يا درة الأمجاد

بَغدادُ تنطقُ بالهـوَى عينَـاكِ

وقفت على الأطلالِ ساعةَ رهبةٍ,

بغدادُ يحملُنِي الهَوَى ويُذيبُنِـي

ويزيدُني مَرٌّ النَّسيمِ من الجَوَى

وتفيدني الأيـامُ درسَ عزيمـةٍ,

تتأوّه الأغصانُ من ألمِ النّـوَى

أبكي ويرتعشُ اليراعُ وترتَمِـي

بالله يـا دارَ السّـلامِ ترفّقِـي

ورُبَى الحجازِ عليلةٌ ممّا جَـرَى

وَرِمَالُ نجـدٍ, أغرقتهَـا أدمـعٌ

وشواهقُ السَّرَواتِ تُعلِي صرخةً

تتقاذفُ الأيـامُ غابـرَ مجدِنَـا

أيامَ كنتِ على الدِّيـارِ أميـرةً

أيّامَ يرسِلُهـا الرّشيـدُ بعـزَّةٍ,

يا دارُ يأسرني الحنينُ لروضةٍ,

وأرى الصّبابةَ والمحبّةَ والنَّدَى

كم عَاشقٍ, أفنى صَبَابةَ عُمـرِهِ

والنورُ يحسبُ أنَّـهُ مـن دُرّةٍ,

والسيفُ يلمعُ في مقابضِ فتيةٍ,

فاستبسلت تلكَ الأسُودُ ببَذلِهـا

لا زالَ للمجـدِ الأثيـلِ بقـيّـةٌ

يا درّةَ الأمجادِ هل من سَائـلٍ,

بغدادُ ماذا قد يرومُ بِكِ العِـدَا

وعنِ الكرامةِ والشهادةِ والهُدَى

وعنِ الجيوشِ الفاتحاتِ وأهلِها

بغدادُ يا رمزَ الثّبـاتِ تمسّكـي

ولربَّمَـا تَحيَـا مَآثـرُ أمَّتِـي

وكجَمرِ أشواقِي بَـدَت شَفَتـاكِ

تلك السّحائِبُ فاستَهـلَّ نَـدَاكِ

شوقٌ لرؤيةِ ثغـركِ الضّحـاكِ

وتعيدُنِي الذّكرَى إلـى ذكـرَاكِ

لمّا تسير إلـى العُـلا قدَمَـاكِ

ويتوهُ بالألحَانِ رَجـعُ صـداكِ

منِّي الحروفُ على سَنَا نجوَاكِ

إنّي لأشكُو من لظَـى شَكـوَاكِ

والشامُ يسلبُها الهَـوَى مَـرآكِ

فيَّاضَةُ الأحـزانِ حيـنَ تَـرَاكِ

لا تخضَعِـي يـا دُرَّةَ الأفـلاكِ

ومراتعَ الذّكرى وبَـوحَ ثَـرَاكِ

تتضوَّعُ الأزهارُ نفـحَ شـذاكِ

أينَ المكـارم والهـدى لَـولاكِ

تروي الظِّمآءَ وتنتمِـي لرُبَـاكِ

حَسبُ العُلا والجُودِ أن عَرَفَـاكِ

يرجو الوِصَالَ فأكرمتـهُ يَـدَاكِ

حسناءَ يرمُقُها الهَوَى فيـرَاكِ

صانُوا حَرِيمَكِ واحتَمَوا بحِمَاكِ

وأبَيتِ يـا بَغـدادُ أن ننسَـاكِ

قد شادها في الخافقيـنِ فِـدَاكِ

عن فجرٍ, مَجدٍ, باسِـمٍ, يغشـاكِ؟

والسيفُ والقرآنُ قد حَرَسَـاكِ؟

والصِّيدُ قد لبَّـت كَرِيـمَ نِـدَاكِ

وعنِ الفصَاحةِ تعتلـي بِعُـلاكِ

فالنّصر يا بغـداد قـد حيّـاكِ

وتعيدُهـا للمكرُمَـاتِ خُـطَـاكِ