بسم الله الرحمن الرحيم
تناولنا في الحلقة السابقة ثلاث قواعد من قواعد التغيير..وفي هذه الحلقة نكمل بقية القواعد، حتى نتهيأ لتغيير حياتنا بعد تحطيم القيود...
4) تعلم طريقة الاتصال:
عندما تصل إلى القناعة بأهمية الاتصال، لا بد أن تتبع هذه القناعة بتعلم طريقة الاتصال، فطريقة الاتصال هي التي تؤثر في ردود الفعل للطرف الآخر، وللاتصال بالآخرين طرق متعددة، كل طريقة تتناسب مع أشخاص معنيين وقد لا تتناسب مع آخرين، ومن خلال هذا التنوع في الطرق يتم التغيير، فمن الناس من يؤثر به نوع واحد من هذه الطرق، ومنهم نوعان، ومنهم من لا يتغير إلا بممارسة جميع هذه الطرق، وكلٌ ميسر لما خلق له...
طرق الاتصال:
هناك طرق متعددة، ولكن أبرز هذه الطرق (الاتصال العلمي، والإيماني، والعاطفي، والتجاري،..... الخ).
أولاً: الاتصال العلمي:
ومقصود به العلم الشرعي أو الدنيوي، فكثير من الناس بدأ التغيير بعد سماعه باباً من العلم كان يجهله، كحديث أو حكم فقهي، أو فتوى، أو استمع أو قرأ بعض العلوم الدنيوية بما له علاقة بالنفس، وعلوم النجاح، واتخاذ القرار وبعض الأمراض النفسية، وغيرها من أبواب العلوم الدنيوية..
ثانياً: الاتصال الإيماني:
وهو من أكبر العوامل المؤثرة في عملية التغيير، فكثيرون هم الذين انقلبوا رأساً على عقب من الضلال إلى النور، ومن العمى إلى الإبصار، ومن الكسل إلى قمة النشاط، ومن الجهل إلى قمم العلم، بسبب موعظة سمعها، أو آية قرآها، أو مشهد للموت أو القبر أو الاحتضار، وهو المنبع الذي لا ينضب، ولا يزول ، بسبب اتصاله بكتاب الله العزيز، وسنة نبيه {وهذا النوع من الاتصال يجب أن يهتم به أشد الاهتمام التربويون والوعاظ، والدعاة بشكل عام للمساهمة في تغيير أحوال الناس، كما أنه باب واسع لمن أراد التغيير في حياته، ومن رأى في نفسه هبوطاً بعد ارتفاع، وكسلاً بعد نشاط، وجهلاً بعد علم، وفتوراً بعد همة، وجفوة بعد رقة، وذلك عن طريق قراءة القرآن، وما يتصل باليوم الآخر والموت في السنة و الكتب الإيمانية، والاستماع إلى المواعظ الإيمانية، والإكثار من صيام التطوع وزيارة المقابر، وقيام الليل، والإطالة في الدعاء، وكفالة الأيتام، والسعي على الأرامل والمحتاجين، والإكثار من أذكار الصباح والمساء، وعزل نفسه عن الاتصال بما يذهب أثر هذا الاتصال الإيماني مما يقسي القلب، والمعاصي صغيرها وكبيرها.
مواعظ ابن الجوزي:
وكنموذج لتأثير الاتصال الإيماني في عملية التغيير ننتقي هنا من ترجمة الإمام أبي الفرج ابن الجوزي وتأثير مواعظه على الناس:
قال ابن جبير في رحلته (ودخوله بغداد سنة 580 ه) بعد أن ذكر مجلساً له حضره أولاً: \"ثم شاهدنا مجلساً ثانياً له بكرة يوم الخميس بباب بدر في ساحة قصر الخليفة، ومناظره مشرفة عليه، وهذا الموضع المذكور هو من حرم الخليفة قد خص ابن الجوزي بالوصول إليه و التكلم فيه ليسمعه من تلك المناظر الخليفة نفسه ووالدته ومن حضر من الحريم، ثم يفتح الباب للعامة فيدخلون إلى ذلك الموضع، وقد بسط بالحصر، فبكرنا لمشاهدته في هذا المجلس، وقعدنا إلى أن وصل هذا الحبر المتكلم، فصعد المنبر وأزاح طيلسانه عن رأسه متواضعاً لحرمة المكان. وقد تسطر قراء القرآن أمامه على كراسي موضوعة، فابتدروا القراءة على الترتيب، فشوقوا ما شاءوا، وأطربوا ما أرادوا، وبادرت العيون بإرسال الدموع، فلما فرغوا من القراءة وقد أحصينا لهم تسع آيات من سور مختلفات، صدع ابن الجوزي إذ ذاك بخطبته الزهراء، أتى بأوائل الآيات في أثنائها منتظمات، ومشى الخطبة على فقرة آخر آية منها في الترتيب إلى أن أكملها، وكانت الآية الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن الله لذو فضل على الناس(غافر: 61) فتمادى على هذا السين، وحسن أي تحسين، فكان يومه هذا أعجب من أمسه، قال: ثم سلك سبيله في الوعظ، كل ذلك بديهة لا روية، ويصل كلامه في ذلك بالآيات التي قرأها القراء من قبل في المجلس، فأرسلت وابلها العيون، وأبدت النفوس سر شوقها المكنون وتطارح الناس عليه بذنوبهم معترفين، وبالتوبة معلنين، وطاشت الألباب والعقول، وكثر الوله والذهول... والانفعال قد أثر فيه، والمدامع تكاد تمنع خروج الكلام من فيه، إلى أن خاف الإفحام، فابتدر القيام، ونزل عن المنبر عجلاً، (1).
ثالثا: الاتصال العاطفي: (2)
وهو كل ما يتصل بعاطفة الإنسان من الابتسامة والقبلة، والاحتضان، والثناء، والشعر الرقيق، والعبارة العاطفية، والاستماع إلى مشكلات الغير وإبداء التفاعل معها، وحضور الأعراس والمآتم، وزيارة المرضى، وغيرها من الأمور. إننا نشاهد كيف يتغير الأبناء الصغار من كسالى إلى أصحاب همم محبين للدراسة، أو حفظ للقرآن أو غيرها من الخصال الجميلة بسبب ثناء الأب عليهم أو المعلم، أو إعطائهم هدية، أو إبراز اسمهم في لوحة المتفوقين، وكم من عبارات عاطفية، أو أبيات شعر غيرت أفراداً وأحداثاً عظيمة، ولقد قرأنا سيرة البطل خالد ابن الوليد وكيف أن رسالة من النبي {غيرت حياته من الكفر إلى الإيمان، حيث ذكر فيها مديحاً له ولشخصيته، واستغرب لمن يملك مثل عقله أن يغيب عن هذا الأمر، وقرأنا في التاريخ كيف قرر صلاح الدين الأيوبي، أو زاد في إصراره على فتح بيت المقدس بعد أن جاءته قصيدة من أحد الأسرى المسلمين في بيت المقدس يقول فيها على لسان البيت الأقصى مخاطباً بها صلاح الدين:
يا أيها الملك الذي
لمعالم الصلبان نكس
جاءت إليك ظلامة
تسعى من البيت المقدس
كل المساجد طهرت
وأنا على شرفي أنجس
_____________________
الهوامش
(1) المدهش ب-ج ط-دار الجيل.
(2) الرجوع إلى كتاب (الطريق إلى القلوب) عباس السيسي.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد