رسالة ونداء لرجال المال والأعمال


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إلى إخواننا رجال المال والأعمال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إننا إخوانكم ومؤسساتكم الخيرية الوفية معكم، لا نخاطبكم لأجل أموالكم، ولكننا في هذه الرسالة الصغيرة نخاطبكم لكم ومن أجلكم قبل أن يكون من أجلنا..إن الله قد أعطاكم الكثير وطلب منكم إقراضه اليسير ليضاعفه لكم: {من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسنا فيضاعفه له أضعافاً كثيرة والله يقبض ويبصط وإليه ترجعون}.

إنكم يا إخواننا بحاجة ماسة إلى معرفة حقائق في غاية الأهمية، من أبرزها:

* لقد أصبح غيركم يأكل كما تأكلون، ويشرب كما تشربون، ويسكن كما تسكنون، ويركب كما تركبون، ويسعد بالحياة أكثر مما تسعدون وماذا بعد كل ما تجمعون، أفلا تفكرون؟ وتعلمون شيئاً عن غيركم بن تتميزن؟ وهذا ميدانكم الذي به تتنافسون، لئلا تكون أموالكم لغيركم غنماً وعليكم غرماً، لقد كان سلفكم سباقين لتجهيز كل أنواع البر والإحسان من أعمال القطاع الخيري ومشروعاته وهذا حق المال وتلك تزكيته وإنماؤه.

 

* إن المال مال الله - ليس لكم - فأنتم مستخلفون فيه مناظر ماذا تعملون.

 

* إن المال المكتسب من حلالا لا يسوغ أن يشقي صحابه، بل هو راحة له في الدنيا والآخرة، فانظروا وتأملوا في حالكم معه لتحكموا على أنفسكم وأموالكم.

 

* إنه من مصادر السعادة في العاجل والآجل حينما يكون تابعاً لكم ولستم تابعين له.. حينما يكون مقوداً لا قائداً: {ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء}

 

* إنكم سوف ترحلون عنه ولكن تبعاته لن ترحل عنكم، فسيكون السؤال عن المال: (من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟) فأعدوا للسؤال جواباً.

 

* إنكم محتاجون إلى مؤسسات القطاع الخيري أكثر من احتياجها لكمº لأنها تحقق النيابة عنكم في فريضة التكافل والتعاون والتآخى، وفريضة التداعي لآلام الجسد الإسلامي الواحد.

 

أحبابنا رجال المال والأعمال:

إننا لا نخاطبكم من أجل واجب الزكاة، فهذا أمر محسوم، من لا يؤدي هذا الواجب فلا خير لمخاطبته، ولكننا نخاطب من كتب الله عليه أن يكون من أهل المال ومن أحفاد المهاجرين والأنصار، ممن ابتلاهم الله بالغنى، كما ابتلى، غيرهم بالفقر: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة}، {إنما أموالكم وأولادكم فتنة}.

إننا معشر المؤسسات الخيرية نحقق لكم الغنم ونتحمل عنكم مسؤولية الغرم، وإننا ندرك أن رسالتنا صعبة أكثر منكم، ولأجل هذا فقد أشركنا التشريع الإسلامي بالأجر مثلكم: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله).

 

إننا نرفع لكم تبعات المسؤولية، وتبعات التقصير، وتبعات الهواجس الأمنية، وإن كنا لا نستغني عن مساندتكم المعنوية.

إننا (مؤسساتكم) بأعمالنا ومشاريعنا نعتبر من خطوط الدفاع الأولى عنكم وعن مصالحكم، حيث إن المؤسسات الخيرية من خير ما يوفر الأمن الوقائي لدولنا ومجتمعاتنا، ولأننا بوجودنا المؤسسي أصبحنا حجة عليكم ولسنا حجة لكم.

إن أعمالنا الخيرية صمام أمان للقطاع العام والخاص، إننا حماة لكم، فهلا بحثتم عن مؤسساتكم الخيرية قبل أن تبحث عنكم؟ وهلا أعطيتموها قبل أن تطلبكم؟ وبادرتم إليها قبل أن تبادر إليكم؟ فمتى تستقيم الأهداف بجمع الأموال لإنفاقها على أبواب الخير والنفع العام لتكون التجارة الرابحة؟

وإنكم لن تتحملوا أخطاء ما يمكن أن يحدث من تجاوزات أو اجتهادات أو تصرفات إننا صوتكم المسموع وسفيركم في الداخل والخارج، حيث لا يعرف العمل الخيري حدوداً ولا سدوداً، ولم يفرق بين المحتاجين عبر جميع العصور والأزمان وفي أي مكان.

وإن العمل الخيري العالمي الآن يتجاوز حدود الزمان والمكان لتحقيق أهدافه المتباينة، ولكنه في الإسلام يتحرك بدوافع الإيمان والإحسان، وسفير خير وأمان إلى كل الأوطان، ليمد جسور التلاحم بين الأمم والدول.

وإننا إياكم بحاجة ماسة إلى العمل على رضى الرحمن ودفع غضبه دون غيره، فعمل الخير لا ينتظر الشكر والعرفان، فتقديمه للآخرين واجب وهو بحد ذاته شكر وثناء للرحمن، وإننا جميعاً بحاجة ماسة إلى الإخلاص ووضوع الهدف: {إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً * إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً}.

وإننا واثقون وإياكم أننا بهذا الهدف وبتلك التضحيات بأنفسنا وأوقاتنا وأموالنا ومصالحنا الشخصية سوف نحظى بتقدير الجميع طال الزمن أم قصر، فالعاقبة للمتقين: (من أرضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس، ومن أسخط الناس برضاء الله كفاه الله مؤنة الناس).

لقد سبقكم أبو بكر ببذله وعطائه، حتى ليكاد الناظر إلى نفقاته أن يقول: سوف يصبح فقيراً، ولكن الإنفاق يزيد من أصل المال (ما نقص مال من صدقة، بل تزده، بل تزده).

وهل نسيتم ما فعل عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - في عام الرمادة؟ ثم هل يخفاكم تجهيز عثمان - رضي الله عنه - لجيش العسرة وإرهاب الرومان حماية لدولة الإسلام والقرآن؟

لقد تنافس سلفكم الصالح على بذل أصول أموالهم دون فضولها {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} فكانت خير النتائج لأمة الإسلام ودولته.

لقد سبقكم الآباء والأجداد بإيقاف معظم ما يملكون لإيمانهم العميق باستمرار الملكية الحقيقية بثواب لا ينقطع وأجر لا يتوقف.

إخواننا... خصصوا لأنفسكم أوقاتاً يسيرة لتقرؤوا عن سلفكم، كيف أسهموا في الحفاظ على قوة الأمة وبناء حضارتها الزاهرة بالوقف على الجوامع والجامعات، والإسكان والبيمارستانات (المستشفيات)، وعلى العجزة والأيتام والمساكين، بل وعلى الثغور والمجاهدين.

 

إخواننا رجال المال والأعمال:

أيرضي ربنا، أم يرضي مجتمعاتنا؟ أم سوف يرضي ضمائرنا؟ (واقع حالنا مع أموالنا)، وأن تكون ثرواتنا في بنوك غيرنا، أو في بنوكنا، ولكنها تسهم في فعاليات التنمية لغيرنا. أم يرضيكم أن تكون أموالكم وسيلة ضغط وابتزاز عليكم وعلى دولكم؟

أليس من المخجل حقاً علينا جميعاً أن الإيداعات النقدية العربية في البنوك الأجنبية بلغت في دول السوق الأوربية المشتركة (650) مليار دولار، كما بلغت في الولايات المتحدة الأمريكية حوالي ترليون (975) مليار دولار، كما أن حجم ثروات الأثرياء العرب الشخصية فقد (800) مليار دولار، كما أن هناك مصادر أخرى تقول إنها بلغت (1. 2) ترليون دولار مجمل الثروات الفردية الخليجية المستثمره في الخارج؟

وماذا لو تم إخراج زكاة هذه الأموال فقط فضلاُ عن التبرع والوقف والهبات؟

وأين مساهمات البنك المحلية في عالمنا العربي والإسلام في مجالات أعمال مؤسسات القطاع الخيري قرضاَ أو تبرعاً أو مساندة استثمارية، ولو بجزء يسير من تلك الإيداعات النقدية التي فاقت فوائدها نظيراتها في بقية دول العالم.

فأيد رد الجميل للمودعين؟ وأين البنوك من الوجه الحضاري والإنساني للحياة بالوفاء للأفراد والمجتمعات وأعمال الخير للمؤسسات؟ أم أن التكديس والتقديس للمادة أصبح هدفاً للحياة؟!

أيرضيكم إخواننا رجال المال والأعمال أن يسبقكم غيركم من اليهود والنصارى في الإنفاق والأوقاف، وقد تجرد كثير منهم من ماله أو من جزء كبير من ماله؟

اقرؤوا عن سورس اليهودي الأمريكي (suros) الذي فتح بأمواله (33) فرعاً لأعماله الخيرية، وخص منها (28) فرعاً في بلادكم الإسلامية، ومن أبرز أعماله، برنامج المنح الدراسية لآلاف الطلاب، وخص منها بلادكم بلاد البلقان المسلمة، والتي دفع لها بمفرده (350) مليون دولار، ثم تجاوز عمله إلى بلادكم الأخرى (الجمهوريات الإسلامية).

ولا بد من وقفات طويلة عند حجم وقوة مؤسسات غيرنا الوقفية من أمثال: (ليلي أند أونت) (12. 5) مليار دولار، ومؤسسة (نوبل) وجوائزه الوقفية، ومؤسسة (فورد) بجامعتها ومستشفاها (10. 8) مليار دولار، ومؤسسة (روكفلر ودوك) بتعليمها وطبها، ومؤسسة (روبرت وودجونسون (8. 7 مليار دولار) وغيرها كثير.

وقفوا عند تبرع (موناهان) الأمريكي الذي تبرع بكل ثروته (دومينوز بيتزا) لصالح الكاثوليك، بل تبرع ببيوته وقصره ويخونه، وذلك تجاوباً وتفاعلاً منه بعد قراءاته لكتاب أحد القسس.

وإذا لم تكف هذه النماذج فهلاً اطلعتم على أعمال وأنشطة مؤسسة (بل غيتس وزوجته ميلندا) الخيرية ملك شركة مايكروسوفت الأمريكية، والذي أوقف أكثر من (24) مليار دولار عام 2000م وذلك يساوي 40% تقريباً من ثروته؟

هل يرضيكم - إخواننا رجال المال والأعمال - أن يسبقكم غيركم في البذل والعطاء، حيث يدفع الأصوليون النصارى في أمريكا وعددهم يتجاوز (80) مليون: 5% من دخلهم الصافي للمنظمات غير الربحية، وذلك في تسديدهم الضرائب إضافة لتسديد معظم الضرائب لتلك المؤسسات.

ولعله من المهم لإخواننا أرباب المال والأعمال أن ذلك الحدث (11 سبتمبر) الذي وقع في أمريكا قد تم تسخير معظم المحطات التلفزيونية والإذاعية والوسائل الإعلامية لتغطيته والدعوة للتبرع إليه حتى بلغت التبرعات حوالي (2) مليار دولار (1. 88) مليار حتى أواخر ديسمبر 2001م فقط حينما تم إيقاف التبرعات نظراً للاكتفاء، رغم تغطية شركات التأمين للمؤسسات والمباني والأفراد والطائرات.

ولقد ساهم القطاع الخاص بحوالي (ثلث) المبلغ الكلي حينما ساهمت (543) مؤسسة تجارية بمبلغ إجمالي إلى (621. 5) مليون دولار، وقد أثبتت المسوحات الاجتماعية الأمريكية عن أحداث 11 سبتمبر ارتفاع معدلات الوصايا والأوقاف، فهلا كانت كارثة فلسطين المتجددة عاملاً مساعداً لنا جميعاً على الزيادة فيكف بالنقصان؟

وهل ترضيكم الحملات الدائمة والطارئة للتبرع داخل أمريكا وخارجها لصالح إسرائيل دعماً لإرهابها وسحقاً لإخوانكم وقضيتكم في فلسطين، الذين ما زالوا يقيمون ببطولاتهم وانتفاضتهم درعاً واقياً وسياجاً أمنياً لكم ولمجتمعاتكم ولدولكم بل ولأموالكم؟

 

إخواننا رجال المال والأعمال:

لقد حان الوقت لتوسيع مفاهيم الخير والبر، ولقد حان الوقت للإسهام في كل جوانب الخير المباشرة وغير المباشرة والتي لا تدعم فعل الخيرات فحسب، ولكنها تتجاوز ذلك إلى جوانب تنشيطه وتنميته لمضاعفة الثمرات، فأين الإسهام في إيجاد قنوات الإعلام المتخصصة والهادفة؟ وأين حجم الإسهام في تأسيس الصحف والمجلات والإذاعات؟ وأين حجم الإنفاق على إخوانكم من ذوي الحاجات؟ وأين نصيب مراكز البحوث والدراسات، وتشجيع الباحثين والباحثات، المتخصصين في تنشيط أعمال المؤسسات؟ أم أن لها فضول الثروات رغم أنها من أساس الخيرات؟ إننا بحاجة إلى إعادة المؤسسات الخيرية بكل وسائل التنشيط والفعالية العلمية والإعلامية وجوانب التدريب والإدارة، إضافة لدعمها التقليدي بجوانب التشغيل والتبرعات والزكاة والصدقات.

إن دعاوى الإرهاب علينا وعليكم يجب أن تكون خير مذكر لكل مدكر، وخير حافز للمراجعات مع النفس دون التراجعات عن نفع الغير، فالخوف والرجاء يجب أن يكون الله، والثواب والعقاب من الله، وهما خير حافز على العمل: {إن الله لا يضيع أجر المحسنين}، {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره}.

إن بوادر السنن الكونبة الربانية بالعقوبات قد بدت من خلال المحق والكساد للاقتصاد، ومن خلال التهديد بالمصادرة والتجميد، تحت مشجب دعاوى الإرهاب والتهديد.

وأخيراً.. فإننا وإياكم بحاجة على أن نزكي أنفسنا وأموالنا وان نقابل الإيمان بالإيمان، وقوة التبرعات من قبلهم بقوة الأوقاف والهبات من قبلنا، وأن نتجاوز بأعمالنا وثقتنا مراحل الشكوك وهاجس الأمن وحب الذات، وتقديس المال، وتكديس الثروات، لننقذ أنفسنا قبل غيرنا.

وشكرنا وتقديرنا سلفاً لحسن استجابتكم لما فيه الخير لكم.

 

التوقيع:

مؤسساتكم وجمعياتكم الخيرية والأهلية في أنحاء العالم.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply