بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
الحمد لله الذي جعل المساجد بيوتاً للعبادة، وراحةً للنفوس، وطمأنينةً للقلوب، ومرتعاً للذاكرين، ومجمعاً للمسلمين، ومنبراً للهداية والرشاد، ومقمعاً للغواية والفساد، قال - تعالى-: (( في بُيُوتٍ, أذن اللهُ أن تُرفع ويُذكر فيها اسمُهُ يُسبحُ لهُ فيها بالغُدُو والآصال رجالٌ لا تُلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافُون يوماً تتقلبُ فيه القُلُوبُ والأبصارُ ليجزيهُمُ اللهُ أحسن ما عملُوا ويزيدهُم من فضله واللهُ يرزُقُ من يشاءُ بغير حسابٍ, ))[النور: 36-38].
أخي الكريم: يا من أعطى للمساجد ظهره، ورأى في روضتها أسره، كلما سمع عبارات الأذان ولى وأدبر، وهرع إلى الزوايا وتستر، وترك إيقاعات الأذان تدوي في رحاب السماء (حي على الصلاة.. حي على الصلاة) لمن يتذكر!!!
أخي لقد حن المسجد إليك، واشتاق إلى طلة منك تعمره وتعود بالخير عليك، ولا يزال يدعوك في اليوم خمس مرات، بنداء ملؤه خير وعظات، لعلك تلبي منه دعوته، وتعمر بالخير خلوته (( يا قومنا أجيبُوا داعي الله وآمنُوا به يغفر لكُم من ذُنُوبكُم ويُجركُم من عذابٍ, أليمٍ, ومن لا يُجب داعي الله فليس بمُعجزٍ, في الأرض وليس لهُ من دُونه أولياء أُولئك في ضلالٍ, مُبينٍ, ))[الأحقاف: 31 - 32].
أأُخي لب نداءه ودع الهـــوى *** وارتع هنــــــــــــــــاك بركنه وتفقد
روح القلوب ينال في إعماره *** ما ضاق صدر في رحاب المسجد
فــــــــرياضه تزهو بنور هداية *** وتحف بالرحمـــــــــــات كل موحد
فضل المشي إلى المسجد:
أخي لو علمت ما الذي يفوتك حينما تترك الذهاب إلى المسجد لعضضت أناملك من الحسرة والأسف، وإليك ثمرات يانعة يقطفها الماشي إلى بيت الله لإقامة ذكر الله:
1 - الفوز بنزل في الجنة:
فلو قيل لك إن وصولك إلى مكان ما يؤهلك لنيل جائزة من مال الدنيا لهرولت إليه ولو كان نائياً، ولبذلت للوصول إلى ذلك المكان جهداً عاتياً، ولأجهدت نفسك، وغالبت عجزك، ونفرت إليه نفر المجاهد في ساح القتال، فماذا لو كان ممشاك للمسجد أسهل، وأجره وثوابه أعظم وأجزل!!، أليس أولى لك بالتشمير، وأحق بالتأهب والنفير!!، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( من غدا إلى المسجد أو راح، أعد الله له في الجنة نزلاً كلما غدا أو راح )[رواه البخاري ومسلم].
إنه أجر ما بعده أجر، وثواب يليق به الإعجاب! نزل مقيم في جنات النعيم، لو تأملت حسنه، وعاينت زينه، ولاحظت منظره، وشاهدت مظهره، ووقفت على أثاثه وفراشه، وجماله ونقائهº لذهلت أيما ذهول!!، ولبذلت الغالي والنفيس لنيله وكسبه.
وليس نيله بعزيز، إنما غدوة وروحة، ومشية وفسحة، وخطوات ساكنة تخطوها لإعمار بيت الله لالتماس زكاة النفس، وصفاء الحس، بإقامة ذكر الله، حقاً هو فلاح أيما فلاح، حينما يؤذن المؤذن (حي على الصلاة حي على الفلاح! )، فلو لم يكن من ذلك الفلاح إلا ذاك النزل الكريم في جنة الكريم لكانت الغدوة إلى المسجد جديرة بالاهتمام، كيف وفضائلها جليلة وفوائدها عظام!
أخي..
فإن رمت اغتنام الوقت فعلاً *** فخير الوقت حي على الفـلاح
فصـل الفجر وادع الله واغنم *** قيام الليل في الغسق الصراح
تفز بالأجر والحسنــات حقاً *** فتسلمك لجنــــــــــــات فساح
2 - تكفير الخطايا:
فكل خطوة تخطوها يمحو الله لك بها الخطايا، ويرفع لك بها الدرجات، فقد أخبر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ( إذا توضأ العبد المسلم - أو المؤمن - فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كانت بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقياً من الذنوب )[رواه مسلم].
صغر خطاك إذا غدوت لمسجــــد *** فلربما غفرت ذنوبك بالخطــى
تمشي ومشيك للمساجد قربة *** تسمو بشأنك للجنان وللتقى
أخي.. تذكر أن كل الناس يخطو ولكن خطوتك في اتجاه المسجد شأنها عظيم عند الله - سبحانه -، فهي خطوة إلى إقامة ذكر الله، ومشية لتلبية ندائه، واستجابة أمره، رغبة في فضله، وخوفاً من بطشه، وحباً لذاته وصفاته.
ومن هنا كان الجزاء من جنس العمل، فكما أنك خطوت ترجو فضل الله وجودهº فإنه - سبحانه - يجعل خطواتك كفارة لذنبوك لتنال بمغفرتها رجاءك، وتكون من الفائزين، وهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحث على التعبد بخطوات المسجد فيقول: ( ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ ) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: (إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط )[رواه مسلم].
وإنه لطيش وخسار، وغبنُ كُبارº أن يسمع المسلم نداء الفلاح يناديه، وهو يدرك عظم ممشاه، وثواب الله ورضاهº إن هو أتاه، ثم يضرب عن ذلك صفحاً، ويتبعُ هواه، ثم إنها عبادة مشهودة، في دقائق معدودة، لا تضر بمتاع، ولا تقطع استمتاع، بل هي ذاتها لحظات تفيض باللذة والسعادة!
فيا خسارة من باعها بمتاع قليل، وأعرض عنها، لاهياً في بيته، أو منشغلاً ببيعه، أو مسروراً في سيارته، أو منغمساً في الحرام، أو مؤثراً متابعة مسلسلات أو أفلام، أو رقص أو أنغام.
ويا مفاز من آثرها على أعماله، وجعلها أعظم آماله، فخطى للمسجد في هدوء وسكون يبتغي وجه الله والدار الآخرة، وماء الوضوء ينزل برداً وسلاماً على أسارير وجهه، وأطراف رجليه ويديه، فيهلهل بشره، ويهدئ حسه، ويهذب نفسه، فلا يصل بيت الله إلا والاطمئنان قد ملأ قلبه، وأهله للسجود لخالق الوجود!!، فعن النبي قال: ( من تطهر في بيته ثم مضى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض اللهº كانت خطواته إحداها تحط خطيئة، والأخرى ترفع درجة )[رواه مسلم].
3 - اكتساب الحسنات:
أخي.. أتدري.. حينما تتوجه إلى المسجد من تقصد، إنك تقصد بيت الله، وشرف القصد من شرف المقصود، فأنت تمشي إلى الله في بيته، يجيبك إذا دعوته، ويغفر لك إذا استغفرته، ويعطيك إذا سألته، ويحفك بالرحمة والفلاح في غدوتك، وفي صلاتك، وفي الرواح، فهل أدركت معنى (حي على الفلاح!!)، ومن جزيل كرمه - سبحانه - أنه يكرمك بالحسنات، ورفع الدرجات، قبل وصولك إلى رحابه، وقبل طرق بابه فعن عقبة بن عامر الجهني عن النبي قال: (من خرج من بيته إلى المسجد كتب له الملكان بكل خطوة يخطوها عشر حسنات، والقاعد في المسجد ينتظر الصلاة كالقانت، ويكتب من المصلين حتى يرجع إلى بيته)، وعن أبي هريرة عن النبي قال: (الكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة تخطوها إلى الصلاة صدقة )[رواه البخاري ومسلم].
4 - بشرى المشائين إلى المساجد:
فعن بريدة عن النبي قال: (بشروا المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة)[رواه أبو داود والترمذي وهو صحيح].
وهذه البشرى مناسبة لجنس عمل الماشي إلى المسجد في الظلمة، فإنه لما اخترق بذهابه إلى بيت الله حجب الظلام ليصلي الفجر مع الإمام عوضه الله بنور كامل تام يوم يجمع الأنام!
فضل الصلاة في المسجد:
وتذكر أن المسجد هو سوق رابح لاكتساب الآخرة، فالخطوات إليه حسنات، والمكوث فيه رحمات، وانتظار الصلاة فيه صلاة.
1 - ثواب انتظار الصلاة في المسجد:
فعني أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة )[متفق عليه].
فتأمل - أخي - في هذا الفضل الكبير من الله، فجلسة منك في سارية من سواري بيت الله تعدل ثواب الصلاة، مع ما تولده تلك الجلسة في النفس من اطمئنان وهدوء، وراحة وخشوع، وسكينة ونضارة! فأين من يضيع إعمار بيت الله، ويجلس في بيته لاهياً ساهياً، حتى إذا أوشك الإمام على الانتهاء من الصلاة دخل المسجد على استثقال وإهمال!!، أين هو من هذا الأجر العظيم!، بل إن المؤمن حينما يجلس في المسجد ينتظر الصلاة لتصلي عليه ملائكة الرحمن، وتدعو له بالرحمة والمغفرة مكانه، كما أخبر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه، ما لم يحدث، تقول اللهم اغفر له، اللهم ارحمه).
قال معاذ بن جبل: من رأى أن من في المسجد ليس في الصلاة إلا من كان قائماً فإنه لم يفقه.
وقال سعيد بن المسيب: من جلس في المسجد فإنما يجالس ربه، وهل من يجالس ربه في بيته بالذكر، وتدبر القرآن، وتعلم العلم وتعليمه، والدعاء، كمن يجلس أمام تفاهات التمثيل، وسفاسف اللهو واللعب!!
سارت مشرقة وسرت مغرباً *** شتان بين مُشرق ومغرب
وهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يؤخر صلاة العشاء إلى نصف الليل ترغيباً في أجر انتظار الصلاة، فعن أنس - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخر ليلة صلاة العشاء إلى شطر الليل ثم أقبل علينا بوجهه بعدما صلى فقال: (صلى الناس ورقدوا ولم تزالوا في صلاة منذ انتظرتموها )[رواه البخاري].
فاحرص أخي على التبكير إلى المسجد، واحرص على الصف الأول يمين الإمام أو خلف قفاه إن أمكنك، وإلا أقرب موضع إليه، فإن للصلاة قرب الإمام أجراً عظيماً، وتأثيراً عجيباً على المصلي! فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا )[متفق عليه].
2 - ثواب الصلاة في جماعة:
وثواب صلاة الجماعة لا يخفى على أحد، فقد قال: (صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة )[رواه البخاري ومسلم] والفذ هو الواحد، ولا أدري كيف يزهد مسلم في هذا الخير العظيم ويؤثر بيته فيصلي فيه، وكأنه قد ضمن لنفسه ما يكفيه للنجاة من النار ودخول الجنة.
فاحذر - أخي - أن تغالط نفسك فتحرمها من هذا الأجر الكبير، وإياك أن تتأثر بمن ضعف إيمانه، وهان دينه، فآثر بيته على بيت الله، وهواه على أمر الله، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ليس صلاة أثقل على المنافقين من صلاة الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا )[رواه البخاري ومسلم].
فتأمل في صفة المنافقين، فإن علامتهم أن تتثاقل رؤوسهم عن أداء صلاة الصبح، وصلاة العشاء، فكيف يرضى مؤمن لنفسه أن يكسب صفة من صفات النفاق!!، ويضيع على نفسه الأجر العظيم، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: (من شهد العشاء في جماعة كان له قيام نصف ليلة، ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان له قيام ليلة)[رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح].
وكثير من الشباب يعتذر عن الذهاب إلى المسجد بالعياء، أو ببعد المسجد، أو نحوها من الاعتذارات، ثم هو إذا دعي إلى مباراة رياضية أو سهرة في البراريº قام لها قومة الفارس المغوار.
وهذا ابن أم مكتوم المؤذن - رضي الله عنه - يستفسر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مشقة الطريق إلى المسجد ملتمساً العذر يقول: يا رسول الله إن المدينة كثيرة الهوام والسباع، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (تسمع حي على الصلاة، حي على الفلاح، فحيهلا).
ثم إن حضور صلاة الجماعة من أسباب تقوية الإيمان، وقمع الشيطان، فعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية )، وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان، قال الله - عز وجل -: ((إنما يعمُرُ مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر ))[التوبة: 18][حديث ضعيف، ضعّفه الألباني].
فطوبى لمن علق قلبه بالمساجد فجعلها قرة عينه، يلتمس فيها السكينة، وينشد فيها الطمأنينة، ويفر إليها من فتات الدنيا وشهواتها، تالياً فيها الكتاب، مشفقاً من العذاب، خائفاً من الحساب، يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه!
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله - عز وجل -، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات حسن وجمال فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ).
وينبغي للمسلم أن يتجنب مغالطة نفسه وخداعها بالاعتذارات الواهية فإنه سيقف وحده أمام الله، وينظر أيمن منه ثم أشأم منه فلا يجد إلا ما قدم!! فانتبه - أخي الكريم - أن يباغتك الموت، ويفوتك الفوت، وأنت عن المساجد معرض، وعلى الملاهي مقبل، وفي الصلوات مفرط، تصلي حيناً وحيناً تشطط.
وفقني الله وإياك لما يحبه ويرضاه، وجعلنا من عمار بيته.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد