بسم الله الرحمن الرحيم
اكتشف أجدادنا منذ زمن بعيد أن التَّمَديُن الغربي في نمو دائم، بينما توقف تمديننا عند حدود ما تسلمناه من حضارتنا السابقة، والتمدين هو الشق المادي من الحضارة، والتسارع الذي حدث في التمدين الغربي ارتبط ارتباطًا وثيقًا بالعلم وصاحبته التكنولوجيا.
ومن قبل كتب ابن خلدون كلامًا في مقدمته نستنبط منه أن ما قلناه قد استشعره ابن خلدون وعلماء عصره \"بَلَغَنا أن سوق هذه العلوم رائجة في العدوة الشمالية\"، في حديثه عن العلوم الطبيعية ونموها في شمال المتوسط.
ومنذ أيام محمد علي ونحن نرسل رُسُلَنا تَترى إلى الغرب محاولين أن نقتبس من تمدينهم، وقبل أن نستطرد لا بد أن نميز بين العلم والتكنولوجيا، فهما كائنان متمايزان، ولكنهما متصاحبان لا يعيش أحدهما بدون الآخر، ولكل تكنولوجيا علم مصاحب، نقول هذا حتى نعلم أن العلم وحده لا يرفع من شأن التمدين وإنما هي التكنولوجيا المصاحبة، والعلم يُستَنبت بطرائق يعرفها أهل الاختصاص، والتكنولوجيا كذلك لها طرائقها الخاصة في الاستنبات، ونعتقد أن الضعف العام عندنا هو أننا نجهل كثيرًا من طرائق استنبات التكنولوجيا، التي ينبغي أن يتوفر عليها دارسون، وبالطبع ينبغي أن لا يسبق العلم التكنولوجيا كثيرًا، فيغرق قوم في فلسفة العلوم دون أن يَشحَذوا مهاراتهم التقنية حتى يصبح العلم في نفع المجتمع. والمشكلة أن رسلنا الذين نرسلهم إلى الغرب يعودون إلينا بالعلم وليس بالتكنولوجيا.
إن طلبة كليات الهندسة يدرسون علومًا متقدمة هي عند مشارف التقدم العلمي، ولكنهم لم يتعلموا مع هذا كيف يصممون، وكيف يتعرفون على الطرائق التقنية التي تتيح لهم أن يطبقوا ما يعرفون من علم.
المهم أن للتكنولوجيا طرائق تحتاج إلى نظر وتخطيط شامل، وأنه وإن كانت منظومة التعليم بعافية فإن جوهر ضعفنا هو في منظومة التقنية تخطيطًا وتعليمًا وتدريبًا (انظر فصل التعليم مُخٌّ الحضارة في مقدمات في البعث الحضاري)، ونقطة الضعف في منظومتنا التخطيطية أننا نظن أن استنبات العلم كافٍ, وحده لاستنبات التكنولوجيا ونظن كذلك أن استنبات التكنولوجيا هو المرادف لعملية نقلها من مواطنها في الخارج وهذا هو البلاء المبين.
خطوات في طريق استنبات التكنولوجيا
1 - لا بد أن نستيقن من العلم المصاحب.
2 - فلنبدأ ببناء المعامل البسيطة بأنفسنا، وكلما اعتمدنا على أجهزة بسيطة كان خيرًا لنا.
3 - القياس هو روح التمدين، والقدرة على القياس لا يمكن الحصول عليها من غير تدريب في المعمل آناء الليل وأطراف النهار.
4 - علينا أن نستنفذ كل السبل لإدراك ماهية تقنية بعينها، ولا نتوجه إلى الخارج إلا إذا أعيتنا السبل كلها، ووجدنا مَنفذًا لخبرة متخصصة تساعدنا في هذه الجزئية التي لا نستطيع إدراكها.
5 - هناك بنية أساسية تقنية ينبغي توافرها في الأمة قبل أن تشرع في التوجه إلى تقنية متقدمة بعينها، ويمكن أن تكون هذه البنية الأساسية متوفرة في الأمة، ولكنها موزعة بين القبائلº لذلك فالتخطيط المركزي شديد الأهمية في كل الأحوال.
6 ينبغي أن يتم اختيار المنظومة التي تقوم بالتخطيط بعناية شديدة وبمعيار قرآني ثابت \"العلم والأمانة\"º لأن شراء الذمم في عصر العولمة أصبح يسيرًا، والوهن سحابة كثيفة في صدور الرجال.
7 - استنبات التكنولوجيا يتطلب حجمًا معينًا حرجًا من الإمكانات المالية والبشرية، ويصبح من العبث أن ندعي أننا نفرنا لتكنولوجيا تحتاج إلى الملايين، وكل عدتنا بضعة آلاف، ومن الأهمية بمكان ألا نطلب من البشر ما لا يطيقون، ومن العبث كذلك أن تضيق الأمة على شبابها العلماء وتُقَتِّر، بينما تبسط يدها في التعامل الخارجي الذي لم نَجنِ منه إلا الحنظل في الوقت الذي لا يجد فيه العلماء عند أصحاب القرار التقني ما تَحمِلَهم عليه، فيتولَّوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنًا ألا يجدوا ما يُنفقون.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد