اكسب نفسك باستيعاب الآخرين ( 1 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي.

غالب أمراض الناس اليوم النفسية والعضوية هي من جراء أذى الخلق لهم، وأكثر أذى الخلق إنما يكون باللسان فقط ولولا وجود هذه الحساسية المفرطة لما تأثروا هذا التأثر الكبير، حتى أن بعضهم ليصاب بصدمات نفسية وبعضهم لا يهنأ بنوم ولا طعام نتيجة كلام فلان

 

- يمكنك أن تشبه الناس اليوم بطبق البيض، تقول ما أجمله وما أنعمه وما أحسنه، لكن لا يلتقي بعضه مع بعض فينهشم فتخرج الروائح الكريهة منه، وأنت تجد الناس ما داموا متباعدين تقول ما أجمل أخلاقهم، حتى إذا حدث أدنى احتكاك بينهم ظهرت الفضائح فلا يتحمل أحد من أحد شيئا أبدا.

 

- لابد من معرفة طبيعة الإنسان الأصلية من حيث هو وهي: الضعف، والعجلة، والجهل والظلم، والكنود، والهلع والمنع والجزع والشح والبخل، محب للجدال، يطغى ويعرض عن ربه في حال الغنى والصحة، وييأس في حال الفقر والمرض، يفرح ويفخر على عباد الله في حال الغنى، لا يسأم ولا يمل من طلب الخير، وهذه الصفات لا تفارقه ولكنها تقل وتزداد وتظهر وتختفي أحيانا بحسب التربية والتزكية للنفس.

 

ثم هو مبتلى في كل حياته، وكادح همام حارث عامل طول حياته.

قال الله - عز وجل -: ((وخلق الإنسان ضعيفا)) ((وكان الإنسان عجولا)) ((خلق الإنسان من عجل)) ((وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا)) ((إن الإنسان لربه لكنود)) ((إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الخير منوعا وإذا مسه الشر جزوعا)) والهلع هو شدة الجزع عند حلول المصائب، وشدة التعلق بالدنيا والإمساك لها عند حلول النعم، خوفا على فواتها ونقصها. ((قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا)) ((إن الإنسان لظلوم كفار)) ((وكان الإنسان أكثر شئ جدلا)) ((وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر كان يئوسا)) ((كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى)) ((ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليئوس كفور، ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور، إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير)) ((لا يسأم الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيئوس قنوط)) أي لا يمل الإنسان من دعاء الخير وهو المال والصحة.

 

((إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه)) ((يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا))

 

إذا كان الإنسان في طبيعته الأصلية بهذه الصفات فيحتاج ممن تغلب عليها وتقدم أن يأخذ بأيد من حبستهم وكبلتهم تلك الصفات، إنهم يحتاجون إلى الرحمة وإلى الستر وإلى النصح والتعديل.\"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه\"((فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله))

 

- إن العلاقة القائمة بين الناس اليوم مبنية على انتظار أحسن المعاملة من المخلوق، وهذا خطأ كبير تسبب في فصم العلاقات بينهم، ولو أنهم تعاملوا كما قال ابن حزم\"توقع من الناس أسوأ شئ\"لربحوا، إن الذي يتعامل مع الناس بهذه النفسية يبقى رصيده رابحا أبدا من بداية يومه إلى نهايته ورصيده العاطفي في ازدياد دائم، إن خرج من بيته دعا لجيرانه وقال: جزاهم الله خيرا، ولو سألته ما فعلوا بك؟ لقال كم من جار يضع القمامة عند باب جاره وهؤلاء احترموني وقدروني فأبعدوها عني، وإذا ركب سيارته دعا لهم، ولو سألته لقال كم من جار أفسد سيارة جاره بكذا وكذا، وهؤلاء احترموني وقدروني.. ولو سلم عليه تلميذ من تلاميذه لفرح وقال: كم من تلميذ لا يسلم على أستاذه.. وهكذا مع زميله وقريبه، بينما الآخر الذي يتوقع من الناس أحسن شئ دائما رصيده العاطفي في انحسار ونضوب كل يوم وبكل حركة.

 

- لو سألت الناس في مجلس عام فقلت لهم: لو أحسنت إلى إنسان ما ذا تنتظر منه؟ لأجابوك بجواب واحد: ننتظر منه الإحسان. وهذه الإجابة هي التي سببت كثيرا من الهزات النفسية لدى الناس، بل أصابت بعضهم بأمراض نفسية أثرت على مسيرة حياتهم وتسببت في قطع كثير من العلاقات بينهم، فبينما هم ينتظرون الإحسان والمكافأة على فعلهم إذا بهم يصابون بخيبة أمل عظيمة فيقابلون بالإساءة، كل هذا نتيجة انتظار أحسن المعاملة الخلقية من الناس. يقول ابن حزم:\"إذا أحسنت إلى إنسان، فانتظر منه الإساءة\"تربح دائما، فأولا: يكون إحسانك لله، وثانيا: إذا أساء لم تصب بصدمة نفسية، والثالثة: إذا لم يسئ فأنت رابح، والرابعة: إذا أحسن فأنت رابح، والخامسة: إذا كافأك فأنت رابح

 

- كثيرا ما ينس الناس أن الإنسان مجبول على الجحود\"نسي آدم فنسيت ذريته وجحد آدم فجحدت ذريته\"هل هناك أحد أكثر إحسانا من الوالدين قاما على الابن بالرعاية والعناية والتربية والمتابعة منذ ولادته، وهو يرى ذلك الإحسان يتكرر عليه كل يوم وكل لحظة وكل حين، ثم لما كبر كان له كما يقول علماء الإدارة\"ورشة عمل\"فأصبح له أبناء يصنع بهم ما صنع والداه به، ويرى إحسانه عليهم، فأصبح عنده أمران، إحسان رآه وتذوقه، وإحسان عاناه وتعب فيه، ومع ذلك جاء القرآن بالحث والتنبيه على الاعتراف بهذا الإحسان، قال - تعالى -: ((ووصينا الإنسان بوالديه حسنا)) ((ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا)) ? وهل يحتاج هذا الرجل مع كل هذا إلى الوصية برد الإحسان إلى الوالدين؟ نعم. يحتاج ويحتاجº لأن طبيعة الإنسان النسيان والجحود. فإذا كان هذا في شأن الوالدين فما بالنا نحن ننتظر رد الإحسان القليل من فلان وفلان وإذا لم يفعل انشلت حركتنا وأصبح هو حديثنا وقضيتنا

 

- حرك طن الحديد.عموم الناس لا يحبون المخاطبة من علو يكرهون الأستاذية.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply