بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
ربما يستغرب بعض الناس هذا العنوان، والسبب أن عامة الناس يرون الضحك منافياً للوقار اللازم للتعليم، فيكف يكون الضحك وسيلة للتعليم؟!
في البداية، عزيزي القارئ، اعتقد أن هذا الموضوع من الموضوعات الطويلة التي تحتاج إلى معالجات من جوانب متعددة، وسأحاول أن أطرح بعض هذه الجوانب ثم أتناول بعضاً مما تيسر منها بحسب تيسير الله وما أعطانيه من منة وفتح.. والله الموفق.
أولاً: ينبغي أن يُعلم أن الأطباء مجمعون على فائدة الضحك والابتسام وأنه مفيد للصحة فائدة كبيرة وبخاصة لقلب الإنسان وعضلات الوجه وكذلك ضغط الإنسان وغضبه.
وأما فائدة الضحك والابتسام للصحة النفسية وتقوية نفس الإنسان وروحه وقدرته على مواجهة الحياة فمعلومة عند الصغير والكبير، ولا تحتاج مني إلى تأكيد في هذا المقام.
واعلم بأن هناك طرقاً للمعالجة بالضحك، ولها هيئات ومواقع على الإنترنت، وهذه النقطة وحدها حقيقة بأن يكتب فيها مقال، وليكن عنوانه: "الفوائد الطبية والنفسية للضحك والابتسام".
والمقام هنا مقام إشارة وتلميح لا تفصيل وتوضيح!
ثانياً: أن اعتقاد بعض الناس التنافي بين التعليم والضحك والابتسام والمزاح، أو اعتقاد التنافي بين التربية والضحك والابتسام والمزاح، كل هذه اعتقادات فاسدة جعلت بعض العوام لا يتصور العالم إلا سكيتاً زميتاً لا يتكلم إلا للضرورة، أما العالم المرح الذي يمازح طلابه أو تلامذته ويمزح لهم بالجد والهزل فليس متخيلاً أو متصوراً، فالعلم والمزاح لا يجتمعان، وهذا مبني على أن المزاح نوع من الجهل والجهالة التي لا تتفق ولا تجتمع مع العلم والفضل والوقار، وأعتقد أن هذه الأفكار والاعتقادات روجها بعض سوداويي المزاج أصحاب الطبيعة النكدة، فبعض الناس خلق كدر الطبيعة، أسود المزاج، عكر النفس فلا يقبل الابتسامة بله الضحك، فهذا البعض أراد أن ينشر سواد مزاحه وكدر طبيعته على الناس، فأشاعوا في الناس هذا التناقض المزعوم والتنافر المدعى، فنقلوا المرض والعدوى إلى الناس فكم أساءوا إلى البشرية، وكم ضيقوا واسعاً فلا كثر الله من أمثالهم، ولا نسج الناس على منوالهم فإنهم قذى في العيون، وشجى في الحلوق!
ثالثاً: أن هدي المصطفى -صلى الله عليه وسلم- تطييب النفوس بالابتسامة أو الضحك أو المزاح، وقد مدحه الله بالمنة عليه بالرفق واللين ولطافة الروح والنفس، فقال تعالى: "ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك... "(1) وعاتبه الله لمجرد عبوس عارض في وجه ابن أم مكتوم: "عبس وتولى أن جاءه الأعمى..."(2) إلى آخر الآيات، ولذا كان دأبه -صلى الله عليه وسلم- استقبال الناس بالبشاشة والتلطف، فقد روى البخاري عن جرير بن عبدالله البجلي -رضي الله عنه- قال: "ما حجبني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منذ أسلمت، ولا رآني إلا ابتسم في وجهي" وكان ربما سر حتى استنار وجهه الشريف، فعن كعب بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا سر استنار وجهه، كأن وجهه قطعة قمر"رواه البخاري. وكان –بأبي هو وأمي- ربما داعب الصغير والكبير فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير: "يا أبا عمير، ما فعل النغير" وأخرج أبو داود والترمذي عن أنس بن مالك أن رجلاً استحمل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "إني حاملك على ولد ناقة"فقال: يا رسول الله، ما أصنع بولد الناقة؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: "وهل تلد الإبل إلا النوق"وصححه الشيخ الألباني(3).
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رجلاً من أهل البادية كان اسمه زاهراً وكان يهدي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- هدية من البادية، فيجهزه النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يخرج، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : "إن زاهراً باديتنا، ونحن حاضروه". وكان -صلى الله عليه وسلم- يحبه وكان رجلاً دميماً، فأتاه النبي -صلى الله عليه وسلم- يوماً وهو يبيع متاعه، فاحتضنه من خلفه وهولا يبصره، فقال: من هذا؟ أرسلني فالتفت، فعرف النبي فجعل لا يألو ما ألصق ظهره ببطن النبي -صلى الله عليه وسلم- حين عرفه، فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من يشتري هذا العبد؟" فقال: يا رسول الله! إذاً والله تجدني كاسداً. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لكن عند الله لست بكاسد". أو قال: "أنت عند الله غال"(4).
وعن الحسن قال: أتت عجوز إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال يا رسول الله، أدع الله أن يدخلني الجنة، فقال: "يا أم فلان، إن الجنة لا يدخلها عجوز" قال: فولت تبكي. فقال: "أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز، إن الله – تعالى- يقول: "إنا أنشأناهن إنشاءً، فجعلناهن أبكاراً، عرباً أتراباً"(5).
وكذلك كان صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على نفس الأريحية وسعة الصدر، وقبول المزاح، فقد روى البخاري في الأدب المفرد عن بكر بن عبدالله المزني: "كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتبادحون بالبطيخ، فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال"(6).
وسئل النخعي: هل كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يضحكون؟ قال: نعم، والإيمان في قلوبهم مثل الجبال الرواسي(7).
وروي أن رجلاً أتى علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- برجل، فقال: "إن هذا زعم أنه احتلم على أمي" فقال علي: "أقمه في الشمس، فاضرب ظله"(8).
وروي عن أبي الدرداء أنه كان لا يتحدث إلا وهو يبتسم، فقالت له امرأته أم الدرداء: إني أخاف أن يرى الناس أنك أحمق. فقال: "ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حدث حديثاً إلا وهو يبتسم في حديثه"(9).
وكان ابن عباس إذا أكثر عليه في مسائل القرآن والحديث، يقول: "احمضوا (يريد خذوا في الشعر وأخبار العرب)(10).
وعن خارجه بن زيد قال: خرج عبدالله بن عمر وعبدالله بن عياش بن أبي ربيعة من المسجد،فلما كانا على بابه وقد احفيا شواربهما حتى بدت الشفاه، كتب(11) كل منهما ثيابه حتى بدت ساقاه، وقال لصاحبه: ما عندك خير، هل لك أن أسابقك؟(12).
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
(1) آل عمران: 159.
(2) عبس: 1.
(3) راجع: "مختصر الشمائل المحمدية ص (126) رقم (203).
(4) قال الشيخ الألباني: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وكذا قال ابن كثير، وأخرجه ابن حبان (2276)، والبغوي في "شرح السنة" (3604)، وأحمد (3/161)، وصححه الحافظ، وله شاهد من حديث زاهر نفسه. أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" برقم (5310) راجع: "مختصر الشمائل المحمدية" (127) رقم (204).
(5) رواه الترمذي في الشمائل وحسنه الشيخ الألباني لشواهده. راجع: "مختصر الشمائل المحمدية" (128) رقم (205).
(6) يتبادحون: يترامون، والبدح: رميك بكل شيء فيه رخاوة.
(7) راجع: "المراح في المزاح" (319).
(8) السابق (328).
(9) مسند أحمد من حديث أبي الدرداء وراجع: المراح في المزاح" (328).
(10) المراح في المزاح (328) وقال ابن الأثير في "النهاية": والأصل فيه الحمض من النبات وهو للإبل كالفاكهة للإنسان، لما خاف عليهم الملال أحب أن يريحهم فأمرهم بالأخذ في ملح الكلام والحكايات.
(11) كتب: أي جمع وشمَّر، فأصل الكتب الجمع، ومنها الكتيبة الطائفة من الجيش.
(12) المراح في المزاح (329),
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد