفيها بيوت الله ومقدساته، وأصبح أهلها ومفكروها من المتأثرين بمثل هذه الدعوات والمظاهر باسم الأدب والفن وراياته ومواجهة التطرف والإرهاب وغاياته.

 

إن الإسلام هو من تكفل بإيجاد العدل والمساواة وضمان حقوق الناس في الأرض، وإن الضمان الحقيقي للأمن والسلام هو الحكم بشريعة الله على عباد الله، وهذا ليس انغلاقا أو تقوقعًا على الذات، بل انفتاح على الحضارات الإنسانية في تراثها النافع وإيجابياتها النافعة، وإن ما يطالب به هؤلاء الصحفيون والكتاب وأصحاب البرامج من انفتاح صليبي إنما هو دعوة للاستعمار، وكما أنه يسرق الأقوات فإنه يسلبُ العقائدَ ويسمّم الأفكار ويسعى في فتنة الأمة عن إيمانها وتضليلها عن أهدافها.

 

وإن رصدًا للنتائج الوخيمة والحديثة على الإنسانية لتلك الأنظمة الصليبية التي حكمت العالم خلال فترةٍ, بسيطة في القرن الماضي لترينا عجبًا. هذه الممارسات الصليبية التي حكمت العالم والتي يطالب بها هؤلاء الببغاوات عبر كتاباتهم، فهل نحصي المآسي التي حصلت تحت حكمهم من عمليات القتل الجماعي في حربين عالميتين حصدت الملايين ولا زالت آثارها إلى اليوم؟! وها هي الدماء المسلمة تهراق أودية وأنهارًا في فلسطين وأفغانستان وكشمير والفلبين والشيشان، وأريقت قبلا في البوسنة وكوسوفا وغيرها، وكل ذلك برعاية وإقرار من هؤلاء الذين يدّعون طلب السلام للعالم ومقاومة الإرهاب والتطرف.

 

أما على الصعيد السياسي فلا نرى إلا بحثًا لمصلحتهم وحدهم، حين يفرضون عولمة اقتصادية تسوق منتجاتهم على حساب الضعفاء، وحين نرى الربا يُنهك كاهلَ العالم، حتى رأينا كيف أثرت تلك الاقتصاديات المهترئة كيف أثرت على إحدى تلك الدول هذه الأيام عبر إثارة الفتن والمشكلات فيها.

 

ثم على الصعيد الاجتماعي أليس إهانةً بشريةً مريعة أشكالُ الدعارة وأرقامها المتعاظمة؟! ماذا عن الأسرة وتماسكها ورعاية الأطفال في أحضانِها؟! وماذا عن الإباحية باسم الحرية؟! انحطت أخلاقهم وعُدِمَ حياؤهم حتَى أباحوا اللواط والسحاق، وأصبح للوطية جمعيات وأحزاب وتزاوج فيما بينهم مخالفة لسنن الله والفطرة، يقول الله - جل وعلا -: "وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُم رَبٌّكُم مِن أَزوَاجِكُم بَل أَنتُم قَومٌ عَادُونَ" [الشعراء: 166].

 

فهل يعقل بعد ذلك أن يأتي أحد هؤلاء الكتاب يحمل اسمًا إسلاميًا ويكتب بلغة القرآن ليدعونا إلى هذه الحرية المشئومة لأولئك القوم العادين باسم محاربة الإرهاب؟! فهل استطاعوا القضاء على الإرهاب كما يدعون؟! أليس إرهابًا التدخل في الشؤون الداخلية للدول والشعوب والجرأة على دينها ومعتقداتها؟! أليس إرهابا سياسيا ذلك الهجومُ المبطن على شريعةِ الإسلام عبر الهجوم على دوله ومناهجه التعليمية ومؤسساته الخيرية؟! أليس إرهابًا مدعومًا ذلك القصف الوحشي والتدخل السافر الذي رأيناه ونراه يوميا على المسلمين المدنيين في أفغانستان والفلبين حيث يقتل المدنيون هناك برعاية العالم وصمته باسم محاربة التطرف والإرهاب؟! وكذلك قتل أسراهم وسجنهم في أوضاع مهينة، وكذلك ما يحدث في فلسطين، وكذلك الهجمات المبطنة المبيتة الآن على المسلمين في الصومال، فهل يعقل بعد كل ذلك الوضوح أن نرى بعضًا من المنافقين يسارعون فيهم ليكونوا دعاة لهم ولبرامجهم التي لا تريد للإسلام إلا الشر والهزيمة؟!

 

أيها الإخوة المؤمنون، بعد ذلك يتساءل كل مسلم غيور: كيف انتشرت هذه الظاهرة بين المسلمين؟ كيف غزتهم في عقر دارهم وسيطرت على العقول والنفوس؟ وكيف النجاة؟

 

والجواب عن ذلك كله هو أن العالم الإسلامي قد ضعف ضعفًا شديدًا في العقيدة والعلم والدعوة، وبدا على كثير من أهله الإعياءُ والشيخوخة والركون إلى الترف والدعةِ، وأصبحَ تعلٌّقنا بكثير من الأمور إنما هو نسب وذكر، لا حُسن تطبيق، ولكن رونق الإسلام وجوهره بقي صافيًا نقيًا رغم تلك الشوائب، لأن الله هو الذي يحفظه، لكن المسلمين هم الذين ضعفوا فلا سعي ولا إقبال على العلم وطلبه، ولا حماسة في الدعوة، ولا تضحيات تبذل للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عدا عن نباتات الشر التي نمت داخل الصف الإسلامي، وغاب العرض الجميل للإسلام بوصفه النجاة لأهل الأرض إلا ما قل، وقد تجد كذلك فئامًا من المسلمين والمنتسبين إلى الإسلام تشوّه صورة الإسلام والمسلمين إما بالتعجّل وتعجّل النتائج أو كذلك بالتميّع، إما أن يكون بقصد أو بدون قصد، وأصاب كثيرًا من المسلمين الانحراف في فهمهم للدين وتصورهم عنه، ولذلك فإن من الواجب أن يقوم المسلمون بتجلية هذه التصورات وكشف هذه الشبهات وفضح حقيقة هذه الجاهليات الجديدة، عند ذلك ينكشف الستار لأولئك الذين يستمدون قوتهم من العمل في الظلام، وتكشف أوكارهم وسراديبهم وطرقهم، وبذلك يكون فشلهم ساحقًا وماحقًا بإذن الله، وهم الذين أصبحوا أداة لغرب حاقد على الإسلام ودوله كما نراه في واقعنا الآن، وكيف كثرت الهجمات في صحفهم على بلادنا وهم لا يريدون ـ ولا أزلامُهم من الكتاب في بلادنا ـ من وراء ذلك إلا إسقاط الإسلام الذي تميزت به هذه البلاد ونشأ عليه نظامها وأهلها.

 

أيها المسلمون، إن الفتنة الكبرى التي ابتلي بها المسلمون في هذا العصر من محاولات الكفر والنفاق إبعاد شرع الله وحكمه عن الأرض لم تنجح ولن تنجح بإذن الله في القضاء على المسلمين، لأن وجودهم مرتبط بدين باق - حفظه الله - على مرور الأزمان وكثرة الطغيان، لكن إحياء الأمة الإسلامية من سباتها العميق والرفع بها إلى مكانها الطبيعي في مقدمة الركب لقيادة البشرية لن يتحقق بجهود أفراد قليلة أو تجمعات صغيرة متحزبة على نفسها، وكل يدعي أن الحق لديه وغيره ضال مبتدع.

 

إن الأمر أجلّ من هذا والخطر أشدّ وأدهى، والإسلام بحاجة إلى أوليائه الذين يعملون له وحده ويواجهون به الكفر والإلحاد ويعدّون الخطط اللازمة والعدّة والعتاد لمواجهة الكفر وأوليائه الذين يعرفون أن الإسلام يجب أن يحكم كي يؤتي ثماره كاملة. أولياؤه الذين لا تخدعهم أكاذيب الصهاينة اليهود وأكاذيب الصليب ولا تغريهم ابتسامة الصليبيين.

 

إن أهل الإسلام يطلبون باسمه عدالة إسلامية وشريعة ربانية، ولا يجعلون من الإسلام شعارًا وأداة لخدمة الأهواء والأدواء، ولكن يريدون عدلاً وعزة وكرامة، بذلك يمكن للإسلام بتوفيق الله أن يكون حاكمًا ومرجعًا، وحينئذ يتحقق الوعد ويتأكد التمكين وينزل النصر: "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُم وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَستَخلِفَنَّهُم فِي الأَرضِ كَمَا استَخلَفَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِم وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُم دِينَهُم الَّذِي ارتَضَى لَهُم وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِن بَعدِ خَوفِهِم أَمنًا يَعبُدُونَنِي لا يُشرِكُونَ بِي شَيئًا وَمَن كَفَرَ بَعدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُم الفَاسِقُونَ" [النور:55].

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply