تسربلوا إيمانَهم وانتضـَـــوا *** لمبتغاهم كلَّ شوقٍ, صــقيل
شدّوا على الأكوارِ عزمَ السرى *** وزادُهم حزنٌ وصبرٌ جمــيل
تلفّتوا حيناً وما ودّعــــوا *** والصمتُ معنًى للوداع النـبيل
لمّا أداروا ظهرهم للقـــرى *** تيقّنت أن الرحيلَ الرحـــيل
كأنّما شــمسَ الضحى بعدهم *** مسمولةٌ والبدرُ طـرفٌ كلـيل
***
قـال الـذي ألوى بآثـارهـم *** وبات يستجدي نحيبَ الطلـول
ما مـنزلٌ مسـّــتهُ أخبارُهم *** إلا تلظّت فيه نارُ العــويـل
ما طـلحةٌ مـروا بها غــدوةً *** إلا أعادت حشرجاتِ النخيــل
كانوا الندى..كانوا اشتعال الرؤى *** في ليلنا..كانوا عبيرَ الحقــول
كانوا غناءَ النجـمِ في عرسـه *** كانوا حديثَ الهيل للزنجبــيل
كانت خطاهم أنجـماً في الدّجى *** كانت رؤاهم منبعاً للأصــيـل
مـروا على (ثهلانَ) فانتابـهم *** شوقٌ وطال مكثُهم في(الدخول)
تـزودوا بالنـورِ مـن يثربٍ, *** حيناً وحيناً أشرقوا في (الجليل)
لم يستحل أمـرٌ على عزمـهم *** بل إنّه يخشــاهُمُ المستحـيل
لمّا توراى الأفـقُ من خلفـهم *** علمتُ أن الدربَ ليلٌ طويــل
فما مقـامي هاهـنا فـارغٌ *** أشيع الإذلال جيــلاً فجيــل
آوي إلى جرفِ الهوان الـذي *** لمّا يزل تذروه ريحُ الخمــول
والأرضُ تبدو بعـدهم حفرةً *** ممقوتةً والكـونُ كوخـاً ذليل