الافتخار والاعتزاز بالإسلام


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

من طبيعة البشر وفطرتهم التي فطرهم الله عليها أن يعتزوا دائما بنسب أو مال أو جاه أو غيره، فالإنسان مجبول على حب البحث عن العزة بأي سبب من الأسباب.

عباد الله إن الناس أقسامº أول قسم منهم الكفار: هؤلاء الذين يعتزون بكفرهم وشركهم وقديما اعتز المشركون بعبادتهم للأوثان، فقال - تعالى -: {وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا - كَلَّا ۚ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا​}، وهؤلاء سحرة فرعون ظنوا أن العزة بيد فرعون فتحدوا موسى بذلك، فقال - تعالى -: {وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ} وهذا القسم من الناس عباد الله خائب في الدنيا خاسر في الآخرة.

والقسم الثاني: هم المنافقون الذين يطلبون العزة من موالاة الكفار والترامي في أحضان أعداء الأمة ظانين أن الغلبة لهؤلاء الكافرين أن حالهم بالعلو دائم متجاهلين سنن الله في الكون فقال - تعالى - في وصف هؤلاء :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ - فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۚ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ​}.وتجد هؤلاء القوم يصرون على موقفهم مع أن الله - سبحانه - أخبرنا في كتابه خطأ ظنهم، وحسم العزة لنفسه جل جلاله، فقال - تعالى -: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا - الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا​}. وهذا القسم خائب أيضا في الدنيا وخاسر في الآخرة والعياذ بالله.

أما القسم الثالث: عباد الله فهم المؤمنون الصادقون الذين ارتضوا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبيا ورسولا هؤلاء الذين علموا وتيقنوا أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، وساروا طلبا للعزة منطلقين من قوله - تعالى -: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا}.

فالمؤمن عباد الله يعلم أن الله - سبحانه - هو الذي يعز ويذل، وهو الذي يؤتي الملك وينزعه ولا يقوم بذلك إنس ولا جن لا ملك ولاحاكم ولا طاغوت ولا سواهمº مصداقا لقوله - تعالى -: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}. ومن هنا اعتز هؤلاء النفر بالله وبدينهم وبإسلامهم، لم يلتفتوا للباطل ولا لأهله، ولم ينظروا للظلم وجولته، وإنما زرعوا في قلوبهم قول الله - تعالى -: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ​}.

فلم ينظروا إلى المجرمين من الكفار واستكبارهم في الأرض، ولم يلتفتوا إلى علو الطغاة الظالمين، ولم يأبهوا بالهجمة الحاقدة على هذا الدين، وبالترصد الغادر للمجاهدين، فلم ينحنوا إلا لله ولم يقبلوا الدنية في دينهم بحجة الواقع، كما فعل البعض فتبرأ من دينه وعقيدته وكال التهم والشتائم للجهاد والمجاهدين، مبرئا نفسه من الإرهاب وأهله كما يدعون.

عباد الله: إن الاعتزاز بالإسلام والانتساب إليه إنما هو من أهم أسباب الرفعة للأمم، وهذا عمر الفاروق - رضي الله عنه - يسطر هذه القاعدة خالدة إلى يوم الدين فقال: كنا أذلة فأعزنا الله بالإسلام فإذا ابتغينا العزة في غير الإسلام أذلنا اللهº فإلى اللاهثين وراء الطواغيت وإلى الراكعين لأعدائهم وإلى الراكضين وراء المال والجاه هلا تمعنتم في قول الفاروق الذي لم يكن في قومه في الجاهلية ذليلا ولم يكن عبدا مهانا وإنما كان سيدا مهابا ورجلا عزيزا ومع ذلك يقول هذه المقولة عن تجربة وخبرة وعلم فيا ليت قومي يفقهون!!.

أخوة الإسلام: إن العزة بالإسلام إنما هي قوة وشدة على أعداء الله وجهادا لهم وثباتا وصبرا على أذاهم وإرغاما لأنوفهم بكل وسيلة شرعها الله و سنتها قوانين العدل، وهي في الوقت ذاته رحمة للمؤمنين ولين عليهم وألفة لهم وبهذا يقول الحق - تعالى -: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم}، ويقول - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، فالعزة طريق النصر ولا يمكن لمرء يخجل من دينه وانتمائه لهذا الإسلام أن يكون قويا مدافعا عن فكرته ومبادئه لأن فاقد الشيء لا يعطيه، فالذي دخل الوهن والضعف في قلبه أنى له أن يقنع الآخرين بما يحمل من أمانة ورسالة!؟

عباد الله: لو رجعنا إلى تاريخنا وسيرتنا وماضي أمتنا لوجدناه يمضي على نسق واحد، أنه كلما رجعت الأمة إلى دينها وتمسكت به، سادت الأمم ووصلت إلى القمة، وكلما حادت عن الطريق وابتعدت عن الإعتزاز و الافتخار بهذا الدين سقطت في أودية الذل لا يرفعها إلا عودتها لدينها وتمسكها به واعتزازها به.

كيف لا يكون ذلك والإسلام دين رضيه الله لنا وهو - جل جلاله - الذي خلقنا وهو أعلم بما يصلح حالنا فقد قال الله-  تعالى -: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}، ويقول - تعالى -: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}، وهو القائل - سبحانه -: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.

إذن لا بد لكل مسلم أن يعلنها بكل صراحة، مدويا أن ديني الذي أحمل هو الإسلام وبكل فخر، فهو الدين الذي سينقذ البشرية من ظلام ظلم الظالمين، ويرفعها من الهوان والذل الذي تغرق فيه وإنه لقادر على ذلك بإذن الله.

أخوة الإسلام يقول الله تعلى: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين}، قالها بكل افتخار واعتزاز، رافعا رأسه بدينه عقيدة وسلوكا ودستورا ومنهاج حياة، وهذا ما أخبر الله - تعالى - به عن حال الأنبياء السابقين كيف أنهم دانوا بالإسلام وأعلنوا ذلك إلى قيام الساعة، فهذا نوح - عليه السلام - قال الله - تعالى -على لسانه: {وأمرت أن أكون من المسلمين}، وهذا إبراهيم - عليه السلام - جاء قومه بالإسلام ووصاهم به فقال - تعالى -: {ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بنيّ إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا و أنتم مسلمون}، وهذا يوسف - عليه السلام - يدعو ربه دعاءه المعروف بقوله - تعالى -: {توفني مسلما وألحقني بالصالحين}، وهذا موسى - عليه السلام - يؤكد لقومه الالتزام بالإسلام فقال - تعالى -: {وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين}، وهذا عيسى - عليه السلام - قرر قومه بالإسلام فقال -تعالى-: {فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنّا مسلمون}، وهذا خير خلق الله محمد - صلى الله عليه وسلم - يعلنها لكل البشرية قائدا معتزا بإسلامه حيث قال الله - تعالى -: {قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين وأمرت لأن أكون أول المسلمين}.

عباد الله: ما دامت هذه دعوة الأنبياء جميعا وهذا حالهم وافتخارهم، فلماذا يستحي البعض من أن يظهر أنه مسلم أو يطبق بعض شعائره علنا! بل الأدهى والأمرّ أنك تجد في الأمة من يصر على تحويل كل قضاياها وأمورها إلى شرقية وغربية وقومية وحزبية وغيرها من الشعارات واللافتات والتفاهات التي لا تسمن ولا تغني من جوع ولا يتجرأ أبدا أن يتفوه بإسم الإسلام على لسانه وليته مضطرا لفعل ذلك، لهان الأمر قليلا ولكنه الجهل أحيانا والخبث والمكر أحيانا أكثرº أيها المسلمون، ألم ينصر الله - سبحانه - عباده الصالحين ويعدهم بميراث الأرض فقال- تعالى-: {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحين}، وقال - تعالى -: {إنّا لننصر رسلنا و الذين آمنوا في الحياة الدنيا و يوم يقوم الأشهاد}.

و قال - تعالى -: {وعد الله الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم و ليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم و ليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني و لا يشركون بي شيئا}.

فيا من تبحثون عن المجد، يا من تبحثون عن الأمن، أيها الراكضون وراء الملك و الجاه إن الطريق واضح لمن كان له قلب، وإن السبيل بيّن لمن كان له لب إن طريقكم إلى المجد والعلا و الأمن و الأمان و حكومة الأرض بأسرها إنما هو بالسير على هدي كتاب الله و سنة نبيه مفتخرين معتزين بهذا الإسلام رغم كيد الكائدين و رغم ضعف المنهزمينº فالإسلام الإسلام عباد اللهº الإسلام الذي ترجمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا)º والذي قال - تعالى - في وصف أهله: {إنما المؤمنون أخوة}، ووصف النبي - صلى الله عليه وسلم - المسلمين به كالجسد الواحد فقال: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم و تعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمّى).

و لنعلم أخيراً عباد الله أن الافتخار و الاعتزاز بهذا الدين لا يكون بالكلام و حسب وإنما يحتاج إلى دليل و برهان و أعظم دليل على الافتخار بهذا الدين مواجهة أعداء الله و طغيانهم به جهاداً واستشهاداًº فلكي يرتفع هذا الأمر و يتم لا بد له من تضحية و جهاد، و لا بد له من دماء تراق و تسيل في سبيل الله - تعالى -، وتكون النتيجة عندها مرضية في الدنيا و الآخرة.

و من هنا عباد الله لا يحق لنا أبداً أن ننسى إخواننا المجاهدين في كل مكان و خاصة على أرض فلسطين الرسل و الأنبياء أولى قبلة المسلمين و فيها ثالث المسجدين. هؤلاء الذين ترجموا الاعتزاز بالدين على أرض الواقع بدمائهم حتى شهد لهم القاصي والداني.

ومن اعتز بغير الإسلام ذل في الدنيا و خسر في الآخرة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (انتسب رجلان على عهد موسى - عليه السلام - فقال أحدهما: أنا فلان بن فلان حتى عد تسعة، فمن أنت لا أم لك؟ قال: أنا فلان بن فلان ابن الإسلام، قال: فأوحى الله إلى موسى - عليه السلام - أن قل لهذين المنتسبين: أما أنت أيها المنتمي أو المنتسب لتسعة في النار أنت عاشرهمº وأما أنت يا هذا المنتسب إلى اثنين في الجنة فأنت ثالثهما في الجنة).

ورحم الله من قال:

 أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا اعتزوا بقيس أو تميم

أخوة الإسلام: إن الله - سبحانه - سمانّا المسلمين فإياكم والخجل مما سماكم الله - تعالى - به حيث قال: {يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير}.

 صدق الله العظيم والحمد لله رب العالمين.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply

التعليقات ( 1 )

hi

12:34:58 2023-01-21

hi