بسم الله الرحمن الرحيم
انتشرت في العالم العربي والإسلامي مؤخرأ \" بيوت الخبرة \" في شتى مجالات وفنون الحياةº فهذه بيوت للخبرة القانونية، تقدم الرأي والمشورة في المسائل القانونية، وتقوم بإعداد وتدريب المحامين الجدد، على أصول وقواعد المهنة، وترشدهم لفنون المرافعة القانونية، وتلك بيوت الخبرة الصحفية، تقدم لشباب الصحفيين الدورات التدريبية التي تصقل مواهبهم وتدربهم على العمل الصحفي بكافة صوره وأشكاله، وتعطيهم الخبرات اللازمة لممارسة هذا اللون من العمل، وفي نهاية الدورة تعطيهم شهادات إجازة، يدخلون بمقتضاها سوق العمل الصحفي، ويمارسون مهامهم على أفضل ما يكون.
الأمر لم يقف عند هذا الحد بل امتد واتسع ليشمل بيوت الخبرة المالية، وهي هيئات ومراكز تدرب صغار المستثمرين، على أصول وقواعد العمل بالسوق المالي، وتهيئ فريق منهم للدخول إلى حلبة البورصة ذلك الوهم الذي دمر الكثيرين وبدد أحلام الراغبين في الثراء، وهناك بيوت الخبرة التجارية، وهي بيوت تقدم الخبرة والنصيحة لصغار التجار والراغبين في اقتحام سوق العمل، بإقامة مشروعات تجارية صغيرة، فهي تعرفهم بأنواع السلع والخامات المتاحة أمامهم للاتجار بها، وتفهمهم أن لكل سوق سلعته، ولكل مقام مقالا، وتكسبهم القدرة على اكتشاف السلع المناسبة للمكان، وتوقع ازدهار سلعة واندثار أخرى.
غير أن هذا المشروع، يختلف عن غيره من المشروعات التي أشرت إليها سالفاً، في أمر مهم ألا وهو: عدم استهداف الربح، طبعا أقصد الربح المادي أو الدنيوي، أما عن الربح المعنوي والأجر الأخروي فحدث ولا حرج.
لن أطيل في مقدمتي التي قصدت منها أن أبرر لموضوعي الذي أظنه جديداً من نوعه، غير أنه تأخر لسنوات طويلة، ألا وهو مشروع \"بيوت الخبرة الدعوية\"ـ غير أن هذا المشروع، يختلف عن غيره من المشروعات التي أشرت إليها سالفاً، في أمر مهم ألا وهو: عدم استهداف الربح، طبعا أقصد الربح المادي أو الدنيوي، أما عن الربح المعنوي والأجر الأخروي فحدث ولا حرج.
ومن أحسن قولاً
لا يخفى على عاقل الفضل الكبير الذي أثبته الله للدعوة إلى الله، كمهنة ووظيفة، ويكفي شرفاً أنها وظيفة الأنبياء، قال تعالى: \" يَا أَيٌّهَا النَّبِيٌّ إِنَّا أَرسَلنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا* وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذنِهِ وَسِرَاجًا مٌّنِيرًا\"(45/ الأحزاب).
كما لا يخفى أن من يمتهن هذه المهنة، ويحترف هذه الحرفة، يكون في عداد الفائزين والمفلحين، قال تعالى: \" وَمَن أَحسَنُ قَولاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسلِمِينَ\"(33/ فصلت).
وقد بشر رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - بأن الداعية له أجره وأجر من اهتدى بسببه، فقال - صلى الله عليه وسلم -: \"من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئا\".
كما أن الداعية إلى الله في ذمة الله، وقد انقسم أصحاب السبت إلى ثلاثة أقسام: عصاة، ودعاة، ومتوقفين عن الدعوة تاركين العصيان، و حكى القرآن مصير كل فريق منهم، فقال تعالى: \"فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون\".
وقد توعد الله بحفظه من الهلاك، لكونه من المصلحين الذين يسعون في إصلاح الناس، ولا يكتفون بصلاحهم، قال تعالى: \"وما كان ربك مهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون\".
فالصلاح لا يكفي لنجاة صاحبه من عذاب الله إذا حلت الفتنة، قال تعالى: \"واتقوا فتنة لا تصيبن اللذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب\"، وعندما سألت أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"أيهلكنا الله وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث\".
وقد بشر رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - بأن الداعية له أجره وأجر من اهتدى بسببه، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئاً).
ماذا يستهدف المشروع؟
يستهدف هذا المشروع عدداً من الأمور منها على سبيل المثال: -
1- الاستفادة من خبرات كبار العلماء والدعاة، ممن يُشهَدُ لهم بالإخلاص، والتقوى، والعلم، من خلال نقل هذه الخبرات، وتسجيلها ورصدها لتنتفع بها الأجيال اللاحقة. فكم من عالم كنا نعده من المخلصين العاملين لنصرة هذا الدين، وافته المنية دون أن يلقح عواطف شباب الدعاة نظرات عقولهم وفيض خبراتهم.
2- إعداد وتأهيل الدعاة العاملين في مجال الدعوة منذ سنوات، الذين يملؤهم الجد والنشاط لكنهم يفتقدون إلى الخبرة والحنكة والحكمة الدعوية، ليكونوا بعدها أهلا لحمل أعباء وهمَّ هذه الدعوة، وحتى يدعون إلى الله على بصيرة، فيكونون خير دعاة لخير دين على منهاج خير الأنبياء وسيد الدعاة محمد - صلى الله عليه وسلم -.
3- اكتشاف دعاة جدد، من الموهوبين، الذين لا ينقصهم سوى أن تكتشف فيهم قدرات هم لا يعرفونها عن أنفسهم أو أنهم لا يعتقدون أنها قدرات ذات بال، فكم من عالم يهتز من تحته المنبر اليوم، كان بالأمس مغموراً، وكم من خطيب مفوه يملك على مستمعيه ألبابهم، كان بالأمس يتلعثم وهو ينطق بالآية والحديث، فلولا أن الله قيض له من الدعاة من شجعه، على صعود المنبر، ولفت انتباهه إلى أن حسن أدائه وقوة حفظه
فما أحوجنا اليوم إلى خبراء في شؤون الدعوة يقومون بدور (الكشاف الدعوي)، يجوبون القرى والكفور والنجوع والمدن والمراكز والمحافظات، والمدارس والمعاهد والجامعات، ويكتشفون: حافظاً للقرآن، أو خطيبا بارعا، أو مشروعا لفقيه واعد، أو تبشيرا بعالم نحرير، وهكذا....
قد يقول قائل إن هذا الذي تتحدث عنه يتم بصورة أو أخرى، وتقوم به جماعة أو أخرى، بل قد تقوم به بعض الحكومات أحياناً، ولو بصورة مختلفة، أقول: لا بأس بكل جهد طيب يحدث ولكنني أتكلم عن مشروع منهجي متخصص له مؤسساته وفروعه ومنهجيته واستقلاليته، يسد ذلك الخلل الكبير في الدعاة المدربين الخبراء المؤهلين الذين يكونون أهلا للقيام بهذه المهمة العظيمة، وأود أن تقوم عليه جهات متحررة، ولا بأس أن تتبناه هيئة إسلامية مرموقة، موجودة أو أن تنشأ له هيئة خاصة نسميها مثلا (الهيئة العالمية الإسلامية لتأهيل الدعاة)، ويشكل لها مجلس إدارة من كبار العلماء والدعاة في العالم الإسلامي، وتكون الدراسة به، لمدة عام واحد أو عامين، يتخرج بعدها الداعية، ليلحق بمراكز التدريب العملي، فيقوم بإعداد وإلقاء بعض الدروس والخطب تحت إشراف لجنة من الهيئة، تكون هي المسئولة عن إقرار صلاحيته للقيام بمهام الدعوة.
فما أحوجنا اليوم إلى خبراء في شؤون الدعوة يقومون بدور (الكشاف الدعوي)، يجوبون القرى والكفور والنجوع والمدن والمراكز والمحافظات، والمدارس والمعاهد والجامعات، ويكتشفون: حافظاً للقرآن، أو خطيبا بارعا، أو مشروعا لفقيه واعد، أو تبشيرا بعالم نحرير، وهكذا....
ولا بد من أن يوضع لهذا البرنامج التدريبي منهج دعوي مركز، يمتاز بالسلاسة واليسر، ويغلب الجانب العملي على النظري، على ألا يتبنى هذا البرنامج أي نوع من أنواع الفكر الموجود على الساحة، فلا يكون تابعا لجماعة ولا يدعو لشخص أو فكر محدد، بل لا بد من تجريده وتخليصه من هذه التبعية التي تنتهي به غالبا إلى الاندثار.
هذا مجرد نقش في الفكرة، وتفكير بصوت مسموع، وبداية لعصف ذهني، يكمله مخلصون لدينهم ودعوتهم، ولا بأس أن يكون قضية مطروحة للنقاش، حول جدوى تشكيل (بيوت للخبرة الدعوية)، والتفكير في مشروع (كشاف الدعاة الجدد).
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد