بسم الله الرحمن الرحيم
الهزيمة النفسية سقوط حضاري لا يضاهيه نوع آخر من الهزائم العسكرية التقليدية، وخطورتها تكمن في كونها استعماراً للعقول والقلوب، قبل أن تكون استعماراً لخيرات الأرض ومقدراتها.
وعلى شدة وقع الاستعمار العسكري إلا أنه وسيلة قوية لإيقاظ الأمة من غفلتها، وتقوية لُـحمتها، وتحرٌّك غيرتها، وإحياء حميّتها الدينية، وفي النهاية طال هذا الاستعمار أم قصر فإن مصيره الرحيل.
أما الاستعمار النفسي فيتغلغل في نفوس معظم أبناء الأمة دون أن يدركوا أثره وخطرهº بل دون أن يشعروا بإصابتهم به!
ولأثر هذا الغزو النفسي فقد فطنت بعض الدول إلى أهميته حتى غدا عنصراً مهماً في الحملات الفكرية والإعلامية الموجهة للدول المغزوّة أثناء الصراعات الحضارية، كي يدب فيها الوهن ويدوم اليأس.
* من أسبابها:
لعل من أهم أسباب هذه الهزيمة النفسية التي أصابت الأمة في مقتل وأدى إلى ضعفها ووهنها، بُعد كثير من المسلمين عن دينهم وجهلهم بحقيقته، ومرارة الواقع الذي يعيشونه، وخذلان المسلمين بعضهم بعضاً، وعدم اتحادهم أمام قوة أعدائهم، وعدم إدراكهم لأسباب المد والجزر في تاريخ أمتهم، وعدم إلمامهم بعوامل النصر والهزيمة، وتأثرهم بوسائل الإعلام الموجهة إليهم التي يحرص الغرب من خلالها على إبراز أنشطته العسكرية وقدراته الحربية واستعراض أسلحته وتقنيته المتطورة، وإشهار اكتشافاته العلمية وغزوه حتى للفضاء الخارجي، ونحو ذلك من الأمور التي تُعزز مكانته وتوهن غيره وتوحي له بالعجز واليأس، بالإضافة إلى ما يرونه من هيمنة أعدائهم على معظم المنظمات والبنوك والهيئات الرسمية واستغلالها لإخضاع الدول الإسلامية وإخضاع بعضها بالعقوبات والمقاطعات الاقتصادية، وأحياناً بالقوة والتدخل العسكري إذا لزم الأمر.
مثل هذه الأمور مجتمعة ولّدت هزائم نفسية متتابعة، كان الغرب يهدف إليها ويغذيها بشتى وسائله الإعلامية والسياسية والاقتصادية، ليستمر التخدير، ويدوم الخنوع.
وتجاوز الأمر قنطرته وأثَّر رجع ذلك الصدى في بعض أبناء جلدتنا ـ الانهزاميين ـ الذين أكدوا هذه الهزيمة وعززوهاº بكتاباتهم وتحليلاتهم الانهزامية في الصحف والمجلات والفضائيات بثنائهم المبالغ فيه على الغرب وحضارته وقيمه وقوته وديمقراطيته، وأنه إنما سيطر على هذه الأمة بسبب ضعفها وتخلفها في الجوانب العلمية والسياسية والاقتصادية والتقنية فحسب.
ومع مصداقية بعض تلك التحليلات ظاهرياًº لكونها أعراضاً للمرض الحقيقي الذي تعانيه أمتناº إلا أن أولئك الكتاب والمحللين جعلوها أمراضاً مستقلة ينبغي أن يتجه إليها العلاج مباشرة، وذهلوا ذهولاً أعمى عن (السبب الأساس) في نشوء تلك الأعراض، وحادوا عن استلهام تعاليم القرآن، وتوجيهات السنَّة، واستقراء التاريخ، ومعرفة السنن الجارية، والنواميس الشرعية، حول أسباب ضعف الأمة الإسلامية والمخرج منها، ولم يتطرقوا إلى ذلك من قريب أو بعيد، لعدم إدراكهم لأبجديات تلك المسائل، ولجهلهم بفقه الهزيمة التي حلّت بالأمة، ولخوضهم في أمـــور لا يملكــون أدواتهـا، ولتصدرهم لقضايا لا علاقة لتخصصاتهم فيما يتحدثون عنه أو يكتبون فيه، وللهوى والحقد الذي يُكنّه بعض أولئك لهذا الدين.
وللأسف فإن ذلك الطرح المادي المتكرر، قد أثر على قطاع عريض من شباب المسلمين، وكان سبباً في صرفهم عن عودتهم لهذا الدين، وإصابة غيرهم باليأس والقنوط، وأصبح بعضهم الآخر (يُسقط) تقصيره وأخطاءه على غيره، ويخرج نفسه من مغبّة مسؤولية ضعف أمته وهوانها، فعطلوا طاقاتهم وقدراتهم، بل وجميع أسلحتهم المعنوية الأخرىº فهم برأيهم ـ وكما فهموه من أولئك المحللين الانهزاميين ـ لا يملكون شيئاً لمواجهة تلك القوة القاهرةº حتى أصبح كثير منهم يعتقد
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد