بسم الله الرحمن الرحيم
كانت ولادة \"العمل الإسلامي\" ضرورة حتّمتها أوضاع المسلمين والبلدان الإسلامية في حقبة تاريخية معيّنة، وظهرت في هذه الأثناء أوضاع جديدة، ومعطيات جديدة، وظروف محلية ودولية جديدة، بما يشمل مختلف الميادين والأساليب والوسائل، وهو ما يستدعي السؤال عن \"العمل الإسلامي\" بصورته التقليدية، وعمّا تطوّر من ذلك مواكبا المتغيّرات أو لم يتغيّر، وعمّا ينبغي توفيره لتحقّق \"وسيلة\" العمل الإسلامي \"الهدف\" المطلوب تحقيقه منها.
* النشأة الأولى للعمل الإسلامي:
في الأصل ليست الدعوة إلى الإسلام وإلى تطبيقه في مختلف ميادين الحياة والحكم مهمّة خاصة بفرد دون آخر أو جماعة دون جماعة، وكلّ خطاب في النصوص الإسلامية للدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، خطاب تعميمي شامل لسائر المسلمين، ومسؤولية فردية، للنهوض بها كلّ على حسب طاقته وموقعه وظروفه الخاصة، ذكرا كان أو أنثى، كبيرا أو صغيرا، عالما أو متعلّما، حاكما أو محكوما.
هذه الصورة قابلة للتطبيق بصورة اعتيادية عند وجود المجتمع الإسلامي الشامل للحياة والحكم، لشعب أو أمّة، فيها المسلمون وسواهم، ولكلّ حقوقه المصانة، ولحكومة قائمة على أساس سليم يعبّر عن إرادة الغالبية الكبرى للشعب أو الأمة، ففي هذه الحالة تكون لكل فرد أو فئة تلقائيا مهمّة تتكامل مع سواها في اتجاه واحد. ولكنّ هذه الصورة غابت أو غُيّبت تدريجيا، على مستوى الحكم فانتهى الأمر إلى إسقاط آخر أشكال الخلافة ممثلة في الدولة العثمانية بعد \"مرض عضال\" طويل ودون التعويض عن ذلك بحكومات ملتزمة بالإسلام تشريعا ونهجا وفكرا وتطبيقا، كما غُيبت الصورة المذكورة إلى حدّ لا بأس به على مستوى الأمة، على مستوى الشعوب، بما انتشر من تخلّف على الأصعدة العلمية والفكرية وسواها، وما بدأ يتغلغل على صعيد تمييع منظومة القيم التي تعتبر العمود الفقري لأي مجتمع من المجتمعات.
لهذا أصبحت ولادة \"العمل الإسلامي\" في حينها على شكل جماعات وتنظيمات متعدّدة ضرورة تاريخية وحضارية وعقدية وواقعية، فعموم البلوى إذا صحّ التعبير- هو الحاضنة الطبيعية وفق سنن التغيير الاجتماعي، لظهور أفراد أو فئات يعملون متعاونين تنظيما- لإصلاح أنفسهم وإصلاح من حولهم، تربية ودعوة وعملا، لاستعادة عافية المجتمع ككلّ.
والمفروض أنّ مسألة مبرّرات نشأة العمل الإسلامي لا تحتاج إلى بيان، إنّما يقتضي التنويهَ إليها انتشار الاتهام الحديث والجائر بصدد أن وجود تنظيمات إسلامية لا سيما في صيغة أحزاب سياسية- يعني ضمنا إقصاء من هو خارج التنظيم عن الدائرة الإسلامية المشتركة، وهو اتهام واهٍ, باهت، يُتخذ ذريعة لتبرير عمليات الحصار والحظر ضدّ بعض التنظيمات الإسلامية. والواقع أنّ تشكيلها في تلك الحقبة التاريخية بالذات لم يكن أمرا مبتدعا تحت عنوان \"العمل الإسلامي\" على وجه التخصيص، بل سلك هذا الطريق آخرون في الحقبة نفسها، فمضى كلّ أصحاب اتجاه أو فكر بالعمل على تشكيل روابط وجمعيات وأحزاب، وإلى ممارسة نشاطات وفعّاليات لنشر ما يرون والدعوة إليه وتوفير الوسائل الممكنة للوصول به إلى مختلف ميادين الحياة والحكم.
* معالم العمل الإسلامي في الحقبة الماضية:
طوال القرن الميلادي العشرين أو إلى فترة قريبة من نهايته، كان الفكر الآخر بمنطلقاته العقدية والسياسية والاجتماعية مسيطرا على الساحة، على الحكم بقوّة الاستبداد، وعلى المستوى الشعبي أيضا بوسائل معظمها وليس جميعها- مرفوض، إذ تضمّنت احتكار مراكز التوجيه بحماية السلطة، واستئصال الآخر أو حصاره وملاحقته والبطش به، والآخر هنا هو \"الاتجاه الإسلامي\" في الدرجة الأولى، وفروع تلك الاتجاهات نفسها في كثير من الأحيان، نتيجة الصراعات الحزبية وغيرها.
كان لتلك الفترة إذن معطياتها الخاصة بها، وكان من الطبيعي أن يتخذ العمل الإسلامي في ظلّها صيغة تتلاءم معها، وكان من ذلك:
1- مواجهة الفكر بالفكر فيما اتخذ صورة معارك ثقافية وأدبية عديدة بين التيارين الرئيسيين، الإسلامي والعلماني، بينما كان توفير التكافؤ في الفرص على هذا الصعيد، ولا سيّما عبر وسائل الإعلام والمعاهد الفكرية، شبه مستحيل تحت تأثير السيطرة العلمانية على وسائل السلطة الاستبدادية وبالتالي على سائر ما أخضعته لنفسها.. إلاّ القليل النادر.
2- التركيز على العنوان التنظيمي، وهو ما كان يفرضه الإحساس بضرورة التميّز من جهة عن اتجاهات الآخر وتنظيماته، ومن جهة أخرى عن توظيف هياكل مصطنعة بعناوين إسلامية، لم تكن خارج نطاق تلك الاتجاهات واقعيا.
3- المعركة التربيوية، فما بات عسيرا أو مقيّدا عن طريق الأجهزة الرسمية للتربية والتعليم والتوعية، أصبح ضروريا التعويض عنه عن طريق الخلايا والمجموعات الكبيرة والصغيرة التي يكوّنها العمل الإسلامي، والندوات واللقاءات العامّة، التي يقيمها وسط أصعب الظروف المعيقة.
4- الخطاب الحماسي العاطفي، فقد كان من الضروري \"احياء الوجدان\" الصادر عن العقيدة، وكان تجديد الارتباط بالعقيدة في القلوب هو المدخل لمواجهة ما سيطر من خطاب حماسي عاطفي أيضا في نطاق الاتجاهات الأخرى، بغرض توجيه الشعوب للقبول بما تطرحه من شعارات متعدّدة المشارب لنشر منظومة قيم مغايرة لمنظومة القيم الإسلامية، أو معادية لها أحيانا.
5- الانضباط التنظيمي، وكان من ذلك ما فرضته ضغوط الحصار والملاحقة من جانب التيارات المسيطرة على أجهزة الحكم، ومنه ما نشأ نتيجة تعدّد الصيغ التفصيلية في الجماعات الإسلامية، وبالتالي حرص كل منها على عدم الخلط فيما بينها، وذلك على حسب تصوّرات مؤسسيها والقائمين عليها.
6- مواجهة الغرب والتغريب، بشقيه الرأسمالي والشيوعي، إذ رأت التنظيمات الإسلامية رفض معظم أطروحاته ضروريا للتميّز عن تنظيمات التيارات الأخرى، داخل السلطة وخارجها، والتي كانت ترتبط بالغرب والشرق قيما وفكرا على الأقل، وتنظيما وتعاونا في كثير من الأحوال، بل وكان بعضها يتحرك على هذا النهج وهو يعمل على \"تبرئة\" نفسه بتوجيه تلك \"التهمة\" إلى التنظيمات الإسلامية وافتراء عليها.
* معطيات جديدة في المرحلة الراهنة
معظم هذه المعطيات والظروف تبدّل في هذه الأثناء تبدّلا جذريا، ونجد بين أيدينا الآن على وجه الإجمال:
1- تيّارا شعبيا كبيرا انتشر فيه ما يوصف بالصحوة الإسلامية حينا، و\"ظاهرة التديّن\" حينا آخر، فلم يعد هذا التيّار العريض في حاجة إلى \"جرعة الحماس\" على صعيد العقيدة والقيم، قدر ما يحتاج إلى المبادرات العملية والقيادات الميدانية التي تمكّنه من ترجمة حماسه إلى عمل واقعي واضح الأهداف والمخططات، بوسائل مناسبة على مستوى تجاوز العقبات الكبيرة القائمة في طريقه.
2- لم تعد الدعوة إلى الإسلام حياة وحكما مقتصرة على فئات أوجدت لنفسها تنظيمات إسلامية، بل أصبحت شاملة إلى جانب تلك التنظيمات لأفراد دعاة مستقلّين بأنفسهم، وعلماء لهم مناصب رسمية وشبه رسمية، ومفكّرين يطرحون ما لديهم ولا يقلّ شأنهم عن شأن مفكّرين ينتمون إلى تنظيمات بعينها أو هم محسوبون عليها، بالإضافة إلى وصول هذه الدعوة بدرجات متفاوتة إلى كثير من وسائل الإعلام.
3- لم تعد التيارات العلمانية على اختلاف عناوينها في مرحلة \"هجوم\" تنشر ما لديها بأساليب ووسائل مقبولة وغير مقبولة، بل أصبحت فعاليتها الرئيسية محصورة في فئة أصولية محدودة، ولكنّها مسيطرة بالوراثة- على مراكز صنع القرار، ومعزولة شعبيا نتيجة انتشار الفساد والانهيار على نطاق واسع في الحقبة السابقة، وأقصى ما تحاوله فكريا هو محاولة إحياء القديم المندثر من أفكار أسلافها وتصوّراتهم من النصف الأول للقرن الميلادي العشرين، بينما أصبح قطاع كبير من العلمانيين بمختلف اتجاهاتهم، أقرب إلى استشعار الأخطار الخارجية والمسؤولية الذاتية، وهو ما ينعكس في محاولات إيجاد أرضية مشتركة مع التيار الإسلامي المسيطر على \"الشارع الشعبي\"، كما يقال تهوينا من شأن انتشاره على مختلف المستويات الشعبية، بدءا من أساتذة الجامعات، مرورا بربّات البيوت، وانتهاء بالتنظيمات النقابية والطلابية وغيرها.
4- لم تعد مضامين الدعوة المطلوبة نفسها كما كانت، فليس المطلوب مثلا- إثبات ما سبق إثباته بشأن شمول الإسلام لسائر الميادين بما فيها الجانب السياسي، ولا المطلوب دفع الشبهات القديمة التي أثارها المستشرقون والعلمانيون وغيرهم، والمفروض عدم استدراج العمل الإسلامي إلى الأسلوب الدفاعي في التعامل مع ما ظهر من اتهامات جديدة نسبيا، يسعى الأصوليون العلمانيون لتعميمها على الإسلاميين عموما، كما يجري تحت عناوين العنف والإرهاب، والانشغال بهذا الأسلوب عن التحرّك الإيجابي الذي يثبت عمليا خواءها كسابقاتها.
5- تطوّرت طبيعة المعركة الدائرة قطريا وإقليميا وبصورة شاملة لمعظم البلدان العربية والإسلامية، فلم تعد معركة تيار داخلي يواجه حكومات استبدادية، مرتبطة بقوى غربية أو شرقية، بل انتقلت ساحة المعركة عبر \"ثغرة فلسطين\" والآن \"ثغرة العراق\" إلى قلب المنطقة العربية، بالإضافة إلى ساحاتها الإسلامية الأخرى في أفغانستان وكشمير والشيشان وسواها، وبات المطلوب غربيا هو \"ذوبان\" الأنظمة الحاكمة نفسها كليّا في بوتقة الهيمنة الأجنبية العدوانية، وليس مجرّد \"تبعيتها\" اقتصاديا وأمنيا وسياسيا وفكريا.. وهذا من بين ما يجري التعبير عنه عادة بأنّ الأخطار تشمل الجميع، وتستهدف الجميع، داخل البلدان العربية والإسلامية.
6- اختلفت الوسائل المتوفّرة أو المطلوب توفيرها لأي تحرّك إسلامي أو غير إسلامي، فثورات الاتصال الأكتروني والشبكة والفضائيات وغيرها، تفرض على الجيل الجديد ما لم يكن معروفا قبل جيل أو جيلين.
7- لم يعد يمكن التعامل مع أي جانب من الجوانب أو جبهة من الجبهات بمعزل عن سواه أو سواها، فما يجري على صعيد العلم والجهل، يؤثّر على قضية التخلّف والتقدّم، وما يجري على صعيد قضية فلسطين، لا ينفصل عن الهجوم على ما تبقى من أسباب التربية القويمة في مناهج التربية والتعليم، وما يقع في العراق، يترك أثره على الصحراء الغربية أو إندونيسيا، وما يجري لتجريد سائر المسلمين من أسلحة رادعة، يؤثّر تأثيرا مباشرا على وجودهم أفرادا وتنظيمات ومجتمعات ودولا في وقت واحد.
* التحدي الكبير والتطوّر المحدود:
إنّ \"العمل الإسلامي\" يواجه بذلك تحديا أكبر من سائر ما واجهه منذ نشأته الأولى قبل عشرات السنين، ممّا لا يترك آثاره على وجوده الحركي والتنظيمي فقط، بل يؤثّر النجاح في حمل تبعاته أو الإخفاق دون ذلك، على أوضاع الجيل الحاضر والأجيال القادمة عموما، وعلى مختلف ميادين الحياة والحكم، ولا مبالغة في القول أيضا، إنّ ذلك يترك أثره تلقائيا أيضا على المسيرة الحضارية البشرية المشتركة لفترة زمنية طويلة.
من المستحيل مواجهة متطلبّات اليوم بوسائل الأمس وأساليبه، والتعامل مع الأوضاع والمعطيات الجديدة دون صيغة جديدة للعمل الإسلامي نفسه، ولا يعني ذلك أنّ التنظيمات القائمة بقيت \"جامدة\" تجاه التطورات الجارية، ولكن لا بدّ من الإقرار أوّلا بأن سرعة تطوّرها الذاتي بقيت أبطأ بمراحل من سرعة تلك التطوّرات وقد بات ما يجري خلال أعوام معدودة يعادل ما كان يجري خلال جيل أو جيلين من قبل.
نرصد تحرّكا فكريا واضحا للعيان من خلال أطروحات لم تكن مطروحة من قبل، من عناوينها على سبيل المثال مسائل المرأة والمواطنة والديمقراطية وفقه التيسير وغيرها..
ونرصد تحرّكا تنظيميا أيضا من عناوينه ساحة النقابات، وروابط المجتمع المدني، ومنظمات حقوق الإنسان، والحوار الإسلامي-القومي، والانخراط في بعض تجارب التعدّدية وغير ذلك..
ونرصد تحرّكا على صعيد الوسائل يظهر على سبيل المثال في استخدام الشبكة العالمية على نطاق واسع يتنامى بوضوح، والظهور فيما يتوفّر من وسائل إعلام بغض النظر عن اتجاهاتها، وهنا لا يمكن لنا من المنطلق الإسلامي أن نعتبر ظهورَ جماعات متطرّفة تلجأ إلى العنف دون ضوابط تحت عناوين إسلامية، هو من قبيل تطوير وسائل العمل الإسلامي، إنّما هو نتيجة مباشرة للكبت الاستبدادي والعنف على حساب الشعوب عامّة، جنبا إلى جنب مع أساليب الحصار والملاحقة تجاه التنظيمات الإسلامية التي لا تتبنّى العنف الفوضوي وسيلة أو أسلوبا للتغيير.
رغم هذه التطوّرات الذاتية في العمل الإسلامي الوسطي المنتشر في البلدان العربية والإسلامية، يبقى السؤال على ضوء الواقع الراهن، فيما إذا كان التحرّك المشار إليه جزئيا، وبصورة متفرّقة، في أقطار دون أخرى، وفي ميادين دون سواها، كافيا، أم أنه ما زال عشوائيا نتيجة غلبة \"ردود الفعل\" على المعطيات الجديدة والمتغيرات فلم يصدر عن المبادرة الذاتية والتخطيط البعيد المدى، وهو بذلك قاصر على النهوض بتبعات التحدّي الكبير.. الذي يتطلّب تطوّرا كبيرا وشاملا.
إنّ التطوير المطلوب يحتاج إلى نقلة نوعية قائمة على دراسة للتجارب الذاتية وتجارب الآخرين، وتوظيف النتائج من وراء مختلف الأنانيات الضيّقة، والرواسب القديمة، والأشكال التقليدية الباقية، للوصول إلى إنجازات واقعية مرئية تتناسب ومتطلّبات المرحلة الراهنة على كلّ صعيد، وتوجد الشروط المبدئية للمتابعة المتواصلة لعملية التطوير في المراحل القادمة.
ولا يصحّ أن يقف التفكير بالتطوير عند حدود تنظيمية، أو فكرية، أو ولاءات شخصية، أو ارتباطات قيادية، فجميع ذلك مثل العمل الإسلامي نفسه.. وسيلة لتحقيق الغاية البعيدة، والثوابت هي ما تحدّده الغاية البعيدة، وجميع ما دونها هو من الوسائل التي يجب تطويرها بقدر ما يتطلّبه تحقيق تلك الغاية البعيدة.
* بعض جوانب تطوير الأهداف المرحلية:
في مقدّمة ما ينبغي أن تشمله عملية التطوير ما يرتبط بالأهداف المرحلية في إطار الغاية البعيدة الثابتة، وهي إقامة الحياة الإسلامية والحكم الإسلامي عبر الإرادة الشعبية، ووفق منظومة القيم الإسلامية العقدية والتاريخية الحضارية والمعطيات المشتركة مع الآخرين في الدائرة الجغرافية للبلدان الإسلامية أولا، وعلى مستوى الجوانب القويمة المشتركة للأسرة البشرية ثانيا.
ومن جوانب التطوير المقترحة للأهداف المرحلية على سبيل المثال دون الحصر:
1- تحديد الأولويات بما يوجد أرضية مشتركة بين تنظيمات العمل الإسلامي عموما، ويفتح المجال أمام أرضية مشتركة بينها وبين سائر المعتدلين من التيارات الأخرى، ومثال ذلك ترسيخ ما بات يوصف بثقافة الصمود والمقاومة، والتخلّص من سائر أشكال الهيمنة العدوانية الخارجية والتبعية الأجنبية الداخلية.
2- تأكيد الأطروحات الإسلامية في قضايا الساعة على صعيد التعدّدية، والمرأة، والمواطنة، والنظام الشوري أو الديمقراطي على مرجعية القيم الذاتية، وغيرها من الميادين الأساسية، وتثبيت ذلك في مواثيق العمل الإسلامي، ووضع الخطط الواضحة لبلوغه، وتحديد مواضع الالتقاء مع أصحاب الاتجاهات الأخرى، وفق قاعدة الاحتكام النزيه بآلية مضمونة التطبيق والنتائج، لإرادة الشعوب.
3- اعتبار العمل الجماعي على مستوى الأمّة هو الأصل دون العمل القطري، ليس على أساس وجود التنظيم نفسه في سائر الأقطار الإسلامية، أو إيجاد تنظيم موحّد بالضرورة، وإنّما على أساس التكامل والتعاون في مختلف الميادين، والحيلولة دون تكرار الانفراد بجهة دون أخرى، أو تنظيم دون تنظيم، وبما يشمل من يعملون خارج نطاق التنظيمات من منطلق إسلامي، وكذلك ما يعزّز التنسيق والتعاون مع أصحاب الاتجاهات الأخرى من المعتدلين الذين يتحرّكون على أرضية مشتركة مع الاتجاه الإسلامي.
4- إعطاء الأولوية في نشاطات العمل الإسلامي وفعّالياته لميادين البناء والتطوير، على مختلف الأصعدة العلمية والبحثية والفكرية والفنية والرياضة والاجتماعية والسياسية، فصناعة \"الإنسان\" في البلدان الإسلامية هي الأساس لصناعةِ المجتمع، وبناءُ المجتمع هو الأرضية التي تتحقق عليها صناعة الإنسان، وبناءُ المرافق المعيشية في مختلف الميادين هو الطريق للتقدّم والتحرّر والوحدة، بغض النظر عن صنع ذلك من خلال السلطة أو خارج نطاقها.
5- ترسيخ هدف مكافحة الاستبداد المحلي والدولي بمختلف أشكاله وميادينه، كهدف إسلامي ثابت، وهدف مشترك مع كل من يحرص على العمل لصالح الإنسان، وحقوقه وكرامته وحرياته، بغض النظر عن انتمائه وموطنه وموقعه ومكانته، والتواصل من خلال ذلك مع كلّ من يتلاقى على أرضية إنسانية مشتركة، من داخل الحدود وخارجها.
* بعض جوانب التطوير التنظيمي:
ومن متطلبّات المرحلة ومتطلبات الوصول إلى هذه الأهداف تحقيق تطوير ملموس على المستوى التنظيمي، على مستويات عديدة، منها على سبيل المثال دون الحصر:
1- حصر الجوانب التنظيمية فيما لا يمكن الاستغناء عنه للحفاظ على عنوان التنظيم وهويته، فلم يعد الجانب المطلوب هو التميّز في مرحلة انتشار الظاهرة الإسلامية شعبيا، بل المطلوب الاندماج في هذه الظاهرة والعمل المتواصل من خلالها، كما لم يعد المطلوب التميز أكثر ممّا ينبغي عن أصحاب الاتجاهات الأخرى في مرحلة بات الجميع فيها مستهدفا لأخطار خارجية كبرى، قدر ما أصبح المطلوب هو التلاقي على كلّ ما يساعد على درء تلك الأخطار.
2- مضاعفة التواصل مع سائر من يشارك في التطلّع إلى تحقيق الأهداف المرحلية، وإن ساد الخلاف في التفاصيل، لا سيّما على صعيد العلماء والدعاة والمفكرين والإعلاميين والمثقفين وغيرهم من فعاليات المجتمع، ممّن لا يضعون أنفسهم تحت عنوان تنظيم من التنظيمات.
3- التركيز على دعم جيل الشبيبة داخل نطاق التنظيم وخارجه، وعلى انتقال القيادات انتقالا طبيعيا إليه، فليس المطلوب هو الحفاظ على أيّ تنظيم من خلال \"الوجوه المعروفة\" فيه عبر عقود ماضية، وإنّما المطلوب الحفاظ على الغاية البعيدة والمسيرة الإسلامية لتحقيقها، جيلا بعد جيل، وقيادة بعد قيادة، ولا يتحقق ذلك دون تسليم زمام الأمور التنظيمية إلى جيل الغد، وعدم التهويل من شأن الأخطاء التي يمكن أن تقع، فالخطأ الأكبر هو الخوف منها إلى درجة الإحجام عن التغيير والتطوير بما يتلاءم مع متطلبات المرحلة التالية.
4- تعدّد الوسائل التنظيمية بغض النظر عن ارتباط كل منها بجماعة معينة، فليس من الضروري إسلاميا ولا المفيد واقعيا، أن يكون لكلّ جماعة تنظيمات ومؤسسات تعمل تحت عنوانها، في الميادين الأدبية والعلمية والمهنية والنقابية والحزبية والسياسية وغيرها في وقت واحد، إنّما المهمّ والضروري هو أن يكون العمل الإسلامي موجودا بمجموعه وبما يتجاوز الانتماء التنظيمي الضيّق، في مختلف الميادين والمجالات وجودا فاعلا مؤثرا، لتحقيق \"الأهداف الإسلامية\".. ومن الخطأ القول هنا: لتحقيق \"أهداف التنظيم\"، وإن تطابق هذا وذاك، فالأهداف الإسلامية هي الأصل أولا وأخيرا، وجميع التنظيمات وسائل فحسب.
* خاتمة:
إنّ حركة التطوّر لا تقف في أي مرحلة زمنية، وإنّ سرعة مجرى الأحداث والتطوّرات في العالم المعاصر لا تسمح بأن تكون عملية تطوير العمل الإسلامي خاضعة للأسلوب التقليدي القديم، أن تتكوّن من أجزاء منفصلة عن بعضها بعضا، بدءا بالعمل فترة من الزمن، فدراسة النتائج وتقويمها، فوضع مخطط جديد للتطوير، ثمّ تنفيذه في مرحلة زمنية تالية، لتتكرّر هذه الدورة مجدّدا. بل لا بدّ لمواكبة سرعة العالم والعصر، وتعويض الكثير ممّأ فات سابقا، من أن تكون عملية التطوير دائمة متجدّدة متداخلة في بعضها بعضا، مواكبة لعمل لا ينقطع، فلا يتوقف التقويم بانتظار التنفيذ، ولا التخطيط بانتظار التقويم، بل يبدأ كل من ذلك أثناء تحقيق الجانب الآخر، وهذا ما يسري في مختلف المجالات، ومن المفروض أن يسري على العمل الإسلامي بالذات، الذي يُنتظر منه أن يحمل على عاتقه أعباء كبرى، وأن يواجه تحدّيات حالية ومتجدّدة باستمرار، على مختلف الأصعدة، المحلية والدولية، وفي مختلف ميادين الحياة.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد