بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الداعية لا يخفى على أحد أهمية الحماسة، وأثرها في الانطلاق، ولا شك أنك تعلم أن الدعوة ليست ملكاً لك ولا لغيرك، وأن مراعاة مصالحها، والحرص على تحقيق أهدافها من أوجب الواجبات، وأنه لا يمكن لأحد أن يفرط أو يتساهل أو يقصر في شيء من ذلك استجابة لحماسة دافعة، أو ردود فعل طائشة لا تقدّر العواقب، ولا تدرس النتائج، وتعود على الدعوة بالمصادرة أو المحاصرة، وتفقدها مكتسبات استغرقت زمناً طويلاً، واستنفدت جهداً كبيراً.
إن الداعية مطالب أن يضبط حماسته بأحكام الشرع، ومراعاة المصلحة، والأخذ بالأسباب، ولا يغيب عن البال أن الصراع بين الدعوة وخصومها صراع عقائدي حضاري، ممتد في الزمن، شامل لجميع المجالات فليس الهدف الانتصار على الباطل في ميدان محدود أو جولة محدودة على حساب عرقلة الدعوة، وتأخر المشروع الإسلامي المتكامل.
والرسول - صلى الله عليه وسلم - القدوة الأولى في هذا المضمار، فعندما اشتد أذى قريش، وزاد سعارها ضد الدعوة والدعاة أراد النبي الكريم أن يحمي الدعوة، ويجنبها صداماً ليست مهيأة له، ولذا عمد إلى نزع فتيل التوتر لتفويت الفرصة على المتربصين المنتظرين لأدنى سبب لتوسيع دائرة الحرب، والعمل على استئصال الدعوة، ومن هنا وجه النبي الكريم أصحابه للهجرة إلى الحبشة محققاً بذلك تهدئة الأوضاع، وحماية للدعاة ومزيداً من الانتشار للدعوة، وعندما بايعه النفر الأوائل من الأنصار قال بعضهم للمصطفى - عليه الصلاة والسلام -: \" والذي بعثك بالحق لئن شئت لنميلن غداً على أهل منى بأسيافنا \"، فقال لهم: (لم نؤمر بذلك)، فضبط حماستهم استجابة لأمر الله، ومراعاة لسياسة الدعوة ومصلحتها، وكذا كان الأمر في صلح الحديبية عندما دفعت الحماسة عمر - رضي الله عنه - إلى عدم القبول بشروط الصلح والسلام، حيث انتزع اعترافاً رسمياً من قريش بالمسلمين ودولتهم، ثم كانت الهدنة فرصة لنزع طبيعة التوثب الناشئة عن الصراع العسكري مما هيأ العقول والنفوس أن تتقبل دعوة الإسلام بعيداً عن العداء والثأر والدماء، وكان المسلمون في الحديبية (1400) رجلاً، وبعد عامين كانوا (10000) رجل في فتح مكة، وكان المسلمون قبل الحديبية قد انتصروا في \" بدر \" وكانت لهم جولة في\" أحد \" ورد اعتبار في \" حمراء الأسد \" وخزي للمشركين في \" الخندق \" وكانت حماستهم وإيمانهم وتضحيتهم على استعداد للتصعيد والقتال ولكن الرسول الكريم أراد للدعوة الحماية والانتشار، حتى يحقق المزيد من التمكين والانتصار في معركة فاصلة، تحقق من المكاسب أضعاف أضعاف المكاسب القليلة في الانتصار المحدود.
واليوم تواجه الدعوة والدعاة حملة شعواء، وهجمة شرسة، ومضايقة مستمرة تستدعي أن تكون الكياسة مصاحبة للحماسة، حتى تسترشد بالسيرة العطرة للداعية الأول - عليه الصلاة والسلام -.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد