بسم الله الرحمن الرحيم
كيف تستطيع أن تجعل الآخرين يقبلون بأفكارك؟
كيف تؤثر في الآخرين؟
حينما يحمل الإنسان هدفاً نبيلاً فإنه يسعى لأن يعممه في ربوع المجتمع، وذلك من منطلق المسؤولية الملقاة على عاتقه، وحينما يحمل الإنسان أفكاراً تغييرية، وقيم ومبادئ سامية فإنه يسعى لأن تكون هذه الأفكار متجلية على أرض الواقع.
ولكن كيف نجعل من أفكارنا أفكاراً مقبولة عند الآخرين، وبأية آلية نستطيع أن نجعل الآخرين يرحبون بأفكارنا؟
حين نتأمل في سيرة الرسول الأكرم (ص) نراه كان النموذج المثالي في إقناع الآخرين بقبول دعوته، مع العلم أن هذه الدعوة ولدت في مجتمع جاهلي متمسك بأفكار غير قابلة للنقاش، ومتأصلة في نفوس شيوخ ذلك المجتمع، ولكن السيرة النبوية أكدت لنا أنه مهما كانت الأفكار ضاربة جذورها في أعماق المجتمع فإنها تبقى أفكار قابلة للتغيير.
أما كيف استطاع الرسول ( ص) التأثير في الآخرين فيمكن عبر ما يلي:
أولاً : محتوى الفكرة:
قوة الأفكار بمحتواها، وبما ترمي إليه من أهداف، وهكذا كانت الرسالة المحمدية حيث أنها جاءت لتحدث انقلاباً في ذلك المجتمع الجاهلي الطبقي، وجاءت الرسالة بالعديد من المبادئ منها:
تحرير الناس من العبودية، وإلغاء الطبقية، وإعلان مبدأ العدالة والمساواة، وتكريم الإنسان وجعله يعيش حياته كما أرادها الله تعالى، وإعطاء المكانة الحقيقية للمرأة، ورفع الضيم عنها.
جاء الإسلام برسالة السعادة والطمأنينة، برسالة الحياة، جاء الإسلام ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، من ظلمات الجهل والتخلف بمختلف أشكاله إلى نور العلم والتقدم و الرقي.
ثانياً: أسلوب الدعوة:
طريقة الدعوة، والأسلوب المستخدم في طرح الفكرة له دوره في قبول الناس للفكرة، وهذا ما نجده في سيرة الرسول الأكرم (ص) فقد كان أسلوب الدعوة أسلوباً متميزاً وذلك من خلال:
أ) السرية في الدعوة:
أستخدم الرسول (ص) أسلوب السرية في الدعوة وذلك لمدة ثلاث سنوات، فلم يشأ الرسول أن يعلن دعوته و يجابه بها صناديد قريش وإنما سعى لنشر دعوته الربانية بصورة هادئة وذلك لأنه لمن الصعب أن يصعق ذلك المجتمع الذي ترسخت فيه المبادئ الجاهلية ويعلن أن ما يمارسونه إنما هو عمل خاطئ.
بالإضافة إلى أن الدعوة السرية كانت تهدف إلى بناء قواعد ورجال يسهمون في نشر الرسالة، وهذا ما حدث بالنسبة لمصعب بن عمير الذي أصبح سفير للرسول في المدينة المنورة.
و استمر الرسول في دعوته حتى جاء النداء الإلهي ببدء الدعوة العلنية وذلك في قوله تعالى: {فاصدع بما تؤمر و اعرض عن المشركين}الحجر /94.
ب) البدء بالمقربين:
انطلق الرسول في دعوته بدءاً من عائلته حيث شكل النواة الأولى المكونة من زوجته السيدة خديجة (ع) والإمام علي (ع) الذي لم يتجاوز الثالثة عشرة وزيد بن حارثة ربيب رسول الله (ص) وكانت هذه العائلة هي القاعدة الأولى التي ستنطلق منها الدعوة الرسالية.
ج) الحكمة في الدعوة:
كان الرسول الأكرم (ص) حكيماً في دعوته، فهو يعي متى وكيف يستخدم الأسلوب الأمثل، ومن يدعو ومن يستجيب لدعوته، ومن يرفضها.
ولهذا نجد القرآن يؤكد على أن يكون الأسلوب أسلوباً حكيماً حيث يقول ربنا : {أدعُ إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن}النحل /125.
د) نبذ العنف في الدعوة:
فلم يجبر الرسول الأكرم الآخرين على الدخول في الإسلام، وكان الشعار الإسلامي : {لا إكراه في الدين} البقرة /256، فكل إنسان حر في اختياره و{ما على الرسول إلا البلاغ المبين}العنكبوت /18. و {فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر\"} الكهف /29. {\"أ فأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين}يونس/99.
كما إن غزوات الرسول لم تتخذ طابع العدوان وإنما كانت في أغلبها حروباً دفاعية، كما يذكر ذلك الإمام السيد محمد الشيرازي قدس سره في كتابه (الصياغة الجديدة ص 351).
ثالثاً: أخلاقيات الدعوة:
وحينما نريد الكتابة عن أخلاقيات الرسول فإننا بحاجة إلى كتابة المجلدات، وكل ما نكتبه عن هذه الأخلاق العظيمة إنما هو نقطة في بحر، ولكننا نذكر من أخلاقيات الدعوة التي تسهم في التأثير في نفوس الآخرين ما يلي:
أ) الرحمة وعدم الغلظة. وقد تحدث القرآن عن ذلك بقوله: {ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ...} ويقول تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} فلكي تكتسب قلوب الآخرين لابد من أن تملأ قلبك الرحمة و الرأفة.
ب) التواضع: يقول تعالى: {واخفض جناحك للمؤمنين} أي تواضع لهم وفي السيرة النبوية الكثير من الشواهد على ذلك، ومن أروع ما ضربه مثلاً في التواضع أنه (ص) كان في سفر مع أصحابه فأمر بإصلاح شاة.
فقال رجل: يا رسول الله، عليّ ذبحها.
وقال الآخر، عليّ سلخها.
وقال الآخر: عليّ طبخها.
فقال رسول الله (ص ): وعليّ جمع الحطب.
فقالوا يا رسول الله، نحن نكفيك.
فقال: قد علمت أنكم تكفوني و لكن أكره أن أتميز عليكم، فإن الله يكره من عبده أن يراه متميزاً بين أصحابه، و قام فجمع الحطب.
ج) حسن الاستماع: فقد كان (ص) يصغي بكل مسامعه لمن يعرض عليه شيئاً من مشاكله أو ما يهمه فقد ورد عند أرباب السير ما وضع أحدُ فمه في أذنه إلا أستمر صاغياً حتى يفرغ من حديثه و يذهب، وجاء أيضاً كان حسن الإصغاء إلى محدثه لا يلوي عن أحد وجهه و لا يكتفي بالاستماع إلى من يحدثه بل يلتفت إليه بكل جسمه.
د ) الابتسامة و البشاشة: فمع كثرة المشاغل، ومع ما تتطلبه القيادة، وما مر به الرسول من أحداث ساخنة إلا أنه ومع كل هذا بقي صاحب البسمة التي كانت ترتسم على شفتيه.
وقد ورد في القرآن الكريم توبيخ لذلك الرجل الذي عبس في وجه الصحابي عبدالله بن أم مكتوم حيث يقول ربنا: {عبس و تولى أن جاءه الأعمى...} حيث كان من عمل الرجل إهانة لهذا الصحابي.
وسيرة الرسول الأكرم مفعمة بالمواقف التي تنم عن بشاشته مع أهله و أصحابه و بقية الناس.
وهكذا هي سيرة الرسول الأكرم (ص) تمثل الدرس المثالي في كيفية إيصال الفكرة، ونشر المبادئ الرسالية وجعل الآخرين يقبلون بها دون أي تردد.
وما أحوجنا إلى تعلم هذا الدرس وأن نتخذ من سيرة الرسول خير أسوة و قدوة، حيث يقول ربنا: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}الأحزاب /21.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد