لا تكن رقما


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 ليس ثمة إنسان في هذه الدنيا خلقه الله عبثا، وليس ثمة مسلم لا دور له في الحياة، فلم يخلقنا الله لنكون أرقاما تزيد في رصيد البشرية وإنما أوجدنا الله - تعالى - لعبادته والدعوة إليه سبحانه.

وقد يستكثر المرء على نفسه أن يكون فاعلا ومؤثرا لإمكاناته المحدودة وقدراته القاصرة إلا أنه لابد أنه طاقة عظيمة هائلة فاعلة ومؤثرة في الآخرين، إما من خلال أقوالك أو من خلال أفعالك بل إن بعض الناس فاعل حتى من خلال شكله وهيئته ومنظره.

 

إن نقطه الانطلاق للتأثير في الآخرين والعمل على نشر الخير هي الحرص النابع من القلب على هدايتهم وتغيير أحوالهم فانبعاث الحرص من القلب المخلص وتحرقه من أجل هداية الآخرين هو في حد ذاته إيجابية مطلوبه منك وقد كان الحرص على هداية الآخرين كفارا كانوا أم فساقا ملازما لرسول الله            - صلى الله عليه وسلم - إذ يقول الله له ((فلا تذهب نفسك عليهم حسرات))، ويقول - تعالى - ((فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا)) ومعنى باخع: قاتل نفسك حسرة وقهرا على هؤلاء.

والسؤال هو: من هم هؤلاء الذين يتحسر عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ أو ليس الله قد غفر لأزواجه وأبنائه وأصحابه فمن بقي إذن ليتحسر عليهم؟ إنهم عموم الناس من الكفار والفساق، وقع الهم في نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتحرك لأجل إنقاذهم.

 

إنك أيها الأخ العزيز تستطيع أن تقدم الكثير الكثير من أجل خدمة دينك وإعلاء كلمة ربك بدءا بمعالجة نفسك ثم التأثير في بيتك وأهلك ثم عملك ثم عموم المسلمين، نعم قد فاوت الله القدرات بين الناس إلا أنه ليس ثمة إنسان ملغي أو مجرد رقم لا أثر له في واقع هذه الأمة وكما قال - صلى الله عليه وسلم -:((لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق)).

وإياك واليأس والعزلة عن المجتمع وانتظار النصر الغيبي دون العمل حتى لبس البعض ثوب القنوط والتفجع والحزن على العالم، مع إظهار الشكوى والتأوهات وهم قعود لا يحركون ساكنا بحجة أن العالم فسد بفعل تراكمات سابقة وستصلحه أجيال لاحقه.

وقد قال - صلى الله عليه وسلم - ((إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم)) مسلم. وتذكر أخي أن طول دعوة نوح وكثرة فساد قومه وقلة أنصاره وأتباعه لم تمنعه من الاستمرار.

وما أسهل وأيسر أن يقعد المرء في مقاعد اليائسين السلبيين ويطيل التفجيع والحزن على مآسي المسلمين ويستعيض عن الدعوة وإصلاح الناس ومخالطتهم بالاعتكاف في الصوامع ومحاريب العبادة إلا أن ذلك لن يغير من واقع الأمة شيئا.

فقد يجد المرء لذة العبادة وصفاء القلب في العزلة والأنس، بالخلوة والتعبد وطلب العلم والأمن من أذى الخلق إلا أن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم.

فتذكر أخي الكريم أن الناس ينتظرون منك العطاء فقد تكون سببا لنجاة قريب أو بعيد من النار وأما من حولك إما لك أو للهوى أو للشيطان وأتباعه وأن المصير إما إلى جنه أو إلى نار.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply