هل تؤدي المساجد دورها المفترض في حياة المسلمين؟


بسم الله الرحمن الرحيم

 

قال - تعالى-: ((وأنّ المساجد لله فلا تدعو مع الله أحداً)) في إشارة واضحة لمكانة المساجد التي نسبها الله - جلّ وعلا - إلى نفسه، كما قد وضع الله هذه المساجد ورعايتها عهدة عند الأنبياء فقال - تعالى-: ((وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركّع السجود))، وقد عزّزّ الرسول الكريم - صلّى الله عليه وسلّم - هذه المكانة عبر جعله بناء المسجد هو العمل الأوّل الذي همّ به فور هجرته للمدينة المنوّرة، كما قد لعبت المساجد دور حجر الأساس في بناء حياة المسلمين الدينيّة والسياسيّة والاجتماعية منذ نزول الرسالة، مروراً بالعصور الإسلاميّة، وانتهاءً بالوقت الحاضر الذي يرى فيه البعض غياباً واضحاً لدور المساجد في المجتمعات الإسلاميّة، فكان هذا الاستطلاع الذي حاولنا من خلاله الاقتراب من عالم المساجد للوقوف على حقيقة وضعها في مجتمعنا حاليّاً، مع التنويه لكون الآراء الواردة لم تقتصر على مصلّيي مسجد بعينه.

 

المسجد اجتماعيّاً وثقافيّاً:

تجدر الإشارة لكون أنّ الجانب الاجتماعي للمسجد بالنظر للهدي النبوي، والتاريخ الإسلاميº يتمثّل في التعارف والتزاور ما بين المصلّين، وتفقّد الغائب منهم، وإصلاح ذات بينهم، كما أنّ المسجد كثيراً ما يلعب دوراً تكافليّاً عبر صناديق المساعدة الماليّة، وهو ما علّق عليه (إبراهيم حميدان، 45 عاماً) قائلاً: \"لم تعد مسألة التكافل المادّي عبر المساجد بهذه البساطة، ففي رمضان خصوصاً يطلب العشرات يوميّاً ممّن يدّعون انتمائهم لجمعيّات خيريّة المساعدة من المصلّين\"، و يزيد قائلاً: \"عدا عن المتسوّلين الذين يفترشون باحة المسجد، ويزعجون المصلّين في إلحاحاتهم المتكرّرّة\"، ويتحدّث (أشرف أبو فارة، 33عاماً) قائلاً: \"الكلّ منشغلون في وظائفهم ومسؤوليّاتهم، فالبعض يصلّي الظهر في المسجد القريب من عمله، وفي المساء يصلّي في مسجد آخر، ويوم الجمعة في مسجد ثالث، ممّا جعل معظم المصلّين لا يعرفون بعضهم\"، ويشتكي البعض من غياب البهجة الاجتماعية للمساجد وخصوصاً في الأعياد والمناسبات الدينيّة، واقتصار مظاهر الاحتفال بها على خطبة الجمعة التي تتناول المناسبة بتقليديّة شديدة، وصلاة العيدين، فتقول (مريم قفّاص، 32 عاماً): \"نتمنّى لو يؤدّي المسجد دور الديوان الذي يضمّ أهالي الحيّ جميعاً للاحتفال بالمناسبات الإسلاميّة\"، و يقترح (محمود الهايب، 40 عاماً) و(موسى صايل، 48 عاماً) بعض الحلول التي يتمنّيان لو تبنّاها المسجد كتنظيم رحلات عمرة لروّاد المسجد المنتظمين، وتخصيص أيّام خيريّةº لا تقتصر على رمضان فقط، يعدّ فيها أهالي الحيّ الموائد الخيريّة للفقراء، ويشيران لكونهما لطالما حاولا تطبيق ذلك إلاّ أنّ \"يدّ واحدة لا تصفّق\" على حدّ قولهما، ومن المنتظر من المساجد لعب دور تعليميّ وتثقيفيّ أكبر من مجرّد احتوائها على مكتبة تضمّ كتب دينيّة، وحلقات وعظ، وتحفيظ للقرآن الكريم تقتصر على كبار السنّ والمتفرّغين في مقابل الغياب الواضح للفئة العمريّة الشابّة، وهو ما يعلّق عليه (علي مرعب، 18 عاماً) قائلاً: \"لا يخطر في بال معظمنا الالتحاق بحلقات تحفيظ القرآن في المسجد بسبب انشغالنا بالدراسة\"، ويضيف قائلاً: \"إلاّ أنّنّي وبعض الشباب في عمري نجلس لسماع بعض دروس الموعظة التي يلقيها الإمام بعد صلاة المغرب غالباً، وإن لم يكن ذلك بانتظام\"، و تتحدّث (ميساء عوض، 24 عاماً) عن قصدها مكتبة المسجد ذات مرّة أملاً منها في إيجاد كتب قد تعينها على معرفة بعض الأحكام الفقهيّة، فتقول: \"تفاجأت حينها بأنّ مكتبة المسجد لا تحوي إلاّ بعض المصاحف والكتيّبات المعدودة\".


مخالفات سلوكيّة في المساجد:

يبدر في عالم المساجد العديد من المخالفات الشرعيّة التي ينبّه لها الكثير من الأئمّة والمصلّين المدركين لآداب حضور المسجد، فمن هذه المخالفات في مصلّى النساء اصطحاب الأطفال الذين يزعجون المصلّين، عدا عن الثرثرة المستمرّة أثناء خطبة الجمعة ودروس الوعظ، وهو ما تعلّق عليه (فاتن الأشقر، 28 عاماً) قائلة: \"بعض النساء يعتبرن الحضور للمسجد نزهة لهنّ ولأطفالهنّ وحتى لخادماتهنّ\"، ويشير (نضال أمارة) الإمام في إحدى مساجد عمّان لبعض المصلّين الذين يتدخّلون بشؤون الإمام كآيات القرآن التي تتلى في الصلاة، عدا عن طرح آرائهم علناً، ومحاولة فرض أمزجتهم فيما يتعلّق بصوت الإمام، وطول الركوع والسجود والقراءة لاسيّما في صلاة التراويح، كما تنحصر معظم ملاحظات المصلّين في هذا النطاق على مسألة الروائح الكريهة التي لا يعيرها البعض اهتمامهم، وعدم إقفال الأجهزة الخلويّة أثناء الصلاة، بالإضافة لنوم البعض في المساجد وجلبهم للأطعمة، عدا عن التدافع عند الدخول والخروج، وتخطّي رقاب المصلّين، وهو ما يعلّق عليه أستاذ الشريعة في الجامعة الأردنيّة الدكتور محمّد القضاة قائلاً: \"يجدر بالمسلم القادم للمسجد أن يتحلّى بالآداب الإسلاميّة، ذلك أنّه قد قدم لإحراز الثواب، وليس العكس، فالإمام هو قائد المسجد، والذي لا يجوز التدخّل بحريّته إلاّ إذا بدر منه خطأ شرعيّ، أو تعدّى على أحد المصلّين بغير حقّ\"، ويشير لازدياد ظاهرة صلاة النساء في المساجد قائلاً: \"الأصل في صلاة المرأة أن تكون في البيت، إلاّ أنّ قصدها المساجد يجوز إذا لم يحدث تدافع واصطدام مع الرجال عند الدخول والخروج\"، ويلفت النظر لعدم جواز جميع الأعمال التي ذكرت وخصوصاً التحدّث بأيّ شكل من الأشكال أثناء خطبة الجمعة لأنّ ذلك يدخل في باب اللغو المنهي في الحديث الشريف: \"من قال لصاحبه أنصت والإمام يخطب فقد لغى\"، ويشير معظم المصلّين لظاهرتين مهمّتين، وإن بدتا خارج نطاق المسجد المباشر، وهنّ بسطات الخضار أمام المساجد وخصوصاً يوم الجمعة، وعدم وجود مواقف سيّارات تابعة للمساجد، ويعلّق على ذلك الإمام نضال أمارة قائلاً: \"لابدّ من وجود مواقف للسيّارات، ولكنّ ذلك يتبع إمكانيّات البناء، أمّا بالنسبة لبسطات الخضار فهي مزعجة وغير حضاريّة على باب المسجد، ولكن ليس بإمكاننا منعها طالما أنّها ليست في باحة المسجد، ومن غير أن ترتفع أصوات باعتها بما يؤثّر على المصلّين\".

 

الأئمّة وخطبة الجمعة:

يتحدّث عطوفة الدكتور عبدالرحمن إبداح مساعد أمين عامّ وزارة الأوقاف عن أسس اختيار أئمّة المساجد وخطباء الجمعة، معلّقاً بذلك على بعض الآراء التي تشكّكّ في أهليّة بعض الخطباء، قائلاً: \"يشترط في خطيب الجمعة الأهليّة للخطابة من حيث التحصيل العلمي الشرعيّ، وإلاّ فلا بدّ من عرضه على لجنة مختصّة للنظر في أهليّته\"، ويضيف قائلاً: \"وبعد ذلك لابدّ أن يكون معروفاً بالسيرة الحسنة، وسعة الأفق، واستيعاب القضايا المعاصرة\"، كما وقد كان القاسم المشترك في معظم الآراء حول خطب الجمعة هو غياب الواقع السياسيّ والاجتماعي عن معظمها، فيعلّق (أبو محمّد، 53عاماً) قائلاً: \"من غير المعقول أن يطرح الخطيب موضوعاً عامّاً كوجوب الزهد في الحياة في حين أنّ الأمّة الإسلاميّة تعاني أوضاعاً مزرية سياسيّاً\"، وتتحدّث (سهى حامد، 42عاماً) قائلة: \"لا يقتصر غياب الواقع في خطب الجمعة على الظروف السياسيّة بل حتّى الظروف الاجتماعية التي وإن طرقت فلا نجد لها حلولاً محدّدّة في نهاية الخطبة، والتي غالباً ما تكون طويلة وتحوي تكراراً كثيراً\"، وتزيد قائلة: \"البعض كذلك لا يراعي أنّ من المصلّين من هو أمّيّ، وذا ثقافة متواضعة، فيبتدئ بالاستعراض البياني المبالغ فيه\"، وهو ما ألمح إليه (عيسى أبو رزّ، 33عاماً) قائلاً: \"يطيل يعض الخطباء والأئمّة على المصلّين من غير مراعاة ظروف بعضهم الصحيّة، وظروف الجوّ كالمطر أو الحرّ الشديد\"، ويزيد قائلاً: \"يلجأ بعض الخطباء للانفعال والصراخ الشديد أثناء الخطبة، عدا عن تركيزهم على سلبيّات القضيّة المطروحة، وهو ما يثبّط معنويّات المستمعين\"، ويعلّق الدكتور عبدالرحمن إبداح على ذلك قائلاً: \"موضوع الخطبة متروك للخطيب يحدّدّه بما يراه مناسباً للظروف الوطنيّة والقضايا المستجدّة، إلاّ أنّ الوزارة تنبّه الخطباء لجميع المناسبات الدينيّة والقضايا الوطنيّة من باب الإعانة على اختيار مواضيع الخطبة\"، ويضيف قائلاً: \"كما تفضّل الوزارة ألاّ تزيد الخطبة عن ربع ساعة اتّباعاً للسنّة المطهّرة، ومراعاة لأحوال المصلّين\"، ويشير (أيمن عودة، 46 عاماً) للارتجال الواضح عند بعض الخطباء، عدا عن كون بعض الأئمّة لا يطرح عنواناً لخطبته ما يجعل بعض المصلّين لا يدركون الفكرة الرئيسة للخطبة حتّى انتهائها، وهو ما يعلّق عليه الدكتور إبداح قائلاً: \"نحن في الوزارة ضدّ الأداء المرتجل للخطبة، ونؤكّد على وجوب التحضير الجيّد، وترابط الأفكار، وتقديم الحلول المناسبة للمصلّين\"، وتشير سيّدة وزوجها رفضا ذكر أسمائهما لمسألة قراءة القرآن على المأذنة وهو ما وصفاه مسبّبّاً للكثير من اللبس عن هل كون ذلك أذان أم قرآن؟، و يعقّب على ذلك الدكتور إبداح قائلاً: \"الأذان في العاصمة عمّان موحّد في جميع المساجد، ويبثّ عبر الأثير من مسجد الشهيد الملك عبدالله بن الحسين، وسترصد الوزارة أيّة مخالفات في استعمال مكبّرات الصوت في المساجد، والتي تحدث لبساً لدى السامعين\"، وتعقيباً على الجانب المادّي لرواتب الأئمّة ونفقات المساجد والتي طرقت عبر الكثير من وسائل الإعلام وأصحاب الشأن واصفاً معظمهم إيّاها بـ\"غير الكافية\" يتحدّث الدكتور إبداح قائلاً: \"تقدّم وزارة الأوقاف للمساجد نفقات الماء والكهرباء ورواتب الموظّفين، كما أنّه عن طريق الوزارة تعفى المساجد من ضرائب المبيعات والرسوم الجمركيّة على الأثاث ومواد البناء، وتساهم الوزارة في تكاليف صيانة المساجد بقدر محدود\"، ويضيف: \"رواتب الأئمة موافقة لسلّم الرواتب المقدّر لجميع موظّفي الدولة، إلاّ أنّ للأئمّة علاوة وعظ وإمامة مقدارها %30 من الراتب الأساسي، كما أنّ لهم تأمين صحّي، وضمان اجتماعي، وراتب تقاعديّ كغيرهم من موّظفي الدولة\".

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply