مأساة طفل

2.5k
3 دقائق
27 شوال 1428 (08-11-2007)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

ليل غشى بظلامه فجراً أغر *** وكهولة برزت على عهد الصغر

وطفولة سيمت عناءً في الصبا *** وهلال يوم ذاق خسفاً كالقمر

وربيع عمر في بدايته انتهى *** وشعاع نجم في مجرته طفر

ونهاية عند البداية أقبلت *** وبداية دون النهاية تحتضر

ليل تلبد بالمآسي وانتضى *** بقساوة تطوي البوادي والحضر

مأساة طفل في حداثة سنه *** رسمت معالمها الليالي والغير

صور تشيب لها الرؤوس تأسّفاً *** ويذوب وجداً عند رؤيتها الحجر

موت يحوم حول طفل يانع *** من كل ناحية تداعى وانهمر

من خلفه نذر الحروب تتابعت *** وأمامه دقت نواقيس الخطر

طفل صغير لم يجاوز أربعاً *** من عمره أًنّى يعي معنى الحذر

هو مسلم الأبوين لاشك اعتلى *** مجدافه موج المآسي فانكسر

هو مسلم زرع الأعادي حوله *** سبل الهلاك وأشعلوا جواً وبر

هو مسلم لاشك قد عصفت به *** تلك الحروب ولم يجد منها مفر

فقد الأقارب كلهم وجثى هنا *** يستقبل الموت المحقق إذ حضر

أطرافه توحي ببؤس مزمن *** أوهى قواه وهَدّه فجثى وخر

فقراته برزت لتحكي للورى *** قصصاً من الإرهاب في أجلى الصور

أضلاعه تنبي بوضع مؤلم *** وجثوه ينبي بأشياء أخر

والنسر يقبع خلفه متربصاً *** متشوقاً يرنوا لوعد منتظر

يبدو رحيماً رغم قسوة طبعه *** مترفّقاً رغم الشراسة بالفطر

لم يقترب من جسمه مسترهباً *** لم يشقه حياً كما فعل البشر

أعطى الأمان لروحه مستعظماً *** إزهاقها حتى يوافيها القدر

هو ميّت والموت صار لمثله *** أولى وأرحم من حياة في سقر

إن لم يمت بالجوع مات بغيره *** ليل المنايا حول مرقده انتشر

إن لم يمت فلسوف يحيى ميتاً *** في قبضة التنصير في حلو أمر

سيباع في سوق الرقيق ويشترى *** ليعود مسموم المبادئ والفكر

هو ميت في الحالتين وفقده *** روحاً أعز من الحياة بلا وطر

ماذا جنى؟ ما جرمه حتى دنى؟ *** منه الشقاء المستطير من الصغر

فيما العناء وعمره لم يرتكب *** جرماً ولا حتى على قلبٍ, خطر

لم ينتهك عرضاً ولم يسفك دماً *** لم يفتعل حرباً ولم يوقد شرر

لم يقترف إثماً ولم يسلك غوى *** لم يقتلع نبتاً ولم يقطف زهر

ببراءة الأطفال عاش ولم يزل *** يمضي إلى ميعاده زاكٍ, أبر

ما ذنبه؟ ما إثمه؟ ما جرمه؟ *** لج السؤال ولم يوافيه الخبر

الذنب ذنب القائمين بأمره *** العاكفين على التسالي والسهر

الجاعلين من الكراسي غاية *** أسمى وأغلى من تعاليم السور

ألقوا به وبغيره في غابة *** مملوءة رعباً وشراً مستطر

هذه المآسي بعض بعض ذنوبهم *** وذنوبهم شتى فأنّى تغتفر

أين العدالة؟ أين من شدقوا بها *** أين النظام العالمي المبتكر

أوليس ما يلقاه هذا الطفل في *** قاموسهم ظلماً بمختلف الصور؟

أوليس ما يجري انتهاكاً صارخاً *** لحقوق إنسان وشيئاً لا يقر؟

أوليس ما يجري يعد جريمة *** في حق عالمنا بشكل مختصر؟

أم أن حق المسلمين وأرضهم *** ودماءهم في حكم شرعته هدر

أمن العدالة أن تدان ضحية *** ويكرم الجاني بدعم مستمر

أمن العدالة أن تشرّد أمة *** ويقال للمحتل قولاً معتبر

الحق أن العدل في منظوره *** أمن اليهود وما سواه فلا ضرر

هذا النظام العالمي وإنه *** ثديٌ إذا لمسته إسرائيل در

هذا النظام العالمي ومن رأى *** فيه الخلاص من العناء فقد قصر

أين الذين به تغنوا واحتفوا *** من قومنا وسعوا إليه بلا حذر

أين الذين دعوا إليه ومَجّدوا *** وبه أشادوا دون وعي أو بصر

هل يا ترى هذي المشاهد كلها *** تكفي لتجعلهم يعيدون النظر

هل يا ترى هذي المشاهد كلها *** تكفي لتصبح في مسيرتهم عبر

هل يا ترى هذه المآسي كلها *** يبقى لها في قلبهم أدنى أثر

قست القلوب ولم يعد في لينها *** أمل ولو كانت حديداً لانصهر


أضف تعليق