بسم الله الرحمن الرحيم
مما يبرز مكانة الأم، ويظهر الدرجة الرفيعة التي رفعها الإسلام إليها، والمقام العلي الذي بوأها إيَّاه: أنَّ الله - تعالى - جعل طاعتها فرضاً لازماً يجب على الولد التزامه، ولا يجوز له عصيانها في أمر من الأمور، إلا أن تأمر ولدها بمعصية الله - تعالى -..
فلا سمع ولا طاعة لها حينئذ في ذلك الأمر، ويبقى على طاعته لها فيما عدا ذلك، والإحسان إليها، ومصاحبتها بالمعروف، وكذا إن أمرته بأمر فيه إيذاءٌ لغيره، فلا يطعها في إيذاء غيره، سواء كان الذي سيقع عليه الأذى ابنه، أو زوجه، أو شريكه، أو غيرهمº وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا ضرر ولا ضرار)).
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)).
قال الله - تعالى -: [وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً].
وهذا بيان جلي من الله - تعالى - لعباده أن إذا جاهد الولدَ والداه على الإشراك بالله - تعالى -، بدعوته إليه، وإظهار غضبهم عليه، ومحاولتهم قسره على الوقوع فيهº فإنه لا يطيع والديه في ذلك، أي في الشرك الذي دعاه والداه إليه، ولكن رفضه يجب أن لا يكون بالقول القبيح الشديد، بل بالقول الحسن، الذي يظهر فيه الولد تمسكه بدينه، ويحرص على تيئيس والديه من إجابته دعوتهما إيَّاه إلى الشرك، كما في قصة إبراهيم - عليه الصلاة والسلام -، وقصة سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -، عندما دعته والدته إلى ترك دين الإسلام، والرجوع إلى عبادة الأوثان، وأقسمت أن لا تذوق طعاماً ولا تستظل حتى يعود أو تموت، فيعيره النَّاس بقولهم: قاتل أمه، فكان رده عليها أن قال: يا أماه، والله لو كانت لك كذا وكذا نفس فخرجت كل نفس إثر الأخرى ما تركت ديني. وبهذه الكلمة الموجزة قطع سعد - رضي الله عنه - أمل أمه أن يعود إلى ملتها بعد أن هداه الله للإسلام، وهو مع ذلك لم يؤذها بغير ترك ما طلبت منه من الإشراك.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد