حسن الخلق مفتاح القلوب


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

من الجاهلية إلى الإسلام في ثلاثة أيام

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - (بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيلاً قِـبَل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثُمامَةُ بن أُثال سيد أهل اليمامة، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: \" ماذا عندك يا ثمامة؟ \" فقال: \" عندي يا محمد خير، إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تُنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فَسَل تُعط منه ما شئت \"، فتركه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى كان بعد الغد، فقال: \" ما عندك يا ثمامة؟ \" قال: \" ما قلت لك: إن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت \".

 

 فتركه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى كان من الغد، فقال: \" ما عندك يا ثمامة؟ \"، فقال: \" عندي ما قلت لك: إن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت \"، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \" أطلقوا ثمامة \"، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد، فقال: \" أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، يا محمد! والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إليّ، والله ما كان من دين أبغض إليّ من دينك، فأصبح دينك أحب الدين كله إليّ، والله ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إليّ، وإن خيلك أخذتني، وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟ \".

 

 فبشّره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة، قال له قائل: \" أصبوتَ؟ \" فقال: \" لا، ولكني أسلمت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - \" رواه البخاري ومسلم، واللفظ له، زاد ابن هشام: \" أنه انصرف إلى بلاده، ومنع الحمل إلى مكة، حتى جهدت قريش، وكتبوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى ثمامة يخلى إليهم حمل الطعام، ففعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -).

 

[تقتل ذا دم معناه: صاحب دم، لدمه موقع لرياسته وفضله].

 

فتأمل يا أخي كيف كانت ثلاثة أيام من مشاهدة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام في المسجد كافية في إحداث هذا التحول العظيم من شدة العداوة والبغضاء إلى شدة المحبة والموالاة، ولا شك أن الحياة في مجتمع مسلم، والاقتراب من السلوك الإسلامي لابد وأن يكون له مثل هذا الأثر، وربما كان له أثر أكبر من مجرد الكلمة والبيان، فعلى الدعاة إلى الله أن يعلموا هذا الأثر، ويستثمروه في دعوتهم إلى الله - تعالى -، ويظهر من الحديث كيف أن الإنسان عدو ما يجهل، فإذا علمه قبله، وأحبه والتزم به.

 

 فهذا ثمامة بن أثال - رضي الله عنه -، كان مبغضاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولدينه ولبلده بسبب ما يسمع عنه من المنفرات، والأباطيل، والتهم الكاذبة، وهكذا الكثير من الكفار، يبغضون الإسلام وأهله لمثل ذلك، ولن نستطيع أن نغير ذلك فيهم إلا بتقديم الصورة المشرقة للإسلام من خلال معاملتنا معهم، وانظر كيف طالت رحمةُ الله هذا الرجل رغماً عنه، فقد كان أسره سبباً في إسلامه ونجاته في الدنيا والآخرة، ففيه شاهد للحديث الصحيح (أنتم خير الناس للناس تدخلونهم الجنة في السلاسل) فقد يكون الأسر والهزيمة التي تلحق بالكفار سبباً لفوزهم بالجنة لأنهم إذا شاهدوا الإسلام لم يُـمسوا إلا والإسلام أحبُ إليهم من أنفسهم، وأهليهم، والناس أجمعين، وهذه الإنسانية الضالة المعذبة لن يصل أكثرها إلى الحق إلا بظهوره وغلبته وانتصاره.

 

 فإنما يدخلون في دين الله أفواجاً إذا جاء نصر الله والفتح، فالعمل من أجل نصرة الإسلام رحمة بالبشرية عامة، ومراعاة لحقوقها، وحفظ لكرامتها، لا كما يزعم الملحدون أن ذلك يكون من خلال الحرية الفوضوية المزعومة التي هي في حقيقتها عبودية للشيطان والهوى.

 

وتأمل كذلك أثر حُـسن المعاملة في جواب ثمامة فإنه في اليوم الأول بدأ بقوله: \" إن تقتل تقتل ذا دم \" وفي اليوم الثاني بدأ بقول: \" إن تنعم تنعم على شاكر \" فكأنه لما رأى حسن خلقه - صلى الله عليه وسلم - طمع في كرمه وإحسانه وعفوه، وهكذا يكون المسلم: كل من يراه يطمع في إحسانه، ألم تعلم قول صاحبي يوسف - عليه السلام - في السجن وهما حديثا عهد بلقائه: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المُحسِنِينَ} … (يوسف: 36)، وقول إخوته له وهم لا يعرفونه: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المُحسِنِينَ} … (يوسف: 78).

 

وفي الحديث من الفوائد: مشروعية غُـسل الإسلام للكافر، والجمهور على وجوبه إن كان عليه جنابة في الشرك أما إذا لم يجنب، كالصبي يسلم قبل البلوغ، فالغسل مستحب وليس بواجب، وقال البعض بوجوبه، وفيه جواز المن على الأسير، وإطلاق سراحه دون مقابل لقوله - تعالى -: {فَإِمَّا مَنّاً بَعدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الحَربُ أَوزَارَهَا} … (محمد: 4)، وهو أحد خيارات خمسة للإمام المسلم يختار بينها تخيير مصلحة لا شهوة، وهي القتل، والفداء بمال أو بأسرى المسلمين، أو بعمل، والمن، والاسترقاق، وضرب الجزية عليه، وجعله ذمة، هذا في حق الرجال البالغين، فأما النساء والصبيان، فلا يجوز قتلهم، ويلزم استئذان الغانمين في المن عليهم، ولا يجوز فداء الصبيان لأنهم صاروا مسلمين بنفس الأسر، وفيه من الفوائد: جواز إدخال الكافر المسجد لمصلحة شرعية كدعوته إلى الإسلام، وعرضه عليه، وأن الكافر إذا أراد عمل خير ثم أسلم، فإنه يؤمر بالاستمرار عليه، وفي الحديث الصحيح:(أسلمت على ما أسلفت من خير)، وفيه مشروعية الحصار الاقتصادي للكفار، وجواز مبايعة المسلم للكفار، إذا كانت المصلحة البيع لهم.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply