إنها كلماتُ قلبٍ, خرجَت من بين الركام والحرائق والأهوال..كلماتٌ تعبّر عن لقاءٍ, مباركٍ, بين الوطن وأبنائه..بين بغداد وعُشّاقها.. لكنه لقاءٌ مفعَمٌ بالحديد والنار والعتاب والعذاب.. لقاءٌ في زمن الاحتلال.. في زمن الخراب والدمار.. اللقاء الذي تحوّلَ فيه النور إلى نار، والهدوء إلى كارثة، والأمن إلى أزيزٍ, ودويٍ, وفوضى، والحُبٌّ إلى أشدّ درجات الكراهية!..
لكن مع ذلك.. مع كل ذلك.. فلا مستقبل للاحتلال.. ولا للظلم.. ولا للنهب والدمار.. فبغداد على مرّ التاريخ نهضت من بين الركام لتجدّد نفسها، ولتصبح أشد ألقاً، وأسطعَ نوراً، وأقوى عزيمةً وشكيمة.. فقد اندثر بالأمسِ كل المحتلّين، وكل المارقين، وكل المأجورين، وكل السفّاحين، وكلّ المعتدين.. لكنّ بغداد الرشيد والمنصور بقيت.. وستبقى.. دُرّةَ الكون، ومعشوقةَ العاشقين، وموئلَ الأحرار ووطَنَ الأكرمين!..
لم يتوقع أحد من الناس، أنّ مخالب الوحوش سترتكب كل هذا الحجم من التدمير والتخريب.. كنا نعرف أنهم همجيون يعيشون في القرن الحادي والعشرين.. لكننا لم نكن نقدّر حقيقةً حجم همجيّتهم وتخلّفهم وحقدهم ولصوصيّتهم.. وهذه بالضبط هي المزايا التي ستعجّل في نهايتهم بإذن الله، كونوا على يقين.. فنحن على يقينٍ, لا يتزعزع!..
*** *** ***
بِـشَـوقِـيَ جِـئتُكِ يَا بَغدَادُ مُنهَكَاً *** أجـتَـرٌّ أحـزَانِـي وطُولَ غِيابِي
هِـيَ ذِي جِـراحَـاتِي الَّتي خَبَّأتُهَا *** عَـبـرَ السِّنينِ.. وهَؤلاءِ صِحَابِي
لا تَـرمُـقِـيـنِـي يَا حَبيبَةُ هَكَذَا *** مَـا آنَ يَـا عُـمُـرِي أوَانُ عِتَابِ
لا تُـنـكِـريـنِي يَا ابنَةَ العَمِّ الَّتي *** شُـغِـفـتُ بِـهَا كَمَا شَغَفِي بِأحبَابِي
بَـيـنَ جَـفـنَيكِ خُذِينِي يَا حَبيبَتِي *** فَـلَـطَـالَـمَا ضَمَمتُكِ بَينَ أهدَابِي
*** *** ***
مَـاذا أقـولُ يَـا وَطَنَ الرَّشيدِ هُنَا *** فـالـطٌّـهـرُ مَمزوجٌ بِجُلِّ خَرَابِ
أيـنَ الَّـذيـنَ يَـسـتَضِيفُونَ هَمَّنَا *** لـيُضَمِّخُونَا بِعِطرِ هَذَا التٌّرَابِ ؟!..
أيـنَ الـعَـصَـافِـيرُ المغَرِّدَةُ الَّتي *** مَا زَالَ شَدوُهَا يَحِنٌّ فِي خِضَابِي؟!.
أيـنَ الـنٌّـجُـومُ الـمُلألأةُ اللَّوَاتِي *** مَا يَزَالُ نورُهُنَّ يُضِيءُ شَبَابِي ؟!..
أيـنَ الأزَاهِـيـرُ الـمـلوَّنَةُ الَّتي *** يَفُوحُ عَبِيرُ رَحِيقِهَا فِي رِحَابِي ؟!..
أيـنَ الضِّفَافُ الخُضرُ مَا بَرِحَت هُنَا *** تَـرتَاحُ بَينَ النَّخِيلِ والأعنَابِ ؟!.
وأيـنَ الـحَـمَامَاتُ البِيضُ اللَّوَاتِي *** يَـشـمُـخنَ فَوقَ مَآذِنٍ, وقِبَابِ ؟!..
*** *** ***
بَـغـدَادُ.. يَـا شَهدَ البِلادِ جَمِيعِهَا *** يَـا مَـوئِـلَ الأروَاحِ والأطـيَـابِ
أوَّاهُ يَـا أرضَ الـخِـلافَـةِ نُورُهَا *** حَـجَـبُـوهُ عَن شَعبِي بِألفِ حِجَابِ
بَـغـدَادُ.. يَـا أمَّ الـجِبَاهِ الشٌّمِّ يَا *** بِـنـتَ الـعُلا أردَاكِ طَعنُ حِرَابِ
يَـا مَـوطِنَ الأحرَارِ هَل مِن دَمعَةٍ, *** تَجرِي بِرِفقٍ, عَلَى خَدِّ السَّحَابِ ؟!.
بَـغـدَادُ مَـاذا سَـأكتُبُ وَفِي دَارِي *** دَوِيٌّ الـقَـذَائِفِ وأنيَابُ الذِّئابِ؟!..
بَـغـدَادُ يَـا دَارَ الـسَّـلامِ تَـحِيَّةً *** وَطَـنُ الحَضَارَةِ عَجَّ بِالأَذنَابِ ؟!..
*** *** ***
مِـن مُـهـجَتِي أنسَلٌّ يَا بَغدَادُ سَي *** فَـاً بـاحـثـاً عَـن أمَّـةِ الأحبَابِ
هِـيَ ذِي حَـضَارَةُ غَربِهِم بِظَلاَمِهَا *** شَـعَّـت عَـلَـيكِ بِظُلمَةِ الإرهَابِ
لَـم يَـبـقَ في الدٌّنيَا سِوَى أحقَادِهِم *** قَـد سَـعَّـرَتـهَـا شِرعَةُ الأعرَابِ
بِـالأمـسِ كَـانت أرضُهُم بِكِ جَنَّةً *** والـيَـومَ قَـد سَـامُوكِ بَحرَ عَذَابِ
أرضَ الـرَّشـيـدِ إلَيكِ جِئتُكِ مُتعَبَاً *** وسَـوفَ أبـقَـى مُـتـعَبَاً بِذَهَابِي
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد