الدعوات والفتن


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 من سنة الله أن يحصل الابتلاء للمؤمنين أفراداً وجماعات:{أَم حَسِبتُم أَن تَدخُلُوا الـجَنَّةَ وَلَـمَّا يَأتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوا مِن قَبلِكُم مَّسَّتهُمُ البَأسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصرُ اللَّهِ} [البقرة: 214].

 

لكن هذه الفتن بوجهها الآخر مبشراتº فإنه لا تحدث فتنة إلا كان بعدها فَرَج، وحصل لأهلها من الخير الكثير، وإن شدة ظلام الليل دليل على قرب صبحه.

 

وينبغي على الدعاة والمصلحين أن يوقنوا بأن الخير فيما يقدره اللهº فكم غَدَر أعداء هذا الدين وكادوا ضده، وكاد ربنا بكيدهº فكان ما قدره الله وكان فيه الخير للدعوة وأهلها.

 

قتل فرعون كل مواليد بني إسرائيل فزعاً وخوفاً من طفل قال الكهان إن على يديه يزول مُلك فرعون، وكاد ربنا، فقدّر أن يكون فرعون هو الذي يعتني بموسى - عليه السلام - ويرعاه في عقر داره رعاية أبناء الملوك {لِيَكُونَ لَهُم عَدُوًّا} [القصص: 8].

وحسد إخوة يوسف أخاهم - عليه السلام - فكادوا ودبّروا {وَأَلقُوهُ فِي غَيَابَةِ الـجُبِّ} [يوسف: 10]، فجعل الله في ذلك خيراً كثيراً، فأخرجه الله سيداً لمصر وأميناً على خزائن الأرض {وَرَفَعَ أَبَوَيهِ عَلَى العَرشِ وَخَرٌّوا لَهُ سُجَّدًا} [يوسف: 100].

 

واجتمعت قريش وغطفان ويهود في الأحزاب ضد نبي الله محمد - صلى الله عليه وسلم - وقلة المؤمنين معه، فكادوا ودبروا لاستئصال شأفة المؤمنين حتــى بلغـت قلـوب المؤمنين الحناجـر، وأرجــف المنافقــون في المدينة، فجاءت {وَكَانَ حَقًّا عَلَينَا نَصرُ الـمُؤمِنِينَ} [الــروم: 47]، فدبر ربنا - سبحانه - وقدّر، وارتحل الأعداء منهزمين، فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم -: «الآن نغزوهم ولا يغزونا».

 

وهكذا تجري الأقدار ولا يعرف الناس في أيٍّ, الخير، فلربما شُدّد على الدعوات، ومُلئت السجون بالدعاة، وأُلجم الناصحون فكان في ذلك كل الخير، فزاد عدد المنتمين للدعوة، وكثر أنصارها وقد ظن ضعفاء النفوس أن لن تقوم لها قائمة، وإنما يحصل هذا {لِيَقضِيَ اللَّهُ أَمرًا كَانَ مَفعُولاً} [الأنفال: 44]، وإنما الخير فيما يقدره الله {فَعَسَى أَن تَكرَهُوا شَيئًا وَيَجعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيرًا كَثِيرًا} [النساء: 19].

 

والذي يجب بعد هذا هو أن نعلم أن البلاء والرخاء جولات ينبغي أن تجعلنا حريصين على إعداد العدة وقت الشدةº لتنطلق الدعوة في أوقات السعة والرخاء وتتقدم، وأن نأخذ من السنوات السمان للسنوات العجاف، ونوقن أن الله يأبى {إلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَو كَرِهَ الكَافِرُونَ} [التوبة: 32].

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply