ألست شيخا ؟!!


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أنتَ شيخٌ أو متدينٌ أو ملتزمٌ، أو أياً كان الوصفُ الذي يُعطى لك، تعبيراً عن التزامك بالدين، فالمُفترض أن يكون فيك - ما دمتَ كذلك - مجموعة من الصفات تُثبت صدق مشيختك، أو تدينك، أو التزامك، وإلا فالويل لكº فستكون متناقضاً مُدَّعياً، وقد تكون كاذباً منافقاً!

وهذه الصفات تقتضي منك أن تلغي الكلمات التالية من قاموسك: \"لا، آه، أخ، حقي، مالي، كرامتي، شخصيتي، رفع رأسي، أن أغضب، أن أنتصر لنفسي، طباعي النفسية، أحاسيسي، غِنايَ، وأخذي من الدنيا بالحق، ابتسامتي...\"، وغيرها مما يدل على وجودك، ويعبر عن بشريَّتك.

 

وسبب هذه الافتراض أمران:

الأول: السَّمتُ والسلوك اللذَان يُظهرهما كثيرٌ من المشايخ والعلماء، وكثيرٌ من المتدينينº مما زرع في نفوس كثير من الناس مفهوماً معيناً للتدين، ومنظراً محدَّداً للمتديّن.

الثاني: السقفُ المرتفع عمَّا ينبغي أن يكون عليه الشيخ أو المتدين من الواقع، وذلك بسبب الفهم الخاطئ لمفهوم التدين، ولطبيعة الإنسان التي خلق اللهُ الناسَ عليها.

 

ولنتحدث عن هذين السببين بشيء من التفصيل:

أما الأول: فإن سلوك كثير من المشايخ والعلماء أوقع الناس في هذا الخَلطº فالعالِم - أو الشيخ - عندما يقدِّم نفسه للناس في صورة توحي بالتفرٌّد والتميٌّز، ويحاول أن يُظهر نفسَه على أنه شيء كالملاك، أو قريبٍ, منهº فلا شك عندئذٍ, أن الناس سيتوقعون منه سلوكاً خالياً من الأخطاء.

وكثيرٌ من المشايخ يعرضون الإسلام على أنه دين الآخرة، وأن المتدين يعيش في الدنيا منتظراً الموت الذي سينقذه من هذا النكد، ومن هذه الأقذار، فإذا ما أخذ منها - وهو لابدَّ آخذ - فسيوقع الناس في تناقض، وسيقولون له مستغربين: ألستَ شيخاً؟! كيف تأخذ من هذه الأقذار؟!

وأما الثاني: فبسبب البُعد عن الدين، ولقلة ظاهرة التدينº صار المتدين أو الملتزم - كما يسميه بعض الناس - مخلوقاً غريباً يتوقع منه الناس العجائب، وكأنه سقط من كوكب آخر!! ثم هم ينظرون إليه على أنَّه حقَّق ما يُحبٌّون لكنَّهم لا يقدرون عليهº إنه يذكِّرهم بالقصص التي سمعوها عن السلف، وبما أنهم في شوق لهذه النماذجº فإنهم يتوقعونهم في شخص هذا الذي تديَّن، وبما أن هذه النماذج تُطرح على الناس - كما أشرت في مقالة سابقة - بصورة ملائكيةº فالويل له إن خالف هذه الصورة. وتحليل هذه الأسباب يطول بناº فلنكتفِ بما أشرتُ إليه.

 

ونسأل بعد ذلك: ما هي النتيجة؟ النتيجة قاسية وشديدة الخطر، وقد تُسبب أزمةً في الحياة، وأزمةً في ظاهرة التدين، وأزمةً في العلاقة بين الناس، وعللاً في التدين لا يعلمها إلا الله.

فالمتدين في نظر الناس يعطي ولا يأخذ، لا وجود لـ (لا) في معجمه، فإن قالها اتٌّهِمَ بأنه بخيلٌ مُتمسِّكٌ بالدنيا الفانية، وهو فقيرٌ مسكينٌ، ينظر إلى الدنيا من عَلٍ,، فإذا سوَّلت له نفسه يوماً أن يأكل منها بالحلال، قال له المراقبون: ألستَ شيخاً؟!

وقد رأيتُ مَن يسألُ أحدَ طلبةِ العلم عن مكان سكنِه، فلما عرف أنه يسكن في منطقة جيدة تعجب وانبهر، وقال: \"شيخٌ وتسكن في هذه المنطقة\"؟! هكذاº لأنَّه شيخ عليه أن يسكُن في كهف، أو في الصحراء - على أحسن تقدير.

وهو حليمٌ دائماً، ليس من حقه أن يغضب أو ينتصر لنفسه، مهما فعلنا بهº فإن خطر على باله مرةً أن يغضب، بعد أن نكون قد أكلنا لحمهº صرخنا به: \"ويحك، وثكلتك أمٌّك، وفُضَّ فوك، ألم تسمع وصيته - صلى الله عليه وسلم - لذلك الرجل: ((لا تغضب))! أيٌّ شيخٍ, أنتº تحفظ الحديث ولا تطبِّقه! لا جَرَمَ أنَّ الدين في تأخٌّر! وكلٌّ ذلك منكم مَعشر من آمنتم بألسنتكم، ولمَّا يدخل الإيمانُ في قلوبكم! يا هذا: ألستَ شيخاً\"؟!

 

وهذه الأمثلةُ غيضٌ من فيض، لكنها تعبِّر عن المشكلة، وتُنبئ أنَّ القائمة المذكورة آنفاًً ممنوعةٌ عن المشايخ منعاً باتّاً.

 

أقول أيها الناس، يا قومنا: إنَّ المشايخ، أو الملتزمين، أو المتدينين، - أو ما شئتم بعدُ من أسماء ناسٌ من الناس وبشرٌ من البشر، فهم يحملون ضعف البشر، وآمال الناس، وحبَّ الدنيا الغريزي الضروريº للعيش في الدنيا، وهم إذا استُغضِبوا غضبوا، وإذا أُكل حقٌّهم طلبوه، وإذا أُسيء إليهم جاز لهم أن ينتصروا، مثلهم في ذلك مثل الناس جميعاً.

 

والمجتمع المسلم - في نظر الإسلام - لا ينقسم إلى قسمينº قسمٍ, يُمارس الإنسانية ويتفاعل مع طبائعها، وقسمٍ, يعيش في المُثل، يحارب غرائزه، ويُفني طبائعه. لا يوجد في المجتمع المسلم أناس اسمهم متدينون وأناس غير ذلكº إذ المتوقَّع من أفراد المجتمع التديٌّن والالتزام.

والإسلام لا يتعامل مع المسلم على أنَّه ملاك، ولا يُريد منه تركَ الدنيا بالمعنى الذي يفهمه التدين المُنحرف، والشريعةُ جاءت لضبط سلوك الناس - كلِّ الناس - وَفق مراد الله - سبحانه وتعالى - ورتبت على هذا السلوك ثواباً وعقاباً، لا فرق في ذلك بين إنسانٍ, وآخر.

 

فلا تطلبوا من (الشيخ) المستحيل، ولا تتوقعوا منه خلاف طبعه، وعاملوه بما تعاملون سواه من الناسº فلا تقولوا له - كلما أردتم أن تسلُبوه حقه -: \"ألستَ شيخاً\"؟!

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply