بسم الله الرحمن الرحيم
التطرف والاعتدال:
أولاً: هل مصطلح التطرف والاعتدال مصطلح إسلامي؟
بالرجوع إلى المصطلحات الإسلامية الأصيلة لا نجد أثراً لهذين المصطلحين، مما يدل على أنهما إما مترجمان من لغات أجنبية أو من اشتقاق بعض الكتاب المنحرفين.
ثم ما هو المصطلح الإسلامي البديل لهذين المصطلحين؟
السائد في كتب أهل العلم في مثل هذا الأمر هو التعبير بـ \"الغلو\" عمن انحرف عن منهج أهل السنة والجماعة في جانب التشدد على النفس أو الغير، والتعبير بـ \"الإرجاء\" عمن انحرف عن منهج أهل السنة والجماعة في جانب التساهل في التكاليف الشرعية إذا كان ذلك منهجاً واعتقاداً، والتعبير بـ \"المعصية\" إذا كان هذا التساهل في التكاليف الشرعية سلوكاً فردياً لا يعبر عن منهج معين أو اعتقاد معين.
والأمر الأهم في هذا الأمر هو: ما هو ميزان التطرف والاعتدال؟
هل هو أهواء البشر ونزواتهم، أم أنه ميزان الشرع والنص والحق؟ فلو تُرك هذا الأمر للناس كافرهم وعاصيهم فليس هناك حد معين يقف عنده الاتهام بالتطرف أو المدح بالاعتدال، فالمسلمون متهمون بالتطرف لدى الكفار مهما كان تساهلهم في تكاليف دينهم، ودمائهم وأموالهم وأعراضهم مباحة مهما بعُدوا عن دينهم، والمثال الصارخ على ذلك: مسلمو البوسنة فقد كانوا في بداية التسعينيات الميلادية وبعد انحلال الاتحاد السوفيتي بعيدين عن الإسلام سلوكاً وعقيدة إلا أقل القليل بسبب امتداد السيطرة الشيوعية عليهم سنين متطاولة وما حصل لهم من جهل وتجهيل، ومع ذلك تعرضوا لأبشع المذابح والجرائم على يد الغرب كافة وليس على يد الصرب فقط.
ومثال آخر على نظرة العلمانية للإسلاميين واتهامهم بالتطرف مهما كان تساهلهم هو حركة النهضة التونسية التي كانت تقول في أدبياتها إنه لا مانع لديها من وصول الشيوعية إلى الحكم إذا كان ذلك هو اختيار الشعب ومع ذلك فهي في نظر العلمانيين حركة متطرفة، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى ولكن أردنا أن نورد مثالين صارخين لقطع الجدل في ذلك.
ففي كثير من بلاد الإسلام يعتبر ارتياد المساجد للصلاة دليلا على التطرف يضع فاعله تحت المراقبة وحرمانه من حقوقه الشرعية، بل وصل الأمر في إحدى البلدان العربية المسلمة أن يلزم المسلم أن يصلي في مسجده فقط، ويعطي بطاقة تحدد مسجده وتمنعه من الصلاة في غيره وهو ملزم بإبرازها عند الدخول في المسجد ويقوم بذلك إمام المسجد ويعتبر مسؤولاً عن مسجده إذا سمح لغير جماعته بالصلاة فيه..؟؟!!
فما حدود التطرف والاعتدال عند هؤلاء؟ وما ضابطها؟
يقول - تعالى -: {وَلَن تَرضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم} (البقرة: 120).وصدق الله حيث يقول {وَدَّ كَثِيرٌ مِن أَهلِ الكِتَابِ لَو يَرُدٌّونَكُم مِن بَعدِ إِيمَانِكُم كُفَّاراً حَسَداً مِن عِندِ أَنفُسِهِم مِن بَعدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقٌّ} (البقرة: 109).وصدق الله {وَدَّت طَائِفَةٌ مِن أَهلِ الكِتَابِ لَو يُضِلٌّونَكُم وَمَا يُضِلٌّونَ إِلَّا أَنفُسَهُم}(آل عمران: 69). وصدق الله {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ يَرُدٌّوكُم بَعدَ إِيمَانِكُم كَافِرِينَ} (آل عمران: 100).
هذه حقيقة الموقف، وما الاتهام بالتطرف إلا مرحلة من مراحل نقل المسلم إلى الكفر درجة درجة.
أما العلمانيون أذناب اليهود والنصارى، فدورهم معروف في زعزعة الإيمان والأخلاق في نفوس المسلمين بشتى الوسائل والسُبل، ومن هذه الوسائل الاتهام بالتطرف لكل متمسك بدينه داعٍ, إليه، ولقد رأينا العجب من ذلك في الفتنة الأخيرة، فقد شهروا أقلامهم وألسنتهم بإطلاق شتى التهم على العلماء والمناهج والدعاة، وقد أظهروا ما تُكِنَّه صدورهم من خبث ولؤم وغدر واستغلال لفرصة سانحة وطعنوا الأمة في ظهرها في أحلك ظروفها الداخلية والخارجية ـ قاتلهم الله أنى يؤفكون ـ وهنا نذكِّر بدور المنافقين في الأزمات التي مرت بالأمة طوال تاريخها ابتداءً من زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - مروراً بتاريخ الأمة المتطاول انتهاءً بزمننا هذا، ولعلنا نذكِّر بقولهم في غزوة بدر بقول الله عنهم {وَدٌّوا لَو تَكفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً}(النساء: 89). {إِذ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُم} (لأنفال: 49). فقد رأينا الطعن في الدين مباشرة وفي الأشخاص والجماعات، وإن نظرة عجلى على بعض الصحف والمواقع تؤكد ما نقوله وما ندعيه.
إذاً مهما اعتدلت في نظر نفسك فأنت في نظر هؤلاء متطرف، وكلما تراجعت خطوة إلى الوراء لإرضاء هؤلاء ومداراتهم فأنت مضطر للتراجع خطوة أخرى حتى تقع في هاوية الكفر التي يريدونها لك فالنجاء النجاء.
ولم يسلم من الاتهام بالتطرف في نظرهم هؤلاء الذين يقومون بحقهم الشرعي في الدفاع عن دينهم وأرضهم وعرضهم من المجاهدين في فلسطين والعراق، وغيرها من بلاد الإسلام المنكوبة بالاحتلال فماذا يريد هؤلاء؟ هل الاعتدال هو الخضوع لاحتلال العدو الكافر؟ ماذا يريد العدو أفضل من هذا؟
ولا ننسى هنا التذكير بأن حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم في تركيا هو حزب متطرف في رأيهم لأن له جذورا إسلامية مهما بلغ تفريطه في دين الله.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد