صرخة أسير

5.4k
2 دقائق
27 شوال 1428 (08-11-2007)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

أبتــاه إني في قيــودي مُثقـلُ *** و الأرض تحـتي يا أبي تتزلـزلُ

فالقـيد يُثقِـلــني إذا أنا أرتـقي *** و السَّــوطُ يَلسعني إذا ما أَنـزِلُ

و تنـوش جِسـمي المُكفَهِرَّ فتُدمِهِ *** تِلـكَ الكلاليبُ الـتي تتسـلسَـلُ

من عاتقي المكلومِ حتى أخمَصِ الـ *** قَدَمَيـنِ وَيـحَ الرِّجـلِ إذ أَتَـنقَّلُ

و إلى المنـون أُقـادُ لا مِن جُنحةٍ, *** كلاّ و لا ذَنـبٍ, جَنَيـتُ فأُقـتَـلُ

و أثُـورُ كالبُـركان حينَ تذكٌّـري *** أمّـاً تنـوحُ عليَّ أو تَـتَـملمـلُ

و تجـودُ بالعَـبَرات وَيـحَ فؤادِها *** قد كَـلَّمـوهُ فجُـرحُـه لا يُدمَـلُ

و يلُـوحُ في الآفاق طيفُ قرينـةٍ, *** تَبكي و يصرُخُ مِـن وراها الأنجُلُ

فكـأنًّ أنجالـي و قـد فارقـتُهـم *** زَهـرٌ أمـامَ العادِيـات سيـذبُـلُ

أبتـاه فاستوصِ بهـم فيمـا بقـي *** فَـلَنِعـمَ من يرعى و من يتكفّـلُ

مَـن يخلُـف الغـازي بُعَيدَ رحيلهِ *** في أهلـه فلـه الجـزاء الأجـزلُ

هـذي بِشـارةُ أحمدٍ, خيرِ الـورى *** خبـراً رواه لنـا الرعيـلُ الأوَّلُ

أمَّـا أنا أبتـاه فاختَـرتُ الـتـي *** قد هابَهـا جُـلٌّ الورى و تخاذلوا

و شهَـرتُ في وجهِ الطغاةِ مبادِئـاً *** أمضى من السيفِ الشهير و أصقلُ

فلقـد سئمتُ من الهوان و لم أكُـن *** إلا على درب الهـدى أستـبسِـلُ

ألأنـني رُمـتُ الحيـاة كـريمـةً *** و حَيِيـتُ ليثـاً مِـن وراه الأشبُلُ

ذُعِـرَ الطغاةُ و زُلزِلـت أركانُهم *** و انتابَهـم فَرَقُ السقوطِ المُذهِـلُ

فتـواثبـوا نحـوي بكلّ مكيــدةٍ, *** و تعاهدونـي بالقيـودِ و كبَّـلـوا

و استاقنـي الجـلاّد يُلهبُ أضلُعي *** بسياطِـه فتخورُ منِّـي الأرجُــلُ

و أحـاط بي مثـلَ السِّوار جنودُه *** بسلاحِهِـم و أنا الوحـيد الأعـزَلُ

يخشـون إيمانـاً يثـور بداخـلي *** فيحَـطّمُ الأوغـاَد إن هُم أقبَلــوا

كم ساومونـي بالوعـود لأرتجي *** عفواً من الطَّـاغوت أو أتوسَّــلُ

أنا لسـتُ ذا ذنبٍ, فأرجـو عفوَ مَن *** هتفـوا له متملِّقيـنَ و بجَّـلــوا

ذاك الـذي سـامَ العبـادَ بِبَطشِـهِ *** سوءَ العذاب و بـات منهم يهـزَلُ

و أذاقهُـم ذُلَّ الصَّغـارِ و لم يَزَل *** متغطرسـاً في المُلـك لا يتحـوَّلُ

و يجـود بالشعـب المعنَّى كُلِّــه *** بينـا بكُرسِـيِّ الإمـارة يبخَــلُ

فـإذا أبـى ذاك الهـوان موحّـدٌ *** صرخ (المناضِل) كبِّلوه أو اقتُلوا

فانقـادت الأُمَم التي قد سـامهــا *** سُـوءَ العذاب على خُطَاه و أَقبَلـوا

و أبيتُ أن أشري الحياة بمـا أرى *** فيـهِ عنِ القِيَـمِ العِـظـامِ تنازُلُ

فإذا زبانيـةُ الطٌّغـاةِ تُحيـطُنـي *** بجمـوعِها و إلى الدَياهـِبِ أُنقَـلُ

و استَصدَروا بالشنقِ أمراً عاجـلاً *** ما ضَـرَّهم لو فيـهِ لم يتعجَّـلـوا

أيُـهيبُهـم مني الفرارُ و مـا دَرَوا *** أنِّـي إلى دار الخـلود سأرحَــلُ

لا تعـدِلُ الدٌّنيـا جَنـاحَ بعوضـةٍ, *** أإلى الحيـاة عن الشهـادةِ أعدِلُ؟

قد مزَّقوا سِتـري الصقيل فلا تَرى *** إلاّ رقاعـاً فوق جسمـيَ تُسـدَلُ

لا تحسبَـنَّ رِقاعَهُـم ستَـلُفٌّـنـي *** أو تحسبّنِّـي بالبيـاضِ سـأرفُـلُ

فدِمـا الشهيـدِ إذا قـضى أكفانُـهُ *** و أنا بأكفـان الدِِّمــا أتسربَــلُ

لو يُدرِكُ الجَـلاّدُ سِـرَّ تبسٌّـمـي *** في وجـهِ هاتيـك المنون سيُذهَـلُ

إنَّـي إلى حتفـي أسيـرُ مقـيَّـداً *** لولا وثاق البـؤسِ كنـتُ أهـروِلُ

هذي القيـودُ تُعيقُـني و تحُـدٌّ مِن *** وَثبـي إلى مـا قد حييـتُ أُأِمِّـلُ

فمُنـايَ أن أقضـي شهيـداً مؤمناً *** و أَمـامَ ربِّي بالشــهـادة أمثُـلُ

وإلى ضِفـافِ العرشِ آوي كلَّمـا *** خَفَقَت بأجنُحِـهـا الطيورُ و أُقبِـلُ

نَيـلُ الشَّـهـادةِ رأسُ كلِّ فضيلةٍ, *** مَـن نالهـا فلـهُ الثواب الأجـزَلُ

و الله يجمعنـا و يحكُـمُ بيننـــا *** بالعـدلِ مَن غيـرُ المهيمنِ يعـدِلُ

و بحمدِ ربي و السـلام على النبي *** أبتـاهُ أختِـمُ ما أقـولُ و أُكمِـلُ


أضف تعليق