بسم الله الرحمن الرحيم
مقال الشيخ علي الحلبي (أحد أبرز القيادات السلفية في الأردن) عن سيد قطب ودوره في نشر ما يسمى بالفكر التكفيري في صحيفة الغد اليومية الأردنية (31/12)، ورد الأستاذ سالم الفلاحات (قيادي إسلامي بارز) عليه، في الصحيفة نفسها يثير نقاشا قديما جديدا حول الشهيد (بإذن الله) ودوره في الفكر الإسلامي المعاصر وفي التأثير على الجماعات الإسلامية المختلفة.
ما يثير الانتباه في دعوى الحلبي ورد الفلاحات أننا ما زلنا في تعاملنا مع الميراث الفكري لسيد قطب نخضع لمعايير مجحفة بحق الرجل، سواء بالوقوف مسبقا معه أو ضده، بقبول فكره وآرائه السياسية أو رفضها واعتبار أنها أفكار غير صحيحة. وفي تقديري آن الأوان، ونحن نعيش الذكرى المئوية على ميلاد سيد قطب، أن نعيد الاعتبار لفكره وميراثه من خلال قراءة متكاملة منهجية، تعتمد مبدأ \"النسبية\" في الحكم.
في هذا السياق أختلف تماما مع الشيخ الحلبي في اجتزاء نصوص معينة لسيد قطب والاعتماد عليها في محاكمة الرجل، وتحميله مسؤولية صعود جماعات العنف والتطرف، فلا بد من قراءة متكاملة أولا، في سياق الشروط والظروف التي أحاطت بسيد قطب ثانيا، وإدراك أنّ هناك ظروفا سياسية لعبت دورا كبيرا في صعود جماعات العنف والتطرف وفي الضغط كذلك على سيد قطب ثالثا. إذ لا يجوز تحميل سيد قطب وفكره مسؤولية الحالة العربية بعامة وخطايا النظم السياسية العربية وفشلها في إدارة أزماتها الداخلية..الخ.فالتعامل مع قطب وأي مفكر إسلامي، له تراثه الضخم وحضوره الواضح، يجب أن يتم بعيدا عن منطق المحاكمة والترصد، وإنما الانتقال إلى منطق القراءة المنهجية النقدية الصحيحة لمعرفة ما يمكن الإفادة منه والبناء عليه ويمثل مساهمة في رفد الفكر الإسلامي، وما يجب نقده وبيان جوانب الخلل فيه.
وما دام موضوع قطب قد طرح، فما يمكن قوله أن أفكار سيد قطب ساهمت في بناء فكرة المفاصلة وفي وجود اتجاه فكري يرفض العمل السياسي داخل النظم العربية الحاكمة من ناحية.وفي صناعة خطاب إسلامي ينظر إلى النظم الحاكمة على أنها كافرة وإلى الوضع العام بأسره على أنه جاهلي. وهذه الأفكار، بعيدا عن مسألة تماسكها المنطقي، على الصعيد الحركي كان لها آثارها السلبية
لكن تُطرح في هذا السياق ملاحظتان منهجيتان. الأولىº أنّ سيد قطب لم يدع، على الصعيد الفكري العام، إلى العمل المسلح الداخلي ولا إلى تكفير المجتمعات، وهذا واضح من قراءة الرؤية المتكاملة لفكره، وإذا كان هناك\"نصوص\" مختلفة عن هذه القراءة فتقرأ في السياق المتكامل وليس المجتزأ. ويؤكد على هذه الملاحظة الأستاذ محمد قطب(أخو الشهيد ووريثه الفكري) إذ يفرق بين عدم مشروعية النظم العربية القائمة في رؤية سيد وبين توافر القدرة الخروج على هذه النظم.
أما الملاحظة الثانية فهي أن قطب، جاء في فترة صراع سياسي وفكري عربي محتدم، وقد تورطت جماعته (الإخوان المسلمون) في صدام مع نظام حكم عسكري، زج بهم في السجون وقدم عددا منهم إلى المحاكمة، وهو ما انعكس في تلك المرحلة على الأيديولوجيا الإسلامية، إذ لم يكن نسق المشاركة السياسية والانخراط في الحياة السياسية ومهادنة الحكومة يتناسب مع الظروف والشروط التاريخية- السياسية المتأججة المبنية على الصراع، وكان لا بد من فكر إسلامي صدامي يفسر \"محنة الأخوان\" آنذاك في مواجهة النظام الناصري. وأتوقع أن سيد قطب لو بقي حيا إلى الآن، وشهد التحولات السياسية وانهيار الأفكار الشمولية لأعاد النظر في كثير من أفكاره ورؤاه حول منهج التغيير والإصلاح.
وما زالت جماعة الإخوان إلى اليوم تدور بين نسقين من الفكر السياسي. الأولº وهو نسق إصلاحي أقرب إلى فكر حسن البنا ويقوم على المشاركة السياسية والتمثيل النيابي والعمل المتدرج والحلول والصفقات السياسية. ويزدهر هذا النسق في التفكير والعمل السياسي الإخواني لحظات الانفتاح الديمقراطي والمشاركة في المؤسسات السياسية وفي ظل النظم المعتدلة التي تسمح بالمشاركة الإسلامية وتفتح الباب للتعددية. والثانيº هو النسق الراديكالي وهو أقرب إلى فكر سيد قطب، ويقوم على المفاصلة مع المجتمع السياسي ورفض العمل السياسي داخل النظم والمؤسسات السياسية المتعددة، ويزدهر هذا النسق في ظل النظم المغلقة التي تمنع التعددية وتصادر حق التنوع في الخيارات السياسية والفكرية.
في المحصلة، لا يمكن تجاهل الميراث الرائع لسيد قطب، ومساهمته في الفكر الإسلامي. ولعل أهم ما يذكر في هذا المجال هو لغته الرشيقة المتميزة في تفسير القرآن وربط ذلك بالأحداث السياسية والمتغيرات المعاصرة، وإصراره على تفسير الإسلام خارج سياق الطاعة العمياء للسلطة السياسية ورفض الفتاوى التي تسير دوما في ركاب الحاكم مهما كانت صفته وأيا كانت سياساته، وإصراره على أن الإسلام دين الحرية والكرامة الإنسانية. ويكفي أن سيد دفع حياته ثمنا لما آمن به، ولم تكن مصالحه الشخصية رائده. هذا ما يشفع له، ويذب عنه وإذا كان هناك تقصير فهو ممن تبعوه ولم يقرأوا ميراثه الفكري بموضوعية وبرؤية نقدية بناءة، وهي الخدمة التي يمكن أن نقدمها بالفعل للشهيد في ذكرى ميلاده المئوية.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد