العملة المزورة .. بين أهل الدعوة!


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

كنا فرحين أشد الفرح ببشارات الصحوة الإسلامية وحق لكل مؤمن أن يفرح بما يفرح منه وله المؤمنون في هذه الحياة الدنيا وفي الآخرة وكنا نجزم بأن شريعة الله - تعالى - سوف تصل في وقت قياسي إلى كل موقع من مواقع القرار في الوطن الإسلامي الكبير، أي من مشرق الشمس إلى مغربها، ولكننا في غمرة الفرح، ولجة السرور بهذه الإنجازات العظيمةº نسينا أو تناسينا، جهلنا أو تجاهلنا أن الصف عريض جداً، وأن ألوان طيف المنخرطين في هذه الصحوة الإسلامية كثيرة جداً، ومتعددة جداً.

 

لقد نسينا أو تناسينا أن من بين عشرات الملايين الذين حملوا هم الدعوة والصحوة صدقاً أو زوراً ورفعوا شعاراتها، وعلقوا لافتاتهاº ملايين الأشخاص ممن لهم حساباتهم الخاصة، وطموحاتهم الشخصية البعيدة عن حقيقة الشعارات، وصدق اللافتات.

 

شتان بين الثرى والثريا:

نسينا أو تناسينا بحسن نية لا تنقصها الغفلة أن كثيرين من هؤلاء الملايين إنما يريدون الدنيا. وصدق الله - تعالى -إذ يقول: {منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة} [آل عمران: 152]، لكن الفارق شاسع جداً بين الرماة الذين خالفوا أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة أحد، ورماة العصر، فالأولون خالفوا أمراً واحداً وكانوا من قبل ومن بعد من خير جيل طلعت عليه الشمس، ولن تطلع على خير منه، وأما الآخرون: تجار الصحوة، والمغامرون، وطلاب الدنيا، من الألف إلى الياء فشتان بين الثرى والثريا.

 

ومع صدق الأولين وإخلاصهم وقد حازوا شرف الصحبة، فقد عاتبهم ربهم ووصفهم بقوله - عز وجل - وتقدس: {منكم من يريد الدنيا}.

 

أما الآن فقد بان الصبح لذي عينين، وانجلى الغبارº فبان الحق ووضح الصواب، فلقد كنا ونحن نكاد نطير من الفرح، نظن أن كل بيضاء شحمة، وأن كل مطوع متطوع، ولكن وهذا والله فضل من الله قُضي الأمر، وتكشفت الحقيقة، فعُرف كل على حقيقته.

 

تمايز الصف:

لقد امتاز وعُرف صاحب المال وكيف كان يتجر بالصحوة والدعوة، جرياً وراء حطام الدنيا ومتاعها الزائل، وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي قال فيما صح عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه وأرضاه -: (ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه).

 

كما عُرف صاحب شهوة الجاه والذكر والسمعة فنال حظه على سلم الدعوة والصحوة ولكنه، وقد حقق ما يرجوه، سقط في قاع الدنيوية المهلكة. وعُرف كذلك صاحب الفكر المغاير للفكر الشرعي الصحيح القائم على الكتاب والسنة، فكانت هجرته إلى ما هاجر إليه.

 

 

 

وعُرف صاحب الجدل للجدل، وكذا المتقلب الذي تراه يوماً هنا ويوماً هنالك، وكذا الوصولي الذي يتسلق المواقف الآنية لبلوغ غاياته القريبة، فهو ليس مثل ذلك الذي جعل الانتماء لصف الدعوة سلماً لبلوغ أهدافه (الإستراتيجية)!

 

وإذا كنا قد عرفنا في السنوات الأخيرة، ما لم نعرفه خلال أكثر من عشرين سنة من عمر الدعوة والصحوة من أمر الكثيرين من المنخرطين في مسيرة الدعوة والعمل الإسلامي السلمي، فإن ظهور تيار الكتاب الليبراليين الذين كانوا يوماً محسوبين ضمن الصف الكتابي والفكري الإسلامي، كان متوقعاً في ظل سلسلة الانكشافات التي أؤكد أن الدعوة الإسلامية قد كسبت الكثير والكثير من حدوثها، لا بمقاييس العدد والكثرة، فذلك ما أوهن مسيرة الدعوة، ولكن بمقاييس الإخلاص لهذه الدعوة، والصدق مع غايتها، وهو وجه الله جل جلاله.

 

انكشاف حقيقة الليبراليين:

إن من أبرز سمات هذا التيار المسمى بالليبرالي الذي ادَّعى يوماً انتماءه إلى مسيرة الدعوة إلى الله، وظهرت حقيقته:

1- انخراطه في صف الكتاب والمثقفين العلمانيين الذين لم يدعوا يوما أنهم من الدعاة أو من مثقفي الدعوة، بل كانوا ومنذ البداية على مفترق طرق مع الدعوة وأهلها، هذا الانخراط الذي تمثل في الهجوم على الدعوة ورموزها وآلياتها البيانية، بل والهجوم على أسس ثابتة من أسس الشريعة، وهو ما تواتر ذكره بين الناس، وبطبيعة الحال فكل واحد منهم يدعي أنه إنما يهاجم الدعوة ممثلة في رموزها وغاياتها وآليات عملها لمصلحتها ولتصحيح مسارها، وهو حينما يمتدح المنهاج الديمقراطي وهو منهاج أرى أنه لا يلتقي مطلقاً والشريعة الإسلامية لأن الديمقراطية منهج حكم متكامل أهم أسسه أن مرجع الحكم إلى الناس وليس إلى الله وهؤلاء يعلمون أن الديمقراطية يقابلها مصطلح الثيقراطية، وهو الحكم الديني المرفوض من قبل الديموقراطية العلمانية في أسها وفصها وحين يمتدح أهل هذا التيار الديمقراطية والعلمانية، فهم حين يفعلون ذلك يقولون إنما ذلك لمصلحة الدعوة، و\"عش رجباً تر عجباً\".

 

2- ندمهم على ماضيهم وهو ماض مغشوش طبعاً إذ كانوا محسوبين على تيار الدعوة وأهلها، وقد ظهر ذلك في كتاباتهم.

 

3- لقد كان لظهور تيار صحفي في السنوات الأخيرة أثره الكبير في ظهور حقيقة هؤلاء، وربما أسهم في إسقاط بقية قناعاتهم المؤسسة سلفاً نزولاً عند إغراءات هذا التيار الصحفي الذي ضمن لهم الشهرة الواسعة التي لم يكونوا يحلمون بها، وللعلم فقبل ظهور هذا التيار لم أقرأ لهؤلاء شيئاً، ولم يكن لهم أي حضور في منظومتنا البيانية الكتابية، فلما وجدوا ضالتهم أقبلوا عليه وشربوا منه شرب الهيم، وهكذا يكون للشهرة ضحاياها وللسمعة صرعاها، وفي هذا دلالة على هشاشة ثقافة هؤلاء وسطحية رؤيتهم، فليس من السهل أبداً على من أسس بنيانه على تقوى من الله أن يتخلى عن قناعاته بهذه السهولة.

 

4- لقد برز القوم في لحن القول من خلال كتاباتهم التي انساقوا فيها وراء الاتهامات التي وُجهت إلى التعليم في الوطن الإسلامي، ولا يشك عاقل في أن اختيار هذا الوقت بالذات لإثارة مسألة تغيير المقررات الدراسية، بل والمناهج الدراسية يعد تماهياً وتمازجاً مع أهداف وسائل الإعلام والمسؤولين الغربيين، الذين يرون في كل ما هو إسلامي عدواً للغرب.

 

وإذا كنا نعذر الغرب الصليبي في رؤيته للمناهج والمقررات في الوطن الإسلامي، فإننا لا نجد عذراً أبداً لكاتب يدعي الانتماء لصف الدعوة، إلا أن يكون مغفلاً، وذلك ما نستبعده إذا أخذنا في اعتبارنا تلك الدعاوى العريضة، والتظاهرات الكلامية الاستعراضية الضخمة التي تدعيها هذه الفئة لنفسها، وتنكره على غيرها، وتدعي الفهم العميق لمصلحة الدعوة ولما يصلحها ويصلح لها، وتنفيه عمن سواها أو يكون هذا التماهي مع الهجمة على التعليم الشرعي ممن كان يتحين الفرص لإظهار خبيئته، ويعلنها صريحة:نعم للمشروع الغربي الليبرالي، وهنا نقول لقد كان الغرب في حاجة إليكم انطلاقاً من مبدأ: \"اضربوهم بأيديهم\"، أو: \"بيدي لا بيد عمرو\"!.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply