برنامج عملي للدعوة في القرى


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد: فإنه كلما بعُد البلد عن مركز العلم والعلماء كان أرضاً خصبةً لظهور البدع، واختفت فيها مصابيح السنة، وسهل انتشار الخبث والقاذورات بين الناس، ولهذا كان من حق أولئك على أهل العلم دوامُ تفقدهم وزيارتهم، ووعظهم وإرشادهم، وإرسال الدعاة والمعلمين والمرشدين إليهم، وتنشيط الأخيار في تلك البقاع والشد من أزرهم والوقوف بجانبهم، وتشجيع الجمعيات الخيرية والعلمية ودعمها مادياً ومعنوياً.

 

وهذه بعض المقترحات نعرضها على أهل الشأن من العلماء والدعاة والغيورين على دينهم ومحارمهم:

 

أولاً: إعداد أو اختيار دعاة عاملين وتشجيعهم وحثهم على البقاء في القرى والهجر.

والأولى أن يكون الداعية من أهل البلد، وينبغي أن يرشد الداعي إلى البرنامج الذاتي من خلال النقاط التالية:

1. أن يتوجه بعمله إلى الله - تعالى - وأن يسأله أن يكون عمله كله صالحاً ولوجه الله خالصاً، وليجاهد نفسه على الإخلاص، وليعلم أنه أصعب شيء على النفسº لأنه ليس لها منه نصيب، وليعلم أن الإخلاص فقدان رؤية الإخلاص، ومن ظن في نفسه الإخلاص احتاج إخلاصه إلى إخلاص.

2. الدعوة بالقدوة والأسوة الحسنة أنجح وسيلة في التأثير على الناس، فينبغي للداعي أن يهتم بهذا الشأن، وأن يجاهد نفسه ويربيها على التحمل والصبر، وسعة الصدر للناس، والدفع بالتي هي أحسن، وعدم الانتقام للنفس، والبعد عن الانتصار لها، وليعلم أنه قدوة في كل أعماله وتصرفاته، وأخذه وعطائه.

3. الاهتمام بجانب تزكية النفس، وتمرينها على الطاعة، وبخاصة حفظ القرآن وتلاوته في كل حال وفي كل وقت، مع الاعتناء بالتبكير إلى الصلوات والمحافظة على السنن الرواتب، والمداومة على الأدعية والأذكار، ومجاهدة النفس على قيام الليل وصيام النوافل. ومما يعين على ذلك دوام المطالعة في سير السلف وقراءة كتب الرقائق، مثل: كتاب الرقائق من صحيح البخاري، ومختصر منهاج القاصدين، والزهد للإمام أحمد.

4. دوام المطالعة والمراجعة والمذاكرة في كتب العلم، وبخاصة كتب العقيدة وكتب الفقه، وأن يكون له برنامج يومي في القراءة والمدارسة في هذا الفن، وليدون كل مسألة تشكل عليه ليسأل عنها أهل العلم.

5. العناية بتربية أهل بيته وتعليمهم أمر دينهم، وتأديبهم على أخلاق الإسلام، فالأقربون أولى بالمعروف، والناس ينظرون إليهم ويقتدون بهم، ويتعرفون على مصداقية طالب العلم من خلال التزام أهله.

 

ثانياً: على الدعاة وطلبة العلم في تلك المناطق أن يقوموا بالخطوات التنفيذية التالية:

1. أن يوطد علاقته مع أهل القرية، وليبدأ بالجيران وأهل حيه - وبخاصة مع إمام المسجد - بالتحبب والتودد إليهم، وأن يأخذ بالرفق واللطف في جميع تعامله معهم.

2. أن يحث الأئمة على القراءة من كتاب التوحيد، ورياض الصالحين، وتفسير ابن كثير، ويذكرون بالتعاميم التي تلزمهم بذلك.

3. أن يقوم كل مدرس وطالب علم وداعية بدرس في المسجد بالكتب التالية: الدروس المهمة لعامة الأمة، الأصول الثلاثة، كشف الشبهات، القواعد الأربع، رياض الصالحين، الرحيق المختوم للمباركفوري، تفسير السعدي، مواعظ من كتب السلمان.

4. على طالب العلم أن يصبر ويحتسب، ولا يتضجر لقلة الناس أو عدم صبرهم أو ضعف رغبتهم في التعلم، وأن يعمل على جذب الناس إلى دروسه بتسهيل ما يعلمهم إياه وأن يتألفهم به، وأن يجيب على أسئلتهم واستفساراتهم.

5. إقامة دورة للمدرسين في المنطقة لرفع كفاءاتهم التربوية والعلمية، وربطهم بالعلماء العاملين، وذلك بالتنسيق مع مكتب الدعوة وإدارة التعليم وبالتعاون مع الكفاءات العلمية والتربوية في المنطقة.

6. إقامة دورة في الخطابة وكتابة الخطب، وإن لم يكن فدورية للخطباء تناقش فيها أهمية الخطبة وعظم الأمانة الملقاة على الخطيب، والدور المنوط به، والموضوعات التي ينبغي طرحها في خطبة الجمعة.

7. العمل على إقامة دورات شرعية مكثفة للعامة وللشباب، ورصد جوائز عينية لها حسب الحضور واحتياج أهل القرية، سواء كانت مواد غذائية أو غيرها، وأن تعلن نوعية الجوائز قبل بدء الدورة. ويحسن أن تكون الدورات في المتون السهلة البسيطة، مثل الدروس المهمة لعامة الأمة، وكتاب الأصول الثلاثة، وكتاب كشف الشبهات، وأبواب من كتاب التوحيد، وأبواب من رياض الصالحين، وكتاب عمدة الفقه لابن قدامة، وكتاب مائتا سؤال وجواب في العقيدة، وكتاب الرحيق المختوم في السيرة لصفي الرحمن المباركفوري. ومن التفسير تفسير السعدي.

8. تبرمج الخطب في القرى على شكل دورات متكاملة، مثل الأصول الثلاثة يتناولها بثلاث خطب، وكذلك الطهارة، والصلاة وغيرها حتى يطمئن أن الجميع قد سمعوا كل ما يجب أن يعلمه المسلم من دينه بالضرورة، وحبذا لو قامت مراكز الدعوة بتوزيع شريط أو كتيب على المصلين يعالج نفس موضوع الخطبة.

9. رصد الأخطاء العقدية والسلوكية والعملية الظاهرة في القرية، والتركيز عليها في الخطب والدروس والمواعظ، ومعالجتها بالتي هي أحسن.

10. عمل جدول لجميع المدرسين وطلاب الجامعة لإلقاء كلمات قصيرة ومواعظ في المساجد، ومدارس البنين والبنات، والمناسبات.

11. في حالة استضافة أحد من أهل العلم من خارج المنطقة لإلقاء محاضرة ينبغي أن يستثمر كامل يومه الذي يبقى فيه في القرية أو المحافظة، وذلك بإلقاء كلمات في مدارس البنين والبنات، والدوائر الحكومية، وحلق التحفيظ، وأن ينظم له لقاء مع المهتمين بالدعوة والعمل الخيري في القرية للاستفادة من آرائه وتوجيهاته.

12. عمل مسابقات ثقافية وعلمية وتربوية لمدارس البنين والبنات، وتختار الموضوعات التي تناسب حالة القرية أو المحافظة، مع رصد الجوائز التشجيعية لهم.

13. التركيز على النساء في التوجيه وإقامة الدورات الخاصة بهن والعناية بأسئلتهن، وحثهن على المساهمة في الخير.

14. الاهتمام بتخريج فئات من الرجال والنساء يقومون بالحسبة والتوجيه والإرشاد والنصح بالحكمة والموعظة الحسنة.

15. الاعتناء باختيار الأشرطة والكتيبات والمطويات، وتوزيعها في المناسبات، ووضع المسابقات عليها.

16. قطع الطريق على أهل الشر والنوايا السيئة، وذلك بإطلاع رئيس المركز، أو المحافظ على جميع البرامج المزمع عقدها في القرية أو المحافظة، وإطلاعه على جميع التعاميم المنظمة لذلك.

 

ثالثاً: مراكز وحلق تحفيظ القرآن:

ينبغي أن نعلم أن القرآن أنزل للعمل به لا أن تتخذ تلاوته عملاً، وأن يعرف صاحب القرآن بسمته وحسن سلوكه وجمال أدبه، ولهذا بنبغي العناية بالأمور التالية:

1. اختيار المدرسين العاملين الذين يحملون هم الدعوة ويحسنون التربية، وإسناد تدريس الحلقات إليهم. وإذا لم يوجدوا فتعقد دورة مكثفة في القرآن للنخبة من الشباب والطلاب، ويحرص على تربيتهم وتعليمهم أهمية تعلم القرآن وتعليمه، وآداب تلاوته والتخلق بأخلاقه، ثم يوزعون على الحلق وإن لم يكملوا حفظ القرآن، إذ المهم هو الضبط في التلاوة.

2. أن يكون الهدف من التدريس في الحلق تخريج طلاب علم عاملين بعلمهم لا مجرد حفاظ للقرآن.

3. الاهتمام بالمنهج المصاحب للحلق، وذلك بإضافة دروس قصيرة في نهاية الحلقة بما لا يزيد عن ربع ساعة في اليوم تكون موزعة على التوحيد، والفقه، والسيرة، والأخلاق، والرقائق، والآداب.

4. وضع الحوافز التشجيعية لطلاب الحلق، مع الاهتمام بالتقويم الأسبوعي لكل طالب، شاملاً لحفظه وحضوره وسلوكه، وإعلان الطالب المثالي في كل شهر أو أسبوع.

5. العناية باختيار الموجه الثقة المعتني بالدعوة للقيام بتوجيه الحلق والمدرسين.

6. العناية بفتح حلق تحفيظ للنساء وتشجيعهن على ذلك.

 

رابعاً: العناية بطلاب القرى الدارسين في الجامعات:

وذلك بالأمور التالية:

1. تقوية صلتهم بالعلماء العاملين، وحثهم على حضور حلق العلم في المساجد وبيوت المشايخ.

2. الاعتناء بالطلاب في الجامعة، وإقامة دورات علمية وتربوية لهم.

3. حثهم وتشجيعهم على المشاركة في إقامة الدورات الشرعية في قراهم.

4. توجيههم في الإجازات للمشاركة في الحلق وإلقاء الكلمات والمواعظ.

5. محاولة مساعدتهم أثناء دراستهم وبعد تخرجهم، وتوجيههم للعمل الدعوي والعلمي، والمشاركة في الأعمال والجمعيات الخيرية.

 

خامساً: العمل الإغاثي:

ينبغي أن نعلم أن أعظم الإغاثة هي إغاثة القلوب، وإخراجُ الناس من الظلمات إلى النور، ودلالتُهم على الخير وما ينجيهم يوم القيامة أعظمُ بكثير من إطعامهم وكسوتهمº لهذا ينبغي أن توظف المواد الإغاثية في تبصير الناس وحثهم على الخير وتجنيبهم الشر، ويحسن ملاحظة التالي:

1. أن تقترن الإغاثة بالدعوة، وذلك بأن يقوم بتوزيع المواد الإغاثية طلبة العلم والدعاة.

2. أن ينبه الفقير والمحتاج ممن ابتلي ببعض المخالفات والمنكرات على أن يترك ما عليه من المنكر، وإلا يخشى أن لا يعطى مرة أخرى، بعد أن يوعظ وينصح مراراً.

3. أن يحث طلاب العلم جميع المستفيدين من الصدقات على حضور الدورات والكلمات والمحاضرات.

4. أن يقدم في العطاء أهل الصلاح على غيرهم، ويبين سبب التفريق في ذلك، كما يفرق بين من أبناؤه في الحلق ممن هو قد ضيعهم ولم يبال بهم.

 

سادساً: ملاحظات عامة:

1. ينبغي ألا يعتمد طلاب العلم في دعوتهم وتوجيههم للناس على وسيلة واحدة، ويتركوا غيرها، كمن يعتمد على الشريط كوسيلة وحيدة في هداية الناس، بل يحسن بهم أن يفكروا في جميع الوسائل، ويحاولوا التجديد والابتكار، فقد يكون أسلوب المناصحة الفردية أجدى عند بعض الناس من كتيب أو شريط، وقد تكون الزيارات الجماعية أو الفردية أكثر تأثيراً من غيرها في بعض الأحيان.

2. ينبغي التجديد في دروس الطلاب وطريقة تعليمهم، وعدم الجمود على طريقة واحدة، كما يحسن القيام ببعض الزيارات للعلماء وطلاب العلم في المدن، أو القيام بعمرة أو زيارة للمدينة المنورة، أو القيام بنزهة للتجديد عليهم وإبعاد السآمة عنهم.

3. التريث في اتخاذ أي إجراء نحو منكر من المنكرات أو التشهير بأصحابها، بل ينبغي دراسة الوضع جيداً ومعرفة الأسلوب الأمثل في إزالة المنكر وتغييره، مع البعد عن التشهير أو المواجهة قدر المستطاع.

4. محاولة الاعتماد على التمويل الذاتي لجميع الأعمال الخيرية، وعدم الاعتماد على من هو خارج المنطقة بقدر المستطاع، مع تفعيل الخير لدى عامة الناس ومحاولة جرهم للمشاركة فيه، وإحياء سنة البذل في سبيل الله - تعالى - لديهم، وقبول ما يأتي منهم مهما كان قليلاً.

 

وفي الختام نقول: إن هذه الأفكار والبرامج قابلة للزيادة والتجزئة في التطبيق حسب البيئة والوقت المناسب والإمكانيات المتوفرة، وما لا يدرك كله لا يترك جله، وأسأل الله للجميع التوفيق والسداد.

 

والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply