سلامة منهج الاستدلال عند السلف وفساد منهج المخالفين


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى الله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فحديثنا في هذا العدد عن سلامة منهج الاستدلال عند السلف أهل السنة، وفساد مناهج المخالفين في ذلك.

 

منهج الاستدلال هو: الأصول والقواعد، والطريقة التي يتم بها تلقي الدين وتقرير العقيدة، واستنباط الأحكام من النصوص الشرعية وقواعد الشرع المبنية عليها.

ومنهج الاستدلال عند أهل السنة والجماعة يقوم على القواعد التالية:

1- حصر الاستدلال في الدليل الشرعي (الوحي).

2- مراعاة قواعد الاستدلال، فلا يضربون الأدلة الشرعية بعضها ببعض، بل يردون المتشابه إلى المحكم، والمجمل إلى المبين، ويجمعون بين نصوص الوعد والوعيد والنفي والإثبات، والعموم والخصوص، ويقولون بالنسخ في الأحكام ونحو ذلك.

3- يعملون بكل ما صح من الأدلة الشرعية دون تفريق بين آحاد وغيره.

4- يعتمدون تفسير القرآن بالقرآن، والقرآن بالسنة والعكس، ويعتمدون معاني لغة العرب ولسانهمº لأنها لغة القرآن والسنة، ويردون ما يخالف ذلك.

5- يعتمدون تفسير الصحابة، وفهمهم للنصوص وأقوالهم وأعمالهم وآثارهمº لأنهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهم أفضل الأمة وأزكاها، وعاشوا وقت تنزل الوحي وأعلم باللغة ومقاصد الشرع، ثم آثار السلف الصالح أئمة الهدى الذين هم بهم مقتدون.

6- ما بلغهم وعلموه من الدين عملوا به، وما اشتبه عليهم علمه، أو علم كيفيته، (كبعض نصوص الغيبيات والقدر) يسلمون به ويردون علمه إلى الله - سبحانه وتعالى - ولا يخوضون فيه.

7- يتجنبون الألفاظ البدعية في العقيدة (كالجوهر والعرض والجسم) لاحتمالها للخطأ والصوابº ولأن في ألفاظ الشرع غنى وكمالاً.

8- يتجنبون المراء والخصومات في الدين، ولا يجادلون إلا بالتي هي أحسن.

9- ينفون التعارض بين العقل السليم والفطرة وبين نصوص الشرع، وبين الحقيقة والشرع، وما يتوهمه أهل الأهواء من التعارض بين العقل والنقل فهو من عجز عقولهم وقصورها.

10- يتجنبون التأويل في العقيدة والغيبيات- بغير دليل شرعي صريح - لأنه قول على الله بغير علمº ولأن مسائل العقيدة والغيبيات توقيفية لا مجال للرأي ولا للعقل فيها ولا تدرك بالعلوم الحسية.

11- يعنون بالإسناد وثقة الرواة وعدالتهم لحفظ الدين.

 

أما منهج الاستدلال عند أهل الأهواء والبدع والافتراق إجمالاً فإنه يقوم على الأسس التالية:

1- عدم حصر الاستدلال على الدليل الشرعي، حتى في العقائد، (وهي توقيفية)، فإنهم يستدلون بالظنيات والأوهام، والفلسفات، ويسمونها (العقليات)، كما يستدلون بالحكايات والأساطير وما لا أصل له، وبالأحاديث

الموضوعة والآثار المكذوبة، وآراء الرجال في الدين، وما يسمونه الكشف والذوق والأحلام، ونحو ذلك.

2- لا يراعون قواعد الاستدلال، فيتبعون المتشابه ولا يردونه إلى المحكم: فيتبعون ما تشابه منه[آل عمران: 7]،

ويضربون الأدلة بعضها ببعض، ويزعمون التعارض بينها، ويستدلون بالمجمل ولا يردونه إلى المبيِّن، ولا يجمعون بين نصوص الوعد والوعيد، ولا النفي والإثبات، ولا العموم والخصوص.

3- يضعون لأنفسهم أصولاً يبتدعونها بأهوائهم، وينتزعون لها أدلة من القرآن والسنة، على غير المنهج الشرعي في الاستدلال، وما لا يوافق أصولهم وأهواءهم من نصوص الشرع، يردونه، أو يؤولونه.

4- يفسرون نصوص الشرع بأهوائهم، فلا يعتمدون تفسير بعضها ببعض، ولا يعتمدون معاني اللغة، وبعضهم قد

يستدل ببعض وجوه اللغة بمعزل عن فهم السلف، وعن الدلالات الأخرى.

5- لا يعتمدون تفسير الصحابة والسلف الصالح، ولا فهمهم للنصوص، ولا آثارهم وعملهم وهديهم، بل يجانبونهم، ويتبعون غير سبيل المؤمنين.

6- يخوضون فيما نهى الله عنه من نصوص القدر والصفات والسمعيات ونحوها: ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله[آل عمران: 7].

7- يعتمدون الألفاظ البدعية في الصفات وسائر العقيدة (كالجسم والعرض والجوهر).

8- يقوم منهجهم على المراء والخصومات والجدال بالباطل.

9- يتوهمون التعارض بين العقل والشرع، وبين الحقيقة والشريعة، وبين القدر والشرع، وبين أصولهم والشرع،

ثم يحكمون أهواءهم وأصولهم وعقلياتهم الفاسدة ويقدمونها على الشرع.

10- يعتمدون على التأويل في العقيدة، ويقولون على الله بغير علم: ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله[آل عمران: 7].

11- ليس لهم عناية بالإسنادº لتعويلهم على الأهواء وآراء الرجال، والوضع وما لا أصل له، ولذلك يعتمدون الأحاديث الموضوعة والضعيفة، وما أصل له، وبالمقابل قد يردون الأحاديث الصحيحة إذا خالفت أهواءهم كما سبق بيانه.

عبارة: «أهل السنة والجماعة» وصف شرعي: زعم بعض أهل الأهواء (قديمًا وحديثًا) أن أهل السنة والجماعة، وصف أطلقه السلف على أنفسهم وأتباعهم، والحق أن: أهل السنة والجماعة وصف شرعي لأهل الحق الذين

يتمسكون بالسنة حين يخرج عنها أصحاب السبل أهل الأهواء والبدع والافتراق، وأهل السنة هم الطائفة التي تبقى على الحق ظاهرة كما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك». [متفق عليه]. فقد نص حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا على أن هذا الدين سيبقى ممثلاً بطائفة، وهي الفرقة الناجية، التي استثناها

الرسول - صلى الله عليه وسلم -، من الفرق الهالكة عند الافتراق والاختلاف في الدين، فقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه وغيره أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «تفترق اليهود على إحدى وسبعين فرقة، أو اثنتين وسبعين فرقة، والنصارى مثل ذلك، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة». [صححه الألباني في ظلال الجنة] وقد أجمع أهل العلم وأئمة الهدى على أن هذه الفرقة الناجية هم أهل السنة والجماعة. وأهل السنة والجماعة: هم الصحابة والتابعون والسلف الصالح وأئمة الهدى، أهل الحديث والعلم والفقه في الدين في القرون الثلاثة الفاضلة، ومن اقتفى أثرهم واتبع سبيلهم، ولم يحدث ولم يبتدع في الدين ما لم يكن من هديهم، لأنهم كانوا على المحجة البيضاء، على بينة من ربهم، لم تعصف بهم الأهواء والفتن، ولم تحرفهم البدع عن العروة الوثقى والصراط المستقيم.

وأهل السنة هم كل مَن اهتدى بما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأصحابه والتابعون، في الهدي الظاهر والباطن. وهدي الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته والسلف الصالح بين واضح، منقول مسطور محفوظ، هو كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما فهمها وعمل بها السلف الصالح، وأتباعهم.

ومع وضوح هذا الأمر، فإن الكثير من المسلمين في هذا العصر مع اختلاط الثقافات، وانتشار البدع، واستعلاء الفرق والمذاهب الضالة، وظهور التيارات التي تشكك في المسلمات، جهلوا كثيرًا من أمور دينهم وعقيدتهم.

وكان مما أصبح مجهولاً لدى الكثير من المسلمين: مفهوم أهل السنة والجماعة، وأصولهمº وهديهم، مما جعل بعض الجاهلين يدعي: أن أهل السنة تاريخ مضى. أو أنه ليست هناك طائفة يصدق عليها هذا الوصف.

أو أن مناهج السلف إنما هي أصول نظرية مثالية. أو أن المسلمين جميعًا على مختلف مشاربهم على السنة.

أو أن مناهج السنة عفا عليها الزمن، ولابد من البدائل بالتجديد.

أو أن أئمة السلف الصالح هم الذين اخترعوا لأنفسهم هذا الوصف.

أو أن وصف أهل السنة لم يعد يصدق على أحدº لأن الكل يدَّعيه ولا يُسَلَّم له ذلك. كما ظهرت أخيرًا دعاوى، ومزاعم وشعارات من قبل أهل الأهواء وبعض الفرق والجماعات، التي تخالف السنة والجماعة، بأنها هي أهل السنة والجماعة، أو أنها منهم أو تنتمي إليهم، وهذه مزاعم عريَّة من الدليل والبرهان.

وللحديث بقية بعون الله - تعالى -.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply