المقامة هي حكاية تقال في مقام معين، وتشتمل على الكثير من درر اللغة وفرائد الأدب، والحكم والأمثال والأشعار النادرة التي تدل على سعة إطلاع وعلو مقام صاحبها، وأبي محمد القاسم بن علي بن محمد بن عثمان الحريري البصري هو أبرز من اشتهر بهذا الفن من خلال كتابه مقامات الحريري الذي جمع فيه خمسين مقامة، وقد اخترنا من بينها هذه المقامة الوعظية، سائلين الله أن تنال إعجابكم:
أيَـا مَـن يَـدّعي الـفَهـم....إلِـى كـَم يَـا أخَـا الـوَهــــم
تـُعَـبـِّي الـذنـبَ والـذّم.... وتـُخطِـي الخـطـأ الجَــــمّ
أمَـا بَـانَ لـكَ الـعـَيـب.... أمَــا أنـذرك الـشـَّيـــــــب
وَمَــا في نـُصحِـه رَيـب.... وَلا سَمـعُـك قـَد صَــمّ
أمَـا نـَـادَى بـِكَ المَـوت.... أمَـا أسمَعَــكَ الصَّــوت
أمَــا تخشَـى مِنَ الـفـَوت...... فـَتحـتــَاط َوَتهـتـَـــمّ
فـَكـَم تسـدَرُ فِـي السَّهــو.... وَتختـَالُ مِـن الـزَهـــو
وتـنـصَّـبُ إلـى اللـهـو.... كـَـأن المَّـوتَ مَـا عَــــمّ
وَحَـتـّـامَ تـَجَـافِـيـك...... وَإبـطــَاءُ تـَلافِـيـــــــــك
طِـبَـاعـاً جَمَّعـت فِـيك.... عُيـوبـًا شملـُها انـضّـــمّ
إذا أسخَـطـتَ مَـولاك.... فـَمَــا تَـَقـلـَقُ مِــ، ـن ذاك
وإن أخـفَـَقَ مَسـعَـاك.... تَـَلـّظـّـيتَ مِــن الهَــــــــمّ
وإن لاح لـَـكَ النـقـش.... مِـنَ الأصـفـَـرِ تهـتـَــش
وإن مَـرّ بـِـكَ النـعــش.... تـَغـامَـمـتَ ولا غـَـــــمّ
تُـعَـاصِي النـّاصِـحَ البـَـرّ.... وتَعـتـَــاصُ وتــَزوَرّ
وتـنـقـَـادَ لِـمَـن غـَرّ.... ومَـن مَــانَ ومَـن نــــــــمّ
وَتسعـَى فِي هَوى النـّفـس.... وتحتـَالُ على الفـَلس
وَتـنـسـَى ظـُلمَـة َ الرّمـس.... وَلا تـذكـُرُ مَـا ثــَـمّ
ولَـَو لاحَـظـَك الـحَـظ ّ.... لمَـا طـَاحَ بـِكَ الـلحَـظ
ولا كـُنـتَ إذا الـوَعــظ .... جَلا الأحـزَانَ تَـَغـتـَـم
سَـتـُـذري الـدمَّ لا الـدَمــع.... إذا عَايـنـتَ لا جَمع
يَـقِــي فِـي عَـرصَـةِ الجَـمـع.... وَلا خَالَ ولا عَم
كـَأنـِّـي بِـكَ تـَنـحَـط .... إلـَى اللـّحـدِ وتـنـغَــــــط
وَقـَد أسلـَمَـكَ الـرَّهــط .... إلـى أضـيَـقَ مِـن سَـمّ
هُـنـاكَ الجِـسـمُ مَـمـدُود.... لِـيسـتـَــأكِلـَـهُ الــــدَّود
إلـِـى أن ينخَـرَ العُــود.... وَيُـمسِي العَظمُ قـَـد رَمّ
وَمِـن بَـعـدُ فـَلا بُــد ّ.... مِنَ العـرض ِ إذا أعـتــُـدّ
صِـرَاط ٌ جـِسرُه ُ مـُـد... عَـلـَى النــّــارِ لِـمَـــن أمّ
فـَكـَم مِـن مُـرشِــدٍ, ضَــلّ.... وَمِـن ذي عِـزّةٍ, ذلّ
وَكـَم مِـن عَـالِـم ٍ, زلّ.... وَقـَالَ الخـَطـبُ قـَد طـَمّ
فـَبَــادِر أيـٌّـهـَا الغـُمـر.... لِمَا يَحلــُو بِــِهِ المُــــــرّ
فـَقـَد كـَادَ يَـهـِي العُـمـر.... وَمَـا أقـلـَعـتَ عَن ذمّ
وَلا تــَركـَن إلـِى الدَّهـــر.... وإن لانَ وإن سَـــرّ
فـَتـلـفـَى كـمَن إغـتـَرّ.... بـِأفـعـَى تـَنفـُثُ السّــــمّ
وّخَـفـِّـض مِـن تـَراقـِـيك.. فـَإن المَـوتَ لا قِـيـك
وَسَــار ٍ, في تــَراقـِـيـك.... وَمَا ينكـُـلُ إن هــَـمّ
وَجَـانِـب صَعـَرَ الخـَـدّ.... إذا سَــاعَـدَكَ الجـَــدّ
وَ زُمّ اللـفــظ َ إن نـَـدّ.... فـَمـَا أسعَـــدَ مَـن زَمّ
وَنـَفـِّـس عَـن أخِـي البَـثّ.... وَصَـدّقـهُ إذا نــَثّ
وَرُمّ العَـمَـلَ الــرّث ّ.... فـَقــَد أفــلـَحَ مَــن رَم ّ
وَرِش مَـن ريشـُه انحَصّ.... بـِمَا عَمّ ومَا خـَصّ
ولا تــَأسَ عَـلى النقـص.. ولا تحرِص عَـلى اللـّمّ
وَعَــادِ الخـُـلـُـقَ الـرَّذل.... وَعَـوِّد كـفـَّـكَ البذل
وَلا تسـتــَمِع ِ العـَـذل.... وَنـَـزِّهـهَـا عَن ِ الضَّـمّ
وَزَوِّد نـَفـسَـك َالخـَيـر.... وَدَع مَا يُعـقِبُ الضَّـير
وَهَـيِّـىء مَـركَبَ السَّـيـر.... وَخـَف مِن لـُجِّةِ اليـَّم
بـِـذا أُوصيتَ يَـا صـَاح.... وَقـَد بُحتُ كـَمَن بـَاح
فـَطـُوبَى لِـفــَتـىً راح.... بـِـآدَابـِيَ يَــأتـــَــــــــم
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد