صفات الدعاة 2-2


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 أن يكون على بصيرة : قال الله تعالى (قُل هَذِهِ سَبِيلِي أَدعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ, أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشرِكِينَ[108])  [سورة يوسف]. والبصيرة في الدعوة: العلم العميق بالشرع ومقاصده، مع الاتصال الوثيق بالله، فمن كان عالمًا، قوي الصلة باللهº كان على بصيرة، والبصيرة بعد ذلك هي اليقين، والفطنة، وسعة الإدراك، والكياسة، والبرهان.

 

 مجالات التبصر في الدعوة :

 التبصر بموضوع الدعوة: وهو الدين بمراتبه الثلاث: الإحسان والإيمان والإسلام، كما في حديث جبريل - عليه السلام- فيقف على أركانها، وحدودها، وفروضها، ومستلزماتها، علمًا وعملاً ودعوة، وهذا من أهم ما يجب أن يتبصره الدعاةº لأن من يجهل ما يدعو  إليه فقد ضل سعيه، وكان كحاطب ليل، وربما هدم وهو يروم البناء.

 

 التبصر بأساليب الدعوة وطرائقها: ومناهج الإصلاح ومقاصده، والعلم بظروف الزمان، والمكان، والحال، والبيئة، وأحوال الناس، فلكل مقام مقال، ولكل حال مآل، والحكيم من الدعاة من يضع أقواله وأعماله مواضعها الحسنة بالأسلوب الأمثل، والمنهج العدل، والطريق الأقوم.

 

 التبصر بأحوال المدعوين: وأخلاقهم وعوائدهم وطباعهم وأعرافهم، وما يصلح لهم وما يقبلون عليه ويتقبلونه، وما ينفرون عنه، فيعطي لكل الأحوال ما يلائمها من أسلوب ووسيلة، ويصف لكل ذي سقم دواءه من غير أن يكلف نفسه أو غيره الشطط من غير طائل ما دام في المكنة الوصول إلى القلوب من أيسر سبيل، ومن تأمل هدي النبي - صلى الله عليه وسلم- في مثل هذاº وجده أكمل هدي وأعدله.

 

 التبصر بأخلاق الدعاة ما ينبغي أن يتحلوا به مما تشمله الأخلاق الإسلامية: كالرفق، والحلم، والأناة، والصبر، وسعة البال، ولين الجانب، وطول النفس، وإدامة المودة، والبشاشة، وإفشاء السلام، إلى غير ذلك من حميد الأخلاق وكريم الخصال.

 

التبصر بأهداف الدعوة الإسلامية، ومقاصدها العليا: وهي على الجملة إخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العالمين، ومن حمأة الشهوات والأهواء إلى نور التقوى، ومن حضيض المعاصي إلى رفعة الطاعة.

ومن فقه هذه المجالات، وتدبرها على هدي الكتاب والسنة، ودعا الناس إلى الله ـ تعالى ـ كان من أهل البصيرة والنور.

 

  الصبر وتحمل المشاق في سبيل الدعوة : الصبر هو مكابدة النفس على الطاعات وكفها عن السيئات والاحتساب على البلاء.

 

ولا يخفى ما للصبر من أهمية بالغة في حياة المسلم عامة، وفي مسيرة الدعوة والدعاة خاصة، ويكفي دلالة على أهمية الصبر وفضله وعظيم مكانته: أنه مناط الأعمال كلهاº إذ الأعمال إما طاعة أو معصية، وكل طاعة فإنما تتحقق بالصبر، وكل صبر على الطاعة فهو صبر عن المعصيةº لأن ترك المعصية طاعة، وترك الطاعة معصية، ولهذا ذكر الله - عز وجل- في غير موضع من كتابه العزيز أنواعًا من الطاعات و القربات ثم سماها صبرًا تنويهًا بأن الصبر سبيل تحقيقها، من مثل قوله تعالى: ( الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهدِ اللَّهِ وَلَا يَنقُضُونَ المِيثَاقَ[20]وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخشَونَ رَبَّهُم وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ[21]وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابتِغَاءَ وَجهِ رَبِّهِم وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقنَاهُم سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدرَءُونَ بِالحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُم عُقبَى الدَّارِ[22]جَنَّاتُ عَدنٍ, يَدخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِن ءَابَائِهِم وَأَزوَاجِهِم وَذُرِّيَّاتِهِم وَالمَلَائِكَةُ يَدخُلُونَ عَلَيهِم مِن كُلِّ بَابٍ,[23]) [سورة الرعد].

 فذكر الله الوفاء بالعهود، وصلة الأرحام، وخشية الله، والخوف من يوم الحساب، والصبر لله - عز وجل- لا لشيء آخر، و إقام الصلاة، والإنفاق سرًا وعلانية، ودفع السيئة بالحسنة .. ثم سمى كل ذلك صبرًا لأنها لا تتم إلا به.

 

 أنواع الصبر:

 الصبر على طاعة الله - عز وجل-.

 والصبر عن المعصية.

 والصبر على الأقدار.

 وأكمل هذه الأنواع الصبر على الطاعة، قال ابن القيم - رحمه الله- :\'والصبر على أداء الطاعات أكمل من الصبر على اجتناب المحرمات وأفضل، فإن مصلحة فعل الطاعات أحب إلى الشارع من مصلحة ترك المعصية، ومفسدة عدم الطاعة أبغض إليه وأكره من مفسدة وجود المعصية\'.

 والصبر في حياة الدعاة يشمل هذه الأنواع الثلاثة، ونركز الحديث هنا على النوع الثالث من أنواع الصبر، وهو الصبر على ما يلقاه الدعاة في سبيل الدعوة ولازم هذا الصبر.

 

 لوازم الصبر في مجال الدعوة:

للصبر في مجال الدعوة وفي حياة الدعاة لوازم كثيرة، بتحققها يتحقق الصبر على أكمل وجوهه، ومن أهم لوازم الصبر:

 

 تحمل عنت المدعوين و جحودهم وكيدهم وصدودهم: وكيد المناوئين ملازم لكل دعوة إصلاح، وهذا جلي في قول الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم- :(يَا أَيٌّهَا الرَّسُولُ بَلِّغ مَا أُنزِلَ إِلَيكَ مِن رَبِّكَ وَإِن لَم تَفعَل فَمَا بَلَّغتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعصِمُكَ مِنَ النَّاسِ[67]) [سورة المائدة] . والعصمة هنا هي: الحفظ والرعاية والتعهد، فمن بلّغ عن الله فلابد أن يكاد، وعليه بالتحمل وعدم الفتور عن الدعوةº لأنه لابد أن يصيبه ما يكره إما في النفس، أو المال، أو العرض، أو غير ذلك، وقال ـ تعالى ـ على لسان لقمان الحكيم:(يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأمُر بِالمَعرُوفِ وَانهَ عَنِ المُنكَرِ وَاصبِر عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِن عَزمِ الأُمُورِ[17]) [سورة لقمان]. ولو أن الدعاة لم يتحملوا ما يصيبهم من أذى في سبيل اللهº لم يستمروا في أداء واجبهم، فمقتضى الصبر: التحمل والثبات والاستمرار.

 

ترك العجلة في الوصول إلى ثمار الدعوة، وترك استعجال الاستجابة: فمن الثوابت الراسخة في مسائل الدعوة، ومما ينبغي أن يعيه الدعاة: أن على الدعاة أن يولوا جانب التبليغ وإيصال الحق للمدعو كل الاهتمام بإقامة الحجة وإيضاح الدليل والبرهان والاستمالة لا أن يشغلوا أنفسهم بغير ذلكº لأن الهداية بيد الله :( وَلَو شَاءَ رَبٌّكَ لَآمَنَ مَن فِي الأَرضِ كُلٌّهُم جَمِيعًا...[99] ) ]سورة يونس].

 ولقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يدعو الناس في مكة وكان ذلك دأبه مع قلة المؤمنين يومئذ، وكانوا كما قال عمار - رضي الله عنه- :\' رَأَيتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- وَمَا مَعَهُ إِلَّا خَمسَةُ أَعبُدٍ, وَامرَأَتَانِ وَأَبُو بَكرٍ,\'   رواه البخاري .

 ومما يدل على أن ترك الاستعجال من لوازم الصبر: ما ورد عَن خَبَّابٍ, قَالَ: أَتَينَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُردَةً فِي ظِلِّ الكَعبَةِ فَشَكَونَا إِلَيهِ فَقُلنَا أَلَا تَستَنصِرُ لَنَا أَلَا تَدعُو اللَّهَ لَنَا فَجَلَسَ مُحمَرًّا وَجهُهُ فَقَالَ: [قَد كَانَ مَن قَبلَكُم يُؤخَذُ الرَّجُلُ فَيُحفَرُ لَهُ فِي الأَرضِ ثُمَّ يُؤتَى بِالمِنشَارِ فَيُجعَلُ عَلَى رَأسِهِ فَيُجعَلُ فِرقَتَينِ مَا يَصرِفُهُ ذَلِكَ عَن دِينِهِ وَيُمشَطُ بِأَمشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ عَظمِهِ مِن لَحمٍ, وَعَصَبٍ, مَا يَصرِفُهُ ذَلِكَ عَن دِينِهِ وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الأَمرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مَا بَينَ صَنعَاءَ وَحَضرَمُوتَ مَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ تَعَالَى وَالذِّئبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُم تَعجَلُونَ]  رواه البخاري وأبو داود-واللفظ له- .

 ويؤخذ من الحديث أن لله - عز وجل- سننًا نافذة لا تتخلف ولا تتبدل، وما على الدعاة إلا إبلاغ الحق والخير للناس لتكون لهم المعذرة إلى ربهم، والله يهدي ببركة هذه الدعوة من يشاء.

 

الاستمرار في الدعوة والمداومة عليها دون كلل ولا ملل ولا تذمر ولا تبرم: فدين هو الحق المبين وللحق غلبة وهيبة وقوة، تسكب في فؤاد الداعي أملاً لا ينقطع، فيكون أبعد الناس عن اليأس والإحباط، والدعاة وهم يرون الحق في قوته وظهوره وعلوه يستمدون من الله يقينًا فوق يقينهمº فإذا هم ماضون في الدعوة بعزيمة نافذة وكما قالت الرسل، وقد نالت منهم طوائف المكذبين الجاحدين فقالوا:( وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَد هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَليَتَوَكَّلِ المُتَوَكِّلُونَ[12]) [سورة إبراهيم].

 ولقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم- ينال منه عتاة المشركين ومع ذلك يمضي في دعوته قدمًا مثابرًا محتسبًا صابرًا، قَالَ عَبدُ اللَّهِ: كَأَنِّي أَنظُرُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يَحكِي نَبِيًّا مِن الأَنبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَومُهُ فَأَدمَوهُ وَهُوَ يَمسَحُ الدَّمَ عَن وَجهِهِ وَيَقُولُ: [اللَّهُمَّ اغفِر لِقَومِي فَإِنَّهُم لَا يَعلَمُونَ] ) رواه البخاري ومسلم .

 

 أثر الصبر في نجاح الداعي : للصبر أثره الحميد في نجاح الداعي وتحقق غايته وهي: دلالة الناس على الخير, وسبله، وصبر الداعي يكون في تحمل ما يلقاه من صدود وجحود، وما يكاد له في سبيل منعه، أو عرقلته من محاولات ودسائس، وما تنشر حوله من إشاعات وأكاذيب واتهامات، ولقد واجه النبي - صلى الله عليه وسلم- كل هذه الألوان الموحشة من جحود الناس وصدودهم وفجورهم، فصبر وصابر ورابط حتى بلغت دعوته الآفاق - صلى الله عليه وسلم- .

 وكان عليه الصلاة والسلام حين يواجههم بالصبر الجميل، ويقابل إيذاءهم بالتحمل والحلم والاحتساب كان يصارحهم بذلك، وأنه ماض فيما هو فيه، وأن هذا العدوان لن يثنيه عن الحق الذي آمن به ! فبعد أن أغروه بزخرف الدنيا وزهرتها، وهم يودون صرفه عن الدعوة وشجونها قال لهم: [ما بي ما تقولون ما جئت بما جئتكم به أطلب أموالكم، ولا الشرف فيكم، ولا الملك عليكم ولكن الله بعثني رسولاً وأنزل عليّ كتابًا وأمرني أن أكون لكم بشيرًا ونذيرًا، فبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه عليّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم] السيرة لابن هشام.

 وفي هذا منهاج للدعاة والسائرين في طريق الرسل - عليهم الصلاة والسلام- ، وفيه بيان لما ينبغي أن يكون عليه الداعي في مضي العزيمة والحلم والاعتزاز بالحق، وأن الدعاة لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن الدعوة إلى الله، ولا تغريهم زخارف الدنيا، وفي هذا ولا ريب يكمن السر الذي تثمر به الدعوة.

لقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم-  قمة في صبره، قدوة في مصابرته، وتحمله وحلمه، فهو أصبر الناس على جفوة الناس و جحودهم، وأصبر الناس بعده هم أمثلهم طريقة، وأكثرهم عزيمة، وأقربهم إلى المنهاج النبوي، ومصداق ذلك ما ورد عَن سَعدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ, قَالَ: قُلتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيٌّ النَّاسِ أَشَدٌّ بَلَاءً قَالَ: [الأَنبِيَاءُ ثُمَّ الأَمثَلُ فَالأَمثَلُ يُبتَلَى العَبدُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِن كَانَ فِي دِينِهِ صُلبًا اشتَدَّ بَلَاؤُهُ وَإِن كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَمَا يَبرَحُ البَلَاءُ بِالعَبدِ حَتَّى يَترُكَهُ يَمشِي عَلَى الأَرضِ وَمَا عَلَيهِ مِن خَطِيئَةٍ,] رواه ابن ماجة والترمذي والدارمي وأحمد.

ومن فوائد هذا الحديث: أن الابتلاء سنة في حياة المسلم، وفي حياة الدعاة على الأخص، قال تعالى: ( الم [1] أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُترَكُوا أَن يَقُولُوا ءَامَنَّا وَهُم لَا يُفتَنُونَ [2] وَلَقَد فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبلِهِم فَلَيَعلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعلَمَنَّ الكَاذِبِينَ [3]) [سورة العنكبوت].

 ومن فوائد الحديث أيضًا: أن البلاء يكفر السيئات، ويرفع الدرجات، وهذا هو مبتغى الدعاة، وعفو الله أوسع .إن الصبر كما أنه من عوامل نجاح الدعاة هو أيضًا زادهم وعدتهم، به تزكو نفوسهم وتطهر أفئدتهم، نسأل الله أن يجعلنا من أهل الصبر والإنابة.

 

 الصدق: وهو من خصائص أهل الإيمان والتقوى، قال تعالى:( إِنَّ المُسلِمِينَ وَالمُسلِمَاتِ وَالمُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ وَالقَانِتِينَ وَالقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالخَاشِعِينَ وَالخَاشِعَاتِ وَالمُتَصَدِّقِينَ وَالمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالحَافِظِينَ فُرُوجَهُم وَالحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَغفِرَةً وَأَجراً عَظِيماً[35]) [سورة الأحزاب]. فمن اتصف بهذه الصفات العظام وكانت لباسه وحليته فقد فاز .. نسأل الله أن يجعلنا منهم !.

ولقد أمر الله عباده المؤمنين بأن يكونوا مع الصادقين، ويلازموا الصدق في كل الأحوال فهو سبيل النجاة من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، قال تعالى:( يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [119])[سورة التوبة].

 والصدق طريق البر والجنة على عكس الكذب الذي هو طريق الفجور والنار، فعَن النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: [إِنَّ الصِّدقَ يَهدِي إِلَى البِرِّ وَإِنَّ البِرَّ يَهدِي إِلَى الجَنَّةِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا وَإِنَّ الكَذِبَ يَهدِي إِلَى الفُجُورِ وَإِنَّ الفُجُورَ يَهدِي إِلَى النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكذِبُ حَتَّى يُكتَبَ عِندَ اللَّهِ كَذَّابًا] رواه البخاري ومسلم.

 

 مجالات الصدق في حياة الدعاة:

الصدق في القصد: ويستلزم إخلاص النية لله في الدعوة وفي كل طاعة وقربة، فلا يدعو لطلب جاه ولا محمدة ، ومتى دخل شيء من هذه الشوائب النية خرج الإخلاص المشروط لقبول العمل، ومتى حصل الصدق في القصد وتحقق الإخلاصº أثمر ذلك عزيمة صادقة وإرادة ماضية، فلا يتوانى الداعي الصادق عن المضي في إيصال الحق والخير للناس ينبغي بذلك وجه الله والدار الآخرة، يتعلم ويعلم، ويتوخى الحق أينما كان.

 

 الصدق في القول: ويستلزم أن لا ينطق الداعي بالباطل أيًا كانت صورة هذا الباطل كذبًا أو شتمًا، أو سبابًا أو لعنًا، أو فحشًا، أو غيبة، أو نميمة، أو قول الزور .. وعلى الجملة فهو أبعد الناس عن آفات اللسان . هذا ما يمس حياة الدعاة وسيرتهم الذاتية.

 

 الصدق في العمل: بموافقة القول العمل، وموافقتهما هدي الكتاب والسنة، و لا يدعُ إلا على بصيرة، ومعرفة بالحق ودليله، وبعد تبصر وتفقه، فالدعوة لا تصح إلا على بصيرة .. ولا يعظ الناس إلا بالصادق من القصص والأمثال، ويبتعد عن الكذب والدجل والأحلام والرؤى التي لا يعرف مصدرها ولا صدقها ولا عدالة صاحبها ولا ثبوتها عنه .. فدين الله - عز وجل - مصدره الكتاب والسنة وفهم السلف.

 

 أثر الصدق في نجاح الدعاة:

للصدق أثره البالغ في مسيرة الدعاة، إذ يظهر الصدق في كلام الداعي، وسمته، ولهجته، وحرارة عاطفته، فيؤثر ذلك في المدعوين، ويترك فيهم انطباعًا عميقًا بمصداقية الفكرة التي يدعو إليها ويؤمن بها . ولقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يحدث الذين يلقونه أول مرة فيقولون : والله ما هذا بوجه كذاب ولا بكلام كذاب! وإذا كان المسلم مطالب بالصدق في الأقوال والأعمال والمقاصد فلا جرم أن الدعاة إلى الله ـ تعالى ـ وهم صفوة المسلمين، الصدق في حقهم ألزم وأوجب.

 

وللصدق أثره الحميد في التآلف و التودد وتقارب القلوب، على عكس الكذب الذي يغرس الضغينة، ويرفع الثقة، ويورث الريبة بفعل التلون والتغير وعدم الثبات الذي يتصف به الكاذب، ومن هذا المنطلق كان من لوازم الصدق ترك كل آفات اللسان كالهمز واللمز والقيل و القال وكثرة السؤال. ومتى تآلفت القلوب وتصافت واجتمعت على محبة اللهº سرت الدعوة في المجتمع سريان الماء في الزرع فأمدته بالحياة والنماء والبقاء، ونمى في المجتمع ـ كذلك ـ الإيمان واستوثقت عراه وارتفعت أعلامه.

 

 والصدق يزرع في النفوس الثقة والطمأنينة، فيركن الناس إلى الدعاة الصادقين، ويثقون فيهم وبهم ويأمنونهم، وتقوية هذه الوشائج بين الدعاة والمدعوين من أهم أسباب نجاح الدعوة، ولا يتحقق ذلك إلا بالصدق. ومتى وثق الناس في الداعي لصدقهº فتحوا له القلوب فاستمعوا إليه إذا تحدث، وقبلوا إرشاده وتوجيهه إذا وجّه وأرشد، وتوجهوا إليه يسألون ويستفتون.. وحصل التواصل بينه وبينهم وهي نعمة لا تقدر بثمن ولم تحصل إلا بفضل الله، ثم بفضل الصدق، ونقاء الصفة، وخلو السيرة من مساوئ الأعمال والأخلاق... نسأل الله الثبات في الأمر! ، والعزيمة في الرشد! ، والصدق في القول! ، والعمل، والمقصد!.

   

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply