بسم الله الرحمن الرحيم
مازالت الساحة العربية الإسلامية تواجه السؤال.. نفس السؤال: هل نحن بحاجة لتغيير مناهجنا؟! أو لإعادة النظر في تشكيل مناهجنا؟! ومازال الساسة والباحثون والمفكرون والعلماء والدعاة كل في مجاله وتخصصه يدلي بدلوه من أجل البحث عن الجواب الصحيح والصائب، وكل يبحث عن الجواب من أجل بناء مجتمع إسلامي تقوم دعائمه على أسس من الفضيلة والمعرفة الإسلامية الصائبة لواقع الحياة.
ومشاركة في هذا الجانب الحيوي من حياتنا كان هذا اللقاء مع فضيلة الشيخ عبد الوهاب بن ناصر الطريري (نائب المشرف العام على مؤسسة الإسلام اليوم، ومدير المكتب العلمي)
مقرراتنا الشرعية بحاجة للتطوير والمراجعات بأيدينا جميعاً حتى تلاقي حاجة الأجيال المعاصرة والقادمة.
- هل تتفقون معنا على وجود ثغرات في مناهج التعليم يستغلها ويبالغ في ذلك مناهضو منطلقاتها الشرعية؟
- دعني أخي الكريم أعترض على وصفك بقولك: يستغلها ويبالغ في ذلك مناهضوا منطلقاتها الشرعية – لماذا أفترض في كل من يعارض مناهج التعليم الشرعية أنه يعارض منطلقاتها الشرعية؟
لماذا نعيش ونحن ملغّمون بسوء الظن بالآخرين؟
لماذا نطالب الحكومات أن تحسن الظن بمن ينتقدها، ونحن نستعد بقائمة من التهم لكل من ينتقد ما نحن عليه؟
إن عَليَّ أن أفترض الصدق وحسن النية في كل من ينتقد هذه المناهج، حتى وإن أخطأ، فيبين له وجه خطئه من غير أن يحاصر أو يحرج بأنه يناهض منطلقاتها الشرعية.
إن مناهج التعليم، سواء الشرعية أو غيرها أمر يخص كل بيت، وكلَّ رب أسرة، وكل متعلم، وكل ناشئ، وبالتالي فهي قضية عامة ينبغي أن تفتح آفاق الحديث والحوار حولها دون أن يرجم أي متحدث عنها بهذه الأنواع من التهم. المهم أن يكون هذا النقد نتيجة استقراء وتتبع، وليس بطريقة رجم مقرراتنا الشرعية بتهم مستوردة، كاتهامها بأنها تصنع الإرهاب، أو أنها تنتج العنف، ونحو ذلك من التهم التي نرى أنها تهم معلبة مستوردة من الخارج، فهذا نوع من استيراد تهم الآخرين، ثم تسويقها بيننا وليس مما نحن فيه، لكن وصف المقررات بأن فيها عوزاً وقصوراً، وتحتاج إلى إصلاح فهذه قضية عامة ينبغي أن نتنادى لها، والمقررات الشرعية هي مما ينبغي أن يوجه إلى تأليفها وإعدادها النقدº لأن المقررات الشرعية ليست هي الشرع، هي عمل بشري قابل للتقويم والمراجعة، دعني أنا وإياك نتساءل: ما سر تعاقب التأليف طوال القرون؟ لماذا لم يكتف أصحاب كل قرن بالمؤلفات التي ألفت قبلهم؟ إن السبب بوضوح أنهم يرون أن وقتهم وعصرهم محتاج لنوع من التأليف والصياغة لا تكفي ولا تغني فيه الصياغة قبل ذلك، والمقررات الشرعية هي من هذا النوع.
- هل المقررات الشرعية بحاجة للتطوير والمراجعة بأيدينا لا بأيدي هؤلاء، حتى نعمل على إعداد الأجيال بما يحصنهم أمام التحديات القادمة؟
- أولاً: أنا أعترض على هذا التقسيم (بأيدينا لا بأيدي هؤلاء) فهؤلاء هم منا، فمن كان منهم لديه رأي رشيد سديد فينبغي أن يستفاد منه، ومن كان لديه جنوح فينبغي أن يسدَّد ويبصَّر. دعني أتنأى وإياك عن نحن وهؤلاء.
أما الجواب عن السؤال: هل مقرراتنا الشرعية بحاجة للتطوير والمراجعة؟
فإني أحتاج فيه إلى نعَمَات كثيرة... نعم ثم نعم ثم نعم هي بحاجة للتطوير والمراجعات بأيدينا جميعاً حتى تلاقي حاجة الأجيال المعاصرة والقادمة.
- لماذا لا يكون للمتخصصين وأهل العلم والدعوة مشروع لتطوير مناهج التعليم عامة، ومناهج العلوم الشرعية خاصةº لمواجهة حملة تغيير المناهج التغريبية؟
- هذا سؤال حقيقي وارد، والجواب عنه: يجب أن يكون للمتخصصين وأهل العلم والدعوة مشروع لتطوير مناهج التعليم، وأضع خطوطاً كثيرة تحت تطوير مناهج التعليم، وليس مجرد الدفاع عنها بوضعها الحالي، وإبقائها على ما هي عليهº بحجة أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان!
- هل تتفقون معنا في ذلك؟
- نعم أتفق وبشدة.
- هل لكم أن تساهموا معنا في تقديم ملاحظاتكم على المناهج القائمة ومقترحات تطوير محددة في هذا الخصوص؟
- أولاً: أعترف أنني بعيد العهد بمناهج التعليمº فما أقدمه الآن ليس نتيجة مسح استقرائي لمناهج تعليمنا الشرعية، ولكن هو انطباع مترسخ عن المناهج التي قرأتها، ثم سألت عن كثير من مفرداتهاº فإذا هي لا تزال موجودة في المناهج الحالية.
ثانيا: ينبغي أن تلاقي هذه المناهج واقع مجتمعنا الآن، وتراعي أيضًا الفروق بين مراحل التعليم والفروق بين الفتيان والفتياتº فغير صحيح إطلاقاً أن نعلِّم الفتيات أنصبة الإبل والبقر والغنم، وكأننا نرشحهن ليخرجن ساعيات لجباية الزكوات، ولا أن نعلِّمهن أحكام الديات والشجاج وغيرها...، وكأنهن سينصّبن قاضيات في المحاكم. علينا أن نعلِّم الفتيات الأحكام العامة الشرعية، والتي يشتركن في جملتها مع الرجال، ونركز على ما يحتجنه بخاصة من الأحكام التي تلاقي خصوصية المرأة كأنثى، وخصوصيتها كزوجة، وخصوصيتها كأم، فلها بذلك مساس وخصوصية أعظم.
أيضا مجتمعنا ليس مجتمعًا رعويًا نعيش فيه سارحين مع الإبل والبقر السائمة حتى نحفِّظَ طلاباً في سن الابتدائية نُصُب زكاة الإبل والبقر، والتبيع والتبيعة والمسن والمسنة وابن اللبون والحقة، ونحن قد درسنا هذه الأشياء في طفولتنا، وها نحن الآن نقارب سن الشيخوخة ولم نحتج إلى هذه المعلومة يوماً واحداً من حياتناº لأنها ليست معلومة تمس مجتمعنا نحن، هذه معلومة ينبغي أن تُدرَّس لمجتمع يحتاجها، مجتمع رعوي، نحن الآن ينبغي أن نعلِّم أبناءنا المعاملات البنكية، زكاة رصيد البنك، بيع الأسهم، أحكام التأمين... ونحو ذلك.
خذ مثالاً آخر على ذلك، نعلم الأحاديث والأحكام التي تتعلق بالنهي عن التخلي في الطريق، والملاعن الثلاثة، وهذه أحكام نبوية، وهناك مجتمعات تحتاج إليها، لكن هل رأيت في حياتك إنساناً يتخلى على هذه الأرصفة المبلطة في شوارعنا؟
إنني أحتاج أن أعلِّم المارة الآن آداب غض البصرº لأتقي أنا وأهلي هذه النظرات التي تثقب زجاج السيارة كالرصاص.
أحتاج أن أعلم الناس آداب السير في الطريق في المركبات والسيارات، وسأجد في ديني وهدي نبيي - صلى الله عليه وسلم - أحكاماً تنظم هذه الأمور وتتعلق بها.
ولا زلت أذكر شيخاً علمني علماً استفدت منهº فقد كنت أقرأ على جماعة المسجد الذي كنت أصلي فيه وأنا شاب حدث السن أحاديث في أحكام الجنائز، فأمسكني هذا الشيخ، وقال لي: يا بني نحن نموت في حياتنا مرة واحدة ونصلي في اليوم خمس مراتº فاقرأ علينا أحاديث تتعلق بأحكام الصلاة التي نصليها خمس صلوات في اليوم.
إن فتياننا في حاجة إلى أن يُعلَّموا أشياء هم يمارسونها ويعايشونها، وليس أشياء هي من ديننا، لكنها مماسة وملامسة لمجتمعات أخرى غير مجتمعنا.
الفتيان في المراحل المتقدمة يحتاجون إلى أن يُعلَّموا أموراً مهمة في الشرع تضبط لهم موازين تصوراتهم، ليتعلم الطالب مقاصد الشريعة ومسألة المصالح والمفاسد والموازنة بينها، وهذه الأمور هي من صلب ديننا، وهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - زاخر بذلك، ففي أي مرحلة يعلم الطالب ذلك؟ لماذا لا يكون لهذا منهج في المرحلة الثانوية؟
سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ما مدى حضورها في مناهجنا التعليمية؟!
لماذا نعلم فتياننا سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - على أنها غزوات لا على أنها منهج حياة؟!
إن نبينا - صلى الله عليه وسلم - كان إماماً في الحياة، وليس فقط قائداً للغزوات، فلماذا لا توجد السيرة النبوية متكاملة يدرسها الطالبº فيتشبع بها بحيث يعيش وكأنه قد عاش زمن النبوة من خلال منهج متكامل يقدم السيرة النبوية متكاملة منهج حياة على طريقة ابن القيم في (زاد المعاد)، ومن خلال ذلك يتحقق الاقتداء والأسوة بالنبي - صلى الله عليه وسلم –: \"لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة\".
الأخلاق التي بُعِثَ النبي - صلى الله عليه وسلم - لتتميمها.. ألا يكون لها منهج خاص ولو في سنة من السنوات، أو في فصل من الفصول الدراسية يدرس فيها كتاب، مثل: (خلق المسلم) للشيخ: محمد الغزالي أو غيره؟!
إن علينا عند تقويم المناهج الشرعية أن نجري استبيانات على الشباب الآن نسألهم عن مدى تأثرهم بالمناهج الشرعية، وما الذي بقي معهم منها، وما الذي لا زال له حضور في حياتهم.
دعنا نتساءل عن الشباب المتدين، وهم كثير - بحمد الله-: هل كانت المناهج سبباً في استقامتهم، أم أن هناك عوامل أخرى ليست المناهج الشرعية منها؟!
هذه إلماحات عجلى، ولو اتسع مجال الحديث لاتسعت القضايا المطروحة، ولكنها إشارة إلى جوانب وهناك غيرها.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد