الرسالة الإيمانية للمسجد


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 المسجد بيت الله··· وملاذ المؤمنين وكهفهم الآمن··· كما هو ساحة العبادة والطاعة والطمأنينة والخشوع التي يلجأ إليها المسلم بين الحين والآخر··· فلا يشعر قلب المؤمن بهذه الراحة إلا حين يقف بين يدي الله - سبحانه وتعالى -، يستشعر عظمة الله، فيتحقق فيه معنى العبودية الكاملة، وهكذا المسجد استمد هذه الصفة كونه بيت الله، يتذوق فيه المؤمن الراحة والأمن والطمأنينة، خلاف ما يجده في بيته وبين أهله وأولاده، فإن كان في صلاته خاشعاً أو جالساً يقرأ كتاب الله، أو حتى إن كان متكأ إلى جدار المسجد يشعر أنه في حمى الله ملك الملوك، متيقناً ألا يمسه سوء وهو في حضرته، مؤمناً أنه لا يصيبه إلا ما كتبه الله له أو عليه، متفائلاً بمستقبله المشرق بعد هذا اللقاء الرباني، مستبشراً بقول الحبيب محمد - صلى الله عليه وسلم -: \"من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فانظر يا بن آدم، لا يطلبنك الله من ذمته بشيء\"  رواه مسلم·

لقد فرض الله تعلى على المسلمين كثيراً من العبادات أعلاها منزلة الصلاة، وقد أكد وجوبها في جميع الأحوال والأزمان فقال - تعالى -: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً) النساء: 103، وبيَّن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كيفيتها فقال:  \"صلِّ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب\" رواه البخاري، وقد خصَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد بالصلاة في المقام الأول وبين فضل أدائها في المسجد فقال:  \"صلاة الرجل في جماعة تضعّف على صلاته في بيته وفي سوقه خمساً وعشرين ضعفاً \"رواه مسلم، وبيَّن - صلى الله عليه وسلم - أن المكث في المسجد له أجر الصلاة فقال: \"لا يزال أحدكم في صلاة مادامت الصلاة تحبسه، ولا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلى الصلاة\" متفق عليه، كما أُلحقت بالصلاة في المسجد كثير من العبادات والطاعات المرتبطة بها مثل قراءة القرآن وحفظه، الذكر والتسبيح، حلق العلم ودروس المسجد، وغيرها من النوافل والسنن، والمسلم حين يأتي إلى المسجد طائعاً مولاه يرجو مغفرته ويخاف عذابه إنما يأوي إلى ركن شديد، هو ركن الله العزيز الحميد، فتهدأ نفسه ويسكن فؤاده، ويستشعر رحمات ربه الكريم المجيد، تسري هذه الرحمات في عروقه وأعصابه، فيكون هذا اللقاء الفريد تصحيحاً لما تموج به الحياة من آثار سيئة ومعاصٍ,، وتزكية تتكرر كل يوم خمس مرات من أجل سلامة الصدر وطهارة القلب، فلا تزال أجواء المسجد بالمسلم حتى تفيض على إنسانيته إنسانية الطهر والطمأنينة، فيجد في كيانه الروحي الأنس والود، والاعتصام بربه - جل وعلا -، ومن كل ذلك يأخذ الزاد لفكره، والنور لقلبه، والمدد لإرادته··· كما يقول- تبارك وتعالى -: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله، ألا بذكر الله تطمئن القلوب) الرعد: 82·

إن لتحقيق هذه الرسالة العظيمة أموراً يسن للمسلم أن يؤديها متمثلة في آداب المسجد وسننه، منها ما يلي:

1 ـ التسمية قبل دخول المسجد والدخول بالرجل اليمنى·

2 ـ دعاء دخول المسجد وعند الخروج منه، كما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: \"إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي وليقل: اللهم أفتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليسلم على النبي وليقل اللهم إني أسألك من فضلك \"رواه أبوداود·

3 ـ أن ينوي الاعتكاف قدر ما يمكث·

4 ـ أن يؤدي صلاة تحية المسجد لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: \"إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين\" متفق عليه·

5 ـ يكره رفع الصوت حتى ولو كان بذكر الله أو قراءة القرآن، حتى لا يشوش على الآخرين·

6 ـ يكره الكلام المباح في المسجد والتحدث بأمور الدنيا غير النافعة·

7 ـ الإكثار من الذكر والدعاء وقراءة القرآن، فقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: \"أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر، لا يضرك بأيهن بدأت \"رواه مسلم·

8 ـ الحرص على حضور مجالس العلم لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: \"ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده \" رواه مسلم·

9 ـ أن تراعي حرمة المسجد بالبعد عن الجدل والنقاش المذموم وعقد الصفقات الدنيوية·

10 ـ يكره لمن أكل ثوماً أو بصلاً دخول المسجد لقوله - صلى الله عليه وسلم -: \"من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا أو فليعتزل مسجدنا \" متفق عليه·

لقد حرص الرسول - صلى الله عليه وسلم - في بداية إنشاء دولة الإسلام في المدينة على تأصيل هذه الرسالة، حيث كان أول عمل بدأه - صلى الله عليه وسلم - بناء المسجد، فقد جعله التقاء لأرواح المسلمين بخالقهم وحلقة الوصل بين هذه القلوب المؤمنة وبين بارئها، فارتبطت هذه القلوب بالله، وتشبث الإيمان بها فكانت الفتوحات تصل إلى مشارق الأرض ومغاربها وعمَّت دولة الإسلام في كل أرجاء المعمورة، حيث دخل الكثير من الناس في دين الله أفواجاً·

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply