على الجيف من يحيا


 

بسم الله الرحمن الرحيم

أنى الطيب يهواه

الشر طرّز بالضلال سماه *** والفقر أطلق في الحياة وغاه

 

واللهجة الجوفاء أزجى بحرها *** لجج الجريمة في سلال لظاه

 

والحق بالخذلان كفّن نفسه *** فإذا دموع القهر رجع نواه

 

وعواصف الأطماع في مضمارها *** قد أفرخت للعصر رهج عماه

 

ورحى العجائب شمرت عن ساقها *** وروت لحاضرنا طريف قذاه

 

صوراً قوانين الذئاب سوادها *** والغدر منطقُ متنها ورباه

 

خلعت على الحرباء من ألوانها *** ما أضحك الأقوى ورب عصاه

 

فاستعبد الأدنى الضعيف مهانة *** تبتز باللأواء رعد إباه

 

وتروّض الأسد الهصور \" نعامة *** ربداء \" يُسلِم للسلام حماه

 

زمن الدهاقنة اللئام بَدا به *** طفل النكاية حاضناً لأساه

 

قد أرهق العدم الكؤود وجوده *** فتقاسم الجوع المرير قواه

 

وتوشح العُري الموشى بالصقيـ *** ـع أديمه ومضى يشب ضناه

 

وتبخرت في وهنه أدواؤه *** بغياً وألقت للعذاب حصاه

 

حتى الأحبة خلّفوه وغادروا *** بحثاً عن القوت الشريد فتاهوا

 

تركوه للآلام يلعق كربه *** ويخطّ في صلف الوجوم بكاه

 

ويصب للتاريخ جام أنينه *** وإدانة الأفعى البغي رجاه

 

حتى إذا ما ملّه الكوخ الذي *** برتابة الوجع العُتي كواه

 

أمّ الفضاء الرحب يغسل طرفه *** في أرخبيل الليل خلف قُراه

 

ومضى يلاعب غُصة الحُرَق التي *** فيها شموخ البؤس سنّ مداه

 

وكما رأى حال المصيبة أُمّه *** تأتي سجود الخاشعين أتاه

 

يا رب: ساد الذل رقعة عالمي *** هذا المصنف ثالثاً لغباه

 

وشرى الذي يخزي بمدحة فاجر *** أثنى ليحصد ما تطول يداه

 

ومضى يهرول خلفها ولعاً بما *** قالت \" حَذامِ \" فقولها أجواه

 

فإذا بنا في ظل عولمة الدجى *** في الظلم نغرق حاميين لواه

 

نفنى لكي يحيا الغني ونمتطي *** حسك الضنا كيما يدوم رخاه

 

ونعيش في ذيل الحياة خريطة *** يجتاحنا استغلاله وأذاه

 

في \" دارفور \" وآسيا وإفريقيا *** في كل ما زان الأذانُ سماه

 

باسم الحضارة والتقدم والتقى *** والزيف ما نافى النداء صداه

 

وأنا ولوني شاهد حيُّ على *** هذا الذي بالزيف حاط وباه

 

وهنا!! أتى نسر تنزل وارتدى *** سُكنى جناحيه وحط وراه

 

وكقانص صلب القوام مجرب *** خبر الوقوف على بساط دهاه

 

عينيه سدّد كالرصاص وفي سجـ *** ـود الطفل راح يرج قعب مناه

 

من بعد ما أخفى تطاول عنقه *** في منكبيه تهيؤاً لغذاه

 

من أنت؟ ما تبغي؟ لا تبدو هنا؟ *** والطفل ليس بجيفة أتراه؟

 

أم خانك الأنف الشموم فلم تعد *** تدري سبيلاً للذي تهواه

 

ألقى خيول الردَّ في سمت وفي *** ثوب قشيب قال ما فحواه:

 

إني أنا شيخ النسور وسيد الـ *** أطيار والرمز الوريف عطاه

 

أضحيت بالبأس المفدى كعبة *** للمستجير وراعياً لخطاه

 

وغدوت للإرهاب برقاً ماحقاً *** يكفي تخوم الأرض نار بلاه

 

وأتيت أحمل للسلام غصونه *** وأسوق للطفل النكيب هناه

 

وأمد للتحرير إنسانيتي *** كفاً يحقق للضعيف رجاه

 

وبذا فقد كُلفتُ من أمم غدت *** في مجلس التحكيم نبع حداه

 

ولما وقوفك هكذا متربصاً؟ *** رسل السلام وقوفها يرعاه

 

لا..لم أشأ ما خلته من وقفتي *** فأنا الغني عن الذين تناهوا

 

ما كنت إلا مصغياً لدعائه *** ذاك الذي إرهابه أملاه

 

من ثم عدت مفكراً في علة الـ *** ـداء العضال وفي دلاء دواه

 

فوجدت ربقة جهله قد مثّلت *** في عنقه السبب الذي أغواه

 

فركبت معراج التأمل طالباً *** وجهاً لبتر رباطها وعناه

 

أضحكتني، شيخ النسور بما حوى *** تبريرك المعسول ما أحلاه

 

يبدو بطهر العشب في ألق الضحى *** والجوف يرعد من خلوف رحاه

 

أوليس مجلس دجلكم من كال في *** جور بمكيالين دون سواه؟

 

من شره أتت المعرى من عرى *** الأخلاق حين الفسق شاد علاه

 

في فعلك الترويع والإرهاب ما *** أفضى إليه بباطل فنماه

 

أنى يحب الطيب من يفنى به؟ *** ومتى يعاف الجيف من يهواه؟

 

فإذا غدوت لغير دأب آكلاً *** حياً وإنساناً فإنّ لحاه

 

من نزعة العصر الأثيم تفتقت *** بشريعة الغاب اللعين غواه

 

لكنما سنصد عنك الطفل ما *** كان استطاع فداءنا وفداه

 

وإذا غلبت فإن وافر أكلك الـ *** ـمنهوم حتماً سوف يحكم فاه

 

ويحيل بطشك فترةً موَّارة *** تُجري غداً للجيل فيك قضاه

 

فتبيت رهن العدل، لا جبروت، لا *** سلطان لا \" فيتو \" تُحيل دجاه

 

مهما علا في الدهر دخان القوى *** لا بد يدفن في لهاث ذراه

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply