شَهِدتُ مصرع خُبيب


 

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَموَالِهِم وَأَنفُسِهِم فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ, وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَم يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِن وَلَايَتِهِم مِن شَيءٍ, حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ استَنصَرُوكُم فِي الدِّينِ فَعَلَيكُمُ النَّصرُ إِلَّا عَلَى قَومٍ, بَينَكُم وَبَينَهُم مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعمَلُونَ بَصِيرٌ ))(الأنفال:72).

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، صَلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على هديه إلى يوم الدين أما بعد:

فأن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 إنهم رجال اشتروا الآخرة بالدنيا، وآثروا الله ورسوله على سواهما، إنهم الصحابة - رضوان الله تعالى عليهم -، أولئك الجبال التي التفت حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كم عانوا، وكم عُذبوا، كم تحملوا في سبيل الله، أريقت دمائهم الزكية في سبيل الله، وعلى أجسادهم وصل إلينا هذا الدين العظيم.

فهذه قريش تجتمع على صحابي من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو خبيب بن عدي - رضي الله عنه -، اجتمعوا عليه ليثأروا لقتلاهم يوم بدر، وينتقموا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولما وصلت هذه الجموع بأسيرها خبيب، قُدّم إلى خشبة الصلب، وبينما الحشود تتصايح من حوله قال وبصوته الهادئ الثابت:( إن شئتم أن تتركوني أركع ركعتين قبل مصرعي فافعلوا ...)، وبينما نظرات الثائرين تتجه صوبهº استقبل - رضي الله عنه - القبلة وصلى ركعتين، فسبحان من ثبته، ثم أقبل خبيب - رضي الله عنه - إلى زعماء قريش وقال: " والله لولا أن تظنوا أني أطلت الصلاة جزعاً من الموت لاستكثرت من الصلاة...!!"، ثم بدأ القوم يمثلون به وهو حي، فيقطعون من جسده القطعة تلو القطعة وهم يقولون له: ( أتحب أن يكون محمداً مكانك وأنت ناج؟ فيقول - رضي الله عنه - والدماء تنزف منه -: " والله ما أحب أن أكون آمناً وادعاً في أهلي وولدي وأن محمداً يوخز بشوكة ... " فيتعالى صياح القوم: أن اقتلوه... اقتلوه..!!!

فرفع خبيبا - رضي الله عنه - بصره إلى السماء من فوق خشبة الصلب وقال: " اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً " ثم لفظ - رضي الله عنه - أنفاسه الأخيرة، وبه ما لا يحصى من ضربات السيوف، وطعنات الرماح!!.

وممن شهد مصرع خبيب - رضي الله عنه - الصحابي سعيد بن عامر الجمحي - رضي الله عنه - ووقتها كان على الشرك، ولم يدخل في الإسلام، وبعد أن دخل سعيد - رضي الله عنه - الإسلام كانت تأتيه غشية فيغيب عمن حوله، فسأله عمر - رضي الله عنه - عن ذلك، فقال سعيد - رضي الله عنه -: " شهدت مصرع خبيب بن عدي وأنا مشرك، ورأيت قريشاً تقطع من جسده وهي تقول له: أتحب أن يكون محمداً مكانك وأنت ناج؟ فيقول:" والله ما أحب أن أكون آمناً وادعاً في أهلي وولدي وأن محمداً يوخز بشوكة"، وإني والله ما ذكرت ذلك اليوم وكيف أني تركت نصرته إلا ظننت أن الله لن يغفر لي، وأصابتني تلك الغشية!!.

نعم لقد كان يراه في حلمه إذا نام، ويذكره حين صلى ركعتين مطمئنتين أمام خشبة الصلب، ويسمع رنين صوته في أذنيه وهو يدعو على قريش، نعم يا مسلمون: " إني تركت نصرته فظننت أن الله لن يغفر لي )! كلمات عظيمة تحتاج إلى وقفة وتدبر، يخاف أن لا يغفر الله له لأنه لم ينصر خبيباً مع أنه لم يكن وقتها مسلماً!!

إنها المسؤولية أيها الإخوة، إنها الرابطة التي جمعته بخبيب، إنها الأخوة الإسلامية، كم عندنا من الجراح اليوم، جرح في العراق، وجرح في فلسطين، وجرح في الشيشان، وآخر في أفغانستان، ومنا من يقول: وما شأننا بهم!!

آلاف الشهداء في العراق وفلسطين والشيشان و....، ومنا من يجادل في نصرتهم، وحتى في الدعاء لهم!!

لقد شهدنا مصرع ذلك الشيخ، كما شهد سعيد مصرع خبيب، ذلك الشيخ المثخن الجراح في أحد مساجد الفلوجة الصامدة والجندي الصليبي يجهز عليه, لقد شاهدنا التمثيل بجثث المسلمين في شوارع الفلوجة من قبل الصليبيين ثأراً لقتلاهم، كما مثلوا بجثة خبيب ثأراً لبدر، لقد شهدنا المصرع ونحن مسلمون وتركنا النصرة، لقد سمعنا استغاثات المسلمات في سجون الكفار ( وامعتصماه) فتركنا النصرة، نخشى أن لا يغفر الله لنا، لقد شاهد سعيد - رضي الله عنه - قبل أن يسلم مصرع خبيب فخشي أن لا يغفر الله له، ونحن شهدنا مصرع إخوان لنا ونحن مسلمون، فأسأل الله أن يغفر لنا.

لقد عَلّم خبيب - رضي الله عنه - سعيداً - رضي الله عنه - ما لم يكن يعلم من قبل! علمه أن الحياة الحقّة عقيدة وجهاد في سبيل العقيدة حتى الموت، فهل تعلمنا ذلك نحن!؟

علمه أن الإيمان الراسخ يفعل الأعاجيب، ويصنع المعجزات، فهل تعلمنا ذلك نحن!؟

علمه أن الرجل الذي يحبه أصحابه كل هذا الحب إنما هو نبي مؤيد من السماء، فهل تعلمنا ذلك نحن!؟

علمه أن الله يبتلي عباده المؤمنون، فهل تعلمنا ذلك نحن!؟

علمه أن هذه الدنيا حقيرة زائلة، لا يأخذ المسلم منها إلا العمل الصالح، فهل تعلمنا ذلك نحن!؟

علمه أن التضحية بالنفس في سبيل الله هي أعلى مراتب الشرف في الآخرة، فهل تعلمنا ذلك نحن!؟

يا مسلمون: لقد شاهدنا مصرع إخوة لنا في بلاد الرافدين وفلسطين وأفغانستان، باعوا أنفسهم في سبيل الله، إخوة لنا رفعوا راية الجهاد حتى لا يدنس الكفار دينهم وعقيدتهم، إخوة لنا هدمت دورهم، وشردت عوائلهم، ويُتِّم أطفالهم، ورملت نسائهم كل ذلك في سبيل عزة دين الله، فهل تعلمنا منهم ما تعلمه سعيد من خبيب!!

يا مسلمون: انصروا إخوانكم بكل ما تستطيعون، انصروهم بدعائكم، بأموالكم، بأقلامكم، بألسنتكم، وتذكروا قول سعيد بن عامر - رضي الله عنه -: "واني والله ما ذكرت ذلك اليوم وكيف أني تركت نصرته إلا ظننت أن الله لن يغفر لي، وأصابتني تلك الغشية!"

ربنا اغفر ذنوبنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم انصر عبادك المجاهدين، واخذل اليهود والصليبيين، اللهم عليك بأمريكا ومن ناصرها، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، اللهم صلي على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply